حياة شارلوت برونتي – إليزابيث غاسكل
The Life of Charlotte Bronte - Elizabith Gaskell
تكمن أهمية كتاب السيرة “حياة شارلوت برونتي” لإليزابيث غاسكل، المنشور عام 1857 بعد سنتين من وفاة شارلوت، في أنه أول كتاب سيرة حياتية ضخم تكتبه امرأة عن امرأة، وفي مساهمته في نشأة أسطورة الأخوات برونتي. اعتمدت غاسكل في كتابة سيرة حياة صديقتها على ما حصلت عليه من مواد ورسائل أصدقاء شارلوت، وتلعب رسائل إيلين نوسي، صديقة العمر لشارلوت، دورا مهما عند كل من كتب عن سيرة شارلوت برونتي. ونصيب كتاب غاسكل قرابة 400 رسالة شكَّلت حجر الأساس في هذا العمل وعملت هذه الرسائل مع رسائل ماري تايلور، صديقة شارلوت الأخرى على حياكة نسيج حياة شارلوت برونتي. تعرَّفت شارلوت على غاسكل بعد أن أرسلت الأخيرة رسالة إليها بعد أن ذاع صيت شارلوت (كورير بيل) واشتهرت روائية في حلقات لندن الأدبية، واستلمت غاسكل أول رسالة من شارلوت في السابع والعشرين من شهر آب/ أغسطس 1850، وكانت بينهما مراسلات أدبية، ثم التقت بها بعد مدة قصيرة في بريري وأرسلت لها ديوان القصائد المشترك، ثم التقت بها مجددًا في عام 1851. وزارتها شارلوت في منزلها في مدينة مانشستر عام 1852 وقضت يومين في نهاية شهر حزيران/ يونيو، وتوطَّدت العلاقة العائلية بينهما كثيرا، فزارت غاسكل شارلوت في هاورث في عام 1853 وتحدَّثا طويلا أثناء إقامة غاسكل عندها، وأخبرتها شارلوت الكثير عن عائلتها وأخواتها وحياتها الماضية.
كان لوفاة شارلوت في الحادي والثلاثين من آذار/ مارس 1855 أثره في زوجها وأبيها وأصدقائها، ولما عُرفت غاسكل بأنها روائية وأدبية فقد اقترح أصدقاء شارلوت ووالدها على غاسكل كتابة سيرة حياة شارلوت؛ وافقت غاسكل وأخذ المشروع منها نحو سنة ونصف بالاعتماد على ما حصلت عليه من معلومات ورسائل وما أخبرتها به شارلوت.
تواصلت غاسكل مع كل من تعرف من أصدقاء شارلوت وحصلت منهم على رسائل أرسلتها شارلوت إليهم أثناء حياتها، حتى إنها سافرت إلى بروكسل والتقت مسيو هيغر، الذي درَّس شارلوت في سنوات 1842-1844، وله الأثر الكبير في حياة شارلوت الأدبية والعاطفية. وتجنَّبت غاسكل الحديث عن مشاعر شارلوت وحبها لهيغر ولا الإشارة إلى رسائلها إليه التي اطلَّعت عليها لأسباب منها أنّ عادات المجتمع الفيكتوري وأخلاقياته لم تُتح لها الكتابة عن هكذا مواضيع “مشاعر امرأة تجاه رجل متزوج” بوضوح وصراحة، وكذلك احتراما لمشاعر آرثر نيكولاس، زوج شارلوت. كما أنها في هذا الكتاب ابتعدت عن الكشف الواضح لبعض الهُويات أو الكشف عن أسماء بعض الناس كما فعلت بحذف أسماء مدن أو اكتفاء بذكر الحرف الأول من الأسماء كما في رسائل أهم مصادرها إيلين نوسي فحذفت اسمها من الرسائل التي استلمتها من شارلوت.
ومن الواضح أيضًا توتر العلاقة بين باتريك برونتي، والد شارلوت، وغاسكل أثناء كتابة السيرة فقد اعترفت بأن والد شارلوت كان “صارما جدًا في أسلوبه معها طوال الوقت، وتصرَّف مثل طوب” واشتكى الأخير لصحفي أمريكيّ في السنة اللاحقة لنشر الكتاب “أظن أن السيدة غاسكل حاولت إظهاري سيئًا قدر الإمكان”. لكنه يقّر “بأنَّ هذا الكتاب من أعظم الكتب التي كتبتها امرأة عظيمة عن أخرى، ولا بد أن يتصدَّر كتب السير الذاتية حتى نهاية الزمان”. وشاركت عائلة غاسكل وأصدقائها في إخراج هذه السيرة بأفضل صورة ممكنة فطلبت من زوجها وليم أن يكون محرر لهفوات النص ومن أصدقائها المقربين قراء ناقدين للنص.
يتضح بقراءة فصول هذه السيرة الأدبية مقدار الجهد الكبير الذي بذلته غاسكل في كتابة حياة شارلوت وتتبعها سنة تلو أخرى وكيفية تنظيم مادة مصادرها بنحوٍ وازنت فيه بين صوتها وصوت شارلوت، فلا يغيب عن مسامعنا صوت شارلوت وبدت غاسكل في كثير من الفصول أنَّها المنظِّمة لتدفق المعلومات وضابطٍ لتسلسل أحداثها. ركَّزت غاسكل على جوانب عديدة في كتابها وسلَّطت الضوء على شارلوت الإنسانة والروائية والأخت الكبرى ولعلَّ واحدًا من أبرز ما في هذا هو إظهار شخصية شارلوت الناقدة في رسائلها مع غاسكل أو الفيلسوف والناقد الأدبي جورج هنري لويس (1817-1878) بعد نشرها لرواية جين إير عام 1847. وسعت غاسكل على تقديم شارلوت كاملة ومثالية وهذا ما قد يعيب على السيرة إظهار الجانب الإيجابي فحسب تقريبا، حتى إنها تجنَّبت التطرق إلى رواياتها وآرائها فيها على الرغم من طلب والد شارلوت ذلك، لكنها اكتفت بإيراد ما ذكرته شارلوت نفسها عن أعمالها ومدح مقدرة شارلوت الأدبية فتقول عنها إنها لا تضع أي كلمة حتى تعرف ما موضعها الصحيح وتتأكد من المعنى المراد الإشارة إليه منه.