أصوات – أنطونيو بورشيا
كتاب أصوات، للشاعر الأرجنتيني بورشيو المولود في 13-11-1885 في مدينة كونفلينتي، إيطاليا. اضطرت أمه بعد وفاة والده، إلى الهجرة مع أبنائها السبع (أربع بنات وثلاثة أولاد)، ليبدأ بورشيا العمل في الأرجنتين وإعالة أسرته. بالرغم أن بورشيا لم يكتب سوى هذا الكتاب والذي أسماه أصوات، فإن له أثره في عديد الشخصيات الأدبية أمثال أندريه بريتون الذي قال عن الكتاب “مع إنتاج أوكتافيو باث الشعري، أعظم إضافة إلى الأدب المكتوب بالإسبانية خلال النصف الأول من القرن العشرين”. وأثّر في بورخيس وروبرتو خواروز، وقال عنه الكاتب هنري ميلر أيضا، أن كل مكتبة يجب أن تحتوي كتاب أصوات. أُصدر الكتاب عام 1943، وقد بلغ بورشيا السادسة والخمسين من عمره وقتها، بعد أن ألح عليه مجموعة من الأصدقاء، ولم يلقَ الكتاب صدى أول مرة بعد وضع نسخه في جمعيّة تضم مجموعة من الفنانين والأدباء ولم تبع منه نسخ كثيرة، واشتكت الجمعية من النسخ التي تحتل مكانا حتى قرر أن يهدي نسخه إلى المكتبات البلدية، فذاع صيته، وأعيد طبعه عام 1948، ووقعت نسخة من الكتاب بيد الكاتب الفرنسي روجيه كايوا فأعجب به وترجمه إلى الفرنسية ونشره عام 1949. ليتكرار نشره فيما بعد، وتُرجمَ إلى لغات الإيطالية والإنجليزية والعربية.
كتاب أصوات أو ديوان أصوات هو شذرات أو لمحات أو كما يسميها مترجمها وليد السويركي شذرات كتابية، أرى أن أسميها ومضات، لكنها ومضات تخطف معها القلب، إذ كتبها بورشيا بأسلوب سلس جمع فيه التبصر والتأمل والفلسفة بشدة الملاحظة ودقة الوصف، واختيار العبارة المناسبة، حتى تكاد كتاباته تكون أقرب إلى الحكم والموعظة، ففيها الحديث عن الذات والآخر والعالم والحياة والحِلم والعلاقة الإنسانية والحُب. ضم الكتاب قرابة أربعمئة ومضة أدبية فلسفية، حفظ بورشيا من خلالها رؤاه لهذا العالم والحياة على الأرض، ويؤكد أن الشعرية والشاعرية والتبصر الأدبي بحاجة إلى مراقبة الذات والتأمل، كأنه يمارس فنا من فنون اليوغا أو الزن فبدل أن يراقب أنفاسه ويحاول السيطرة على وعيه فإنه يراقب ذاته وعالمه المحيط ويسطِّره فوق الورق الأبيض. ومما يكتبه:
أنت لا تملك شيئا، وقد تمنحني عالما، وأنا مدين لك بعالم.
بما أنه يستحيل توحيد الدقائق، اسمعني لدقيقة واحدة، اسمعني دائما دقيقة واحدة وستسمعني إلى الأبد.
حين تتحدثان إليَّ، أنت والحقيقة، لا أصغي للحقيقة؛ بل إليك.
حين أموت، لن أراني أموت، للمرة الأولى.
هناك من يسبقون الجميع، فيبلغون الصحراء.
الشمس تضيء الليل، لكنها لا تحوله إلى ضوء.
إذا ما رأيت أحدهم يموت، فإن أمي هي دائما من تموت، منذ أن رأيتها تموت.
المعروف الذي لا أراه فيك لا تسده إلي.
لا أحد ضوء نفسه، حتى الشمس ذاتها.
أنت لا ترى سيل الدموع، لأنه ينقصه دمعة منك.
أظن أن أوجاع الروح هي الروح، لأن الروح التي تُشفى من أوجاعها تموت.
لو كان للإنسان أجنحة لهوى أكثر.
ثمة من يسقط فلا ينهض، لئّلا يسقط ثانية.
يمضي الإنسان حياته وهو يقيس، وهو ليس مقاسا لشيء، حتى لنفسه.