شعر

أربع قصائد لصافو

ترجمة: مؤمن الوزان

ابتهال إلى أفروديت 

أتوسل إليك يا أفروديت

يا ذات الكيد والعرش التليد 

يا بنة زيوس- 

ألا تكسري فؤادي بآلامِ  

 

أتوسل إليك يا مولاتي

سمعتِ يوما دعائي 

آتٍ من بعيد-

غادرتِ منزل أبيك الذهب

وتنزّلتِ عليَّ بعربةٍ يجرُّها الطير 

 

عصافيرُ بديعة يخفقُ جناحها 

جاءت بكِ من السموات 

وأنزلتك إلى كبد السماء 

مطلّة على الأرض السوداء 

وإليّ أوصلتكِ

 

أيتها المباركة 

يا باسمًا ثغرها الأبدي 

سألتني ممَ أشكو، 

ولمَ هذا الدعاء،  

وماذا أرجو في هذا القلب العنيد؟  

’بصدرِ من سأنزُل حبك؟

ومن يا سابفو أساء إليك؟

إنْ هربتْ منكِ ستلاحقك 

إنْ رفضتْ هداياكِ سترشوك 

إنْ لم تحببك رغما عنها ستهواك‘

 

تعالي إليَّ وحرريني 

من عذاب يبتليني 

ملء فؤادي شقاء يحرقني

كوني معي وكوني حليفتي 

– يعلق ديونيسوس الهاليكارناسوسيّ في كتاب “On Literary Composition” عن هذه القصيدة كاتبا: إنَّ عذوبة هذه القصيدة وسحرها كامنٌ في تناسق ألفاظها وأبياتها ورقّتها. فالكلمات تتجاور فيها وتتداخل وفقا لتقاربها الفطريّ واتحاد حروفها.   

*

امتلاك 

وجهًا لوجهٍ يُجالسكِ 

ويسمعُ همسكِ والضحكات 

من أراه أشبه الناس بالآلهة، 

لصوتكِ صداه الحبيب 

يُخفقُ القلبَ في الضلوع.

خالٍ صوتي اليوم 

حين أنظرُ إليك

ويختلجُ في فمي اللسان

وتستعرُ دون جلدي النيران. 

تعمى في النور عيناي 

وتصمُّ أذناي

وأغرقُ في عَرَقي. 

أختلجُ أصفرُّ أخضرُّ 

ويتفلّت مني عقلي 

كأني من موتي أقتربُ. 

مكتوبٌ عليّ الشقاء، يا حسرتاه! 

– يعلّق لونجينوس في كتاب “On the Sublime” كاتبا: لمن المذهل جمعها في آن واحدٍ الروحَ والجسدَ والسمعَ واللسانَ والبصرَ والجلدَ كأنها أشياءُ منفصلة تماما عن ذاتها، وعلى الضدِّ من طبيعة العناصر فإنها تجمد وتحترق، وتجن وتعقل، وخائفة أو تقترب من الموت، فليس الحبُّ جليًا وحده في هذا المقام بل اجتماع العواطف، إذ يتناب الجميع في أثناء الحب ما ينتابها لكن ما تفعله، كما ذكرتُ، أنها تأخذ خيرَ العواطف وتنظمها معا مُبدعةً شعرًا من النخب الأول. 

*

ذكرى صويحبتي 

صدقًا أني أتمنى الموت

غادرتِني والعينُ فائضةٌ بالدمع

وبحبٍ قلتِ لي 

’آهٍ ما أطولَ شوطَ المعاناةِ

وما تكبّدنا يا سابفو من شقاء

قسمًا أني أفارقكُ بغير رغبتي‘. 

 

أجبتُكِ حين ذاك 

’ليسعد قلبكِ، فاذهبي وتذكريني

 وما أكثرَ عشقنَا لك. 

 

وإنْ صددتِ عن الهوى 

سأذكّرك برغدِ العيشِ- 

الذي تشاركناه على مرِّ السنينِ،

 

وبزهرِ البنفسجِ والوردِ والزعفران 

وكيفِ بجواريِ صنعنا من الأزهار-

أكاليلَ وأطواقًا زيّنا بها جيدَكِ، 

وساعةَ أخذتِ زيتَ المرّ، 

يليقُ بالملكاتِ، 

ودهنتِ ببَضِّ الأناملِ يديكِ وقدميكِ، 

 

وبالفراشِ الوثير-

الذي روى فيكِ أشواقكِ وأرضاكِ

 

وبأننا ما فوّتنا يوما-

ضريحا، ولا بستانا، 

ولا حفلا، ولا غناء‘.

*

أمنية الجمال1 

 

سلنَ يا بنات بإلحاحٍ 

على نغمِ القيثارة والأغنيات

هذي الهدايا من ربّاتِ الشعرِ 

عطراتِ الأثداء.

 

غضّنت الشيخوخة رائقَ جلدي 

ابيضَّ بعد سواده شعري 

اثَّاقلتْ في صدري روحي 

ما عادت تحملني ساقاي

لأرقصَ بخفّةٍ كخشيش2

 

أتذمرُّ على ما صرتُ، فما الحلُّ؟

والمرءُ عاجزٌ عن كبحِ جماح العمر. 

 

قالوا الحبُّ غيَّبَ عقلَ إيوس3 

وخطفتْ في ساعةٍ تيثونوس 

أخذته بيديها الورديّتين إلى آخر الأرض. 

جميلا وفتيّا قد كان 

فأتى عليه الزمان 

موخوطُ الشعرِ وشيخ

وزوجٌ لامرأة لا تشيخ. 

1- للشاعر فرانسوا فيون قصيدة شهيرة بعنوان الجمال الذاوي، وكلا القصيدتين في الموضوع نفسه، وتقدم صورة متشابهة في المقابلة بين ما كان وبين ما هو كائن من جمال المرأة. تذكّر المرأة، الصوت الشعري في القصيدتين، النساء بهذه الحال التي يؤول إليها جمالهن. يمكن قراءة قصيدة فرانسوا من هنا

2- الخشيش: صغير الغزال. 

3- كانت إيوس ربة الفجر في الأساطير اليونانية، أحبّت الأمير الطروادي تيثونوس وخطفته. 

**

المرجع:

 The Complete Poems of Sappho – Willis Barnstone

2011طبعة Shambhala Boston & London.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى