الفرق بين القصة والحكاية
في أثناء قراءتي لكتاب كليلة ودمنة، خطرَ في ذهني سؤال عن الفرق ما بين القصة والحكاية، وهل هما واحد وأنا أقرأ في كتب عديدة وشروح فقد التمست نوعا من التداخل وعدم التفريق بينهما وكأنهما شيء واحد، كلمتان مترادفتان تشيران إلى جنس أدبي واحد تكون فيه واقعة واحدة رئيسة وشخصياتها هي الأساس الذي يُروى. تفرق معاجم اللغة العربية كلسان العرب لابن منظور وأساس البلاغة للزمخشري ومعجم العين للفراهيدي بينهما فتشير إلى الفعل حكي وحكي الحديث وحكاية من المحاكاة، ولا تسمى حكاية إلا بمحاكاة شيء آخر كما يذكر الشيخ محمد الحسن ولد الددو. أما قصَّ وقصة وقِصص فهي القصة المعروفة سواء في وقتهم أو وقتنا. ولم أجد فروقا أخرى مثرية في كتبهم تزيل هذا اللبس (ولعل هناك فروق ذكرت قد أعرفها مستقبلا). وأما مرحلة البحث الثانية فكانت في تقصي الآراء الحديثة والمعاصرة عن الفرق بين الحكاية والقصة وفرق دلالتهما وفنيّتهما وهل يصح أن نقول حكاية إطارية أو قصة إطارية أو الاثنين؟ سأورد أدناه آراءً مفرّقة قد بدت لي واضحة ويمكن الاعتماد عليها في تمييز الحكاية عن القصة.
– القصة جنس أدبي، خاضع للنقد.. الحكاية تكاد تكون موروث شعبي ، تولع به القصاصون الشعبيون (القصخون) ، ولا يندرج ضمن الأجناس الأدبية كونه لا يخضع لمعايير النقد.
– الحكاية هي الاحداث والوقائع مجردة من أي اشتغال فني، فإذا صغتها في تقنية سردية، وأسلوب أدبي صارت قصة. وهذا تفريق أكاديمي.
– إن الفرق بينهما هو أن الحكاية ليست نتاج خيال فردي، بل هي ظاهرة اجتماعية على الرغم من أن الحكاية تحكمها شأنها شأن القصة مبادئ السرد، لهذا ميز النقاد على مر التاريخ بين الحكاية والقصة. بالإضافة، إلى إن النص الحكواتي يحافظ على ثباته عبر الزمن من خلال تناقله عبر الأجيال، لهذا نجد أن الحكايات ليس لها مؤلف معين. وهناك أيضا موضوعات الحكاية التي تدور حول مفاهيم أساسية مثل الوجود والإيمان والموت، وزمن الحكاية مختلف، وأخيرًا، يكون مضمون الحكاية اكثر صدقًا من القصة.
– إنَّ غرض الحكاية عرض مشكلة ومحاولة حلها التي قد تنجح أو تفشل. أما القصة فهي تسعى إلى إقامة حجة إلى أن جميع مسارات حل المشكلة قد جُرِّبت، وأن مسار البطل قد يؤدي إلى النجاح أو الفشل. وفي السيناريو الناجح، فإن رسالة أحداث القصة تدعم مسارا معينًا على وجه الخصوص، وفي السيناريو الفاشل فإن رسالة أحداث القصة تحمل رسالة مناقضة لذاك المسار المحدد على نحو مقصود. يمكن استخدام الحكاية في عرض فشل أو نجاح هذا المسار أو ذاك، أما استخدام القصة فهو في إثبات أن ذاك المسار هو الوحيد الفاشل أو الناجح. وخلاصة الفروق أن الحكايات لا تكون في الغالب قصصا معقدة وتنزع إلى أن تكون مباشرة وغير معقدة وذات توسع موضوعي محدود. وكلا القصة والحكاية صالح وذو بنيّة نافعة اعتمادًا على غرض المؤلف وتوضحيه في آلية حل المشكلة في حكاية أو إلى مناقشة حل مشكلة محددة في قصة.
مما يمكن استنتاجه من كل هذه الفروق، أن الحكاية ذات هيكيلة واضحة ولا تحمل أي سمة من سمات التعقيد الفنية أو الموضوعية وهي بهذا أقرب ما تكون إلى الحكايات الشعبية التي تتسم بقصرها وغرضها المباشر، في حين أن القصة هي جنس أدبي أكثر تعقيدا له سماته الأسلوبية والموضوعية والفنية واللغوية لذلك فهو أقرب إلى الصنعة والبُنية المحددة سلفا موضوعا وفكرة وأسلوبًا، والتي تطورت عبر قرون حتى أصبحت اليوم جنسًا أدبيا قائما بنفسه وله أنواعه وفروعه. ومن هذه التفرعات التي تكاد تكون أصلا قائما بذاته: القصة القصيرة جدا، والتي هي نسخة مصغّرة من القصة، ولا يمكن بحال من الأحوال أن نسميها حكاية قصيرة جدا التي تنطبق على الأمثال الشعبية التي غالبا ما تكون ذات حكاية أساس شكَّلته.
في الختام فإن التسمية “الحكاية الإطارية” كما أراها هي الأصح لأنها وكما ورد من الفروق أعلاه وفي أمثلة حوار بيدبا والملك وشهريار وشهرزاد، فكلاهما حادثة مباشرة غرضها هو تجميع القصص التي يرويها بيدبا أو شهرزاد، وتبدو أحيانا ثانوية إذا ما قُوبلت بموضوع القصص التي تضمها.