حماة مأساة العصر

يوثق هذا الكتاب جريمة من جرائم العصر الكبرى في سوريا حافظ الأسد، فبعد أن استولى حافظ على السلطة في بداية سبعينات القرن الماضي شرع في توطيد حكمه، وتطهير المؤسسة العسكرية من العناصر غير الموالية له لا سيما من السنة وسائر الطوائف غير العلوية، وتعزيز مراكز العلوية وقرابته، ثم فرض قانون الطوارئ وإعلان الأحكام العرفية، وتأسيس مليشيات مثل سرايا الدفاع بقيادة أخيه رفعت الأسد، والسيطرة على اقتصاد البلد وغرف التجارة، وتفرد حافظ وزبانيته بالقضاء والسلطة التشريعية والتنفيذية، مما جعل البلد بيد حفنة قليلة من الأراذل. اصطدمت السلطة في سوريا بالشعب لا سيما المعارضة وأبرزها حركة الإخوان المسلمين التي رفضت حكم حافظ وسياساته القمعية والطائفية، ورد عليها حافظ بممارسات قاسية من الاعتقال والإعدام إلى القتل والمضايقات وتقييد الحريات والاعتداء على الناس وأعراضهم إلى كل أشكال العنف والإرهاب المنظم. كانت حماة من أشد المدن معارضة لنظام حافظ، ومركزا لتجمع الإخوان المسلمين بشقيهم المدني والمسلح، وأراد حافظ الانتقام وفرض أمر الواقع بقوة السلاح في المدينة، ولتكون عبرة لبقية المدن السورية. حماة من أقدم المدن السورية، وواحدة من أهم أربع مدن في تاريخ سوريا الإسلامي بجوار حلب وحمص ودمشق، وتشتهر بطابعها العمراني التراثي ونواعيرها ومراكزها الثقافية وتكياتها ومساجدها، وبأهلها الذين قاموا المستعمر الفرنسي وكانوا شوكة في حلقه، وهم أكثر الذين عارضوا حكم حافظ وسياساته الاستبدادية. غير أن هذه المدينة وفي الثاني من شهر شباط/ فبراير من عام 1982 شهدت عملية عسكرية كبرى شاركت فيها ألوية من الجيش السوري، والمخابرات العسكرية، ومليشيا سرايا الدفاع، وقوى الأمن والفروع الأمنية المختلفة. بقيت قوات الأسد تقاتل بكل قواتها نحو شهر من الزمن وأهالي حماة يذودون عن مدينتهم وأنفسهم وأعراضهم، غير أن الكثرة تغلب الشجاعة، فدمرت قوات حافظ المدينة وارتكبت المجازر. يُقدر عدد القتلى من أهل حماة نحو أربعين ألفا، وستين ألف مغيّب، وأكثر من مئة ألف نازح، ودمار مدينة تاريخية ما عادت كما كانت، فبعد أكثر من ربع مليون إنسان بقي في حماة أربعون ألفا. ومن الطرف الآخر، فمع أن حافظا مارسا تكتيما إعلاميا رهيبا فيقدر قتلى المهاجمين بعدة آلاف بحسب طرف المقاومين من أهل حماة. يشبه ما حدث في مدينة حماة التاريخية والمجازر والتدمير الذي طالها على يد قوات الأسد ذاك الذي يحدث اليوم في غزة على يد الصهاينة، بل إن القراءة من دون ذكر الفاعل لا يكشف عن أي فرق بين الاثنين. ومارس نظام حافظ ذات السياسات الصهيونية الإرهابية في حرب تأسيس الكيان، ولا تخطئ العين أوجه التشابه في إرهاب النظامين.
وأنا أقرأ في كتاب حماة مأساة العصر، وكيف دمّر الملعون وزبانيته واحدة من أهم المدن العربية والإسلامية في المشرق وقتّل أهلها وشرّدهم، ثم جاء ابنه من بعده وأكمل خراب سوريا ودمارها، لم يسعني إلا الاقتناع أن الأقليات ولو كانوا ملائكة لا يجب أن يحكموا الأكثرية في بلد ما أبدا ولأي سبب.