كتب

دولة الإرهاب – توماس سواريز

يقدّم توماس سواريز بأسلوب إحصائي تقريريّ سجلا عن كيفية قيام دولة إسرائيل في أرض فلسطين، كيفية امتازت بإرهاب الحركة الصهيونيّة ليس في فلسطين وحدها بل في كل بلدان العالم التي يمكن أن ينفع الإرهاب فيها من أجل الهجرة اليهودية الاستيطانية في فلسطين واستعمارها وطرد أهلها. استهدف الإرهاب الصهيوني، منذ عشرينيات القرن الماضي إلى ما بعد قيام دولة إسرائيل في أيار/ مايو 1948، ثلاثة خصوم رئيسين هم الفلسطينيين من أجل تهجيرهم وطردهم وانتزاع أراضيهم ثم صار تطهيرا عرقيا تسبب بهجرة نحو مليون فلسطينيّ يشكّلون نصف السكّان حينئذ، والأوروبيين المعارضين أو المناهضين أو الرافضين لاستيطان فلسطين ولهم منصب مؤثر وفي مقدّمتهم البريطانيين المدنيين والعسكريين في أوروبا وفلسطين، واليهود الرافضين للهجرة إلى فلسطين سواء من كانوا ضحايا النازيّة في ألمانيا والظروف السيئة في أوروبا أو اليهود المشارقة والمغاربة في البلاد العربيّة. كان الإرهاب الصهيوني مؤسسًا لغاية واحدة هو تشريع الهجرة وتسهيلها ودعمها ووأد كلّ محاولة إفشالها بل إبطائها. وخلافا لما هو شائع في دور بريطانيا في قيام دولة إسرائيل فالكتاب يركّز على الأسباب التي دفعت بريطانيا إلى اتخاذ موقف العاجز في وقف الإرهاب الصهيوني وقيام دولة الاحتلال الاستيطاني، عازيًا السبب إلى النخبة اليهوديّة الأمريكية وضغطها، وأحيانا تحكمها، على القرار الأمريكيّ بابتزاز الحكومة البريطانيّة بالمساعدات المالية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية التي خرجت منها بريطانيا منهكة. لا يقل الدور الأمريكي في قيام دولة الإرهاب عن الدور البريطاني بل يفوقه كما تبيّن صفحات الكتاب، فحتى لو كان عند البريطانيين أقل رغبة في الحد من التوغّل الصهيوني في فلسطين فقد عملت أمريكا على جعل هذه الرغبة حبيسة الصدور. ليس في الكتاب تبرئة لبريطانيا ودورها المشؤوم الخبيث بل في توسيع زاوية الرؤية لتشمل طيفا واسعا من السياسات الغربيّة التي من دونها ما كان لإسرائيل أن تقوم. وعلى غير نيّة المؤلف فقد بدت الصهيونية في كتابه حركة إرهابيّة عالميّة بنفوذ واسع وشامل ويد طولى لا يستعصي عليها شيءٌ، وظهرت بمظهر الوحش العملاق مهددا الجميع إما أن أقيم دولتي في فلسطين وإما سأحرق العالم بأسره. ولا أظن أنّ اليهود المؤيدين لقيام دولة إسرائيل سينزعجون من قراءة الكتاب، فقد ظهر إرهابهم أسطوريًّا عظيما حقق مآربه وأهدافه في زمن وجيز، وبعمل بطوليّ جمع يهود الشتات في الأرض وأركبهم مركبا واحدا معيدا إياهم إلى أرض الأجداد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى