ترجمة: مؤمن الوزان
أنشودة المشنوقين
يا إخوةً يعيشون من بعدنا
لا تقسينَّ قلوبكم علينا
وإنْ من رحمةٍ فارحمونا
فالرب يرحمُ الراحمينا
خمسة بل ستة تروننا
على مرأى منكم مشنوقينا
فذا اللحم الغريض فينا
سيَنْتنُ وينتفخُ كارهينا
وعظامنا ستكون ترابا مهينا
فلا تسخروا مما به ابتلينا
وادعوا الربَّ يغفر لنا جميعا
*
إذا ما علا الصراخ منا،
ونحن من أجل العدالة معلقونا،
يا إخوتنا فلا تزدرونا
ما أقلَ من بالعقل مُتحلينا
ادعوا لنا غير حانقينا
ابنَ مريم العذراء الحصينهْ
فلا نكون من نعمائها محرومينا
أو في نار السعير من الهاوينا
أمواتٌ فكونوا لأرواحنا معينينا
وادعوا الربَّ يغفر لنا جميعا
*
غسلتنا الأمطار وصرنا منقعينا
والشمس في كبد السماء تسودنا وتشوينا
وتقتلع الغربان والعقاعق منا العيونا
تنتف لحانا وتخلع الحواجب فينا
لسنا في راحةٍ يوما متروكينا
تهزهزنا الريح لسنا منها محصّنينا
تهبُّ دوما تقلبنا شِمالا ويمينا
تنهشنا المناقيرُ تفوقُ مثقاب إسكافي المدينهْ
فيا إخوة لنا لا تلحقونا
وادعوا الربَّ يغفر لنا جميعا
*
يسوع يا ذا السلطان
احمنا من مهانة النيران
ما لنا في الجحيم مكان
يا إخوةً منا لا تسخرونا
وادعوا الربَّ يغفر لنا جميعا
**
أنشودة أموت عطشا بجوار النبع
أموت عطشا بجوار النبع
ألتهبُ حرًا وتصطكُّ فيَّ الأسنان
أعيش في بلدي لكن غريب ومقصي
قريبٌ من النار ويترجفّ فيَّ الجسد
عارٍ كدودةٍ ويكسوني الفراء
أبتسم في دمعي وأنتظر بلا رجاء
أرتاح في كآبة بأساء
أبتهج بلا فرحة ولا إنسان
قوي بلا سلطة أو أتباع
مرحّب بي وينفرُ مني الجميع
*
ما من شيءٍ عندي أكيد غير المشكوك
غامض كلُّ ما يُرى بجلاء
لا أشكُّ ألا في الثوابت
العلم عندي ما يكون صدفة
أفوز لكن عند الفجر
أقول للخاسر ’طابت ليلتك‘
مرعوب من السقوط وأنا مستلقٍ
أملكُ الكثير ولا شيء في حوزتي
أنتظر الإرثَ وما من أحدٍ أرثه
مرحّب بي وينفرُ مني الجميع
*
ما عملتُ قطُّ لكني منهك
أملكُ أشياء لا حاجة لي بها
أكره من يحسن لي
ويغضيني من يصدقني القول
وصديقي من يقنعني
أن أبيض البجع سوداء كالغراب
يؤذيني من يمد لي العون
الصدق والكذب في عيني سواء
أذكر كلّ شيء وذاكرتي هباء
مرحّب بي وينفرُ مني الجميع
*
يا مولاي الرحيم ليسرّك ما أبنتُ
علمي كبير لكن بلا عقل أو منطق
متحيّز من كل الناس بإنصاف
ماذا أفعل أكثر؟ أدفع ليُغلقَ الرهن1.
مرحّب بي وينفرُ مني الجميع.
1- غلق الرهن: يعني أن الراهن لا يستطيع افتداء المرهون بدفع المستحق عليه، ويصبح المرهون ملكا للمرهون عنده. والحال هنا معكوسة فحاجة الآخر عنده لكنه من يدفع الرهن له ليحرر المرهون، فجعلت المعنى أنه يدفع ليغلق الرهن.
**
أنشودة الجمال الذاوي
عَرَضًا سمعت الحسناء تشتكي،
من دعوناها زوج صانع الخوذات،
تتوق إلى زمن الصبا وتقول،
بلا زيادة أو نقصان:
أواه يا أرذل العمرِ
تزهو بعجزك
علامَ آذيتني بضرباتك؟
أمن أحد يأبه اليوم بكربي
أو يكترثُ عجوزًا بموتي؟
*
سلبتني أزهى قوّتي
رَفَعَتْني فوق القساوسة والمناصب
في ذروتي ما عصاني امرؤ
أو أبى منح ما يملك لي
ما ردُّ له ما عنه تخلّى
وإنْ بكى واشتكى وصار إلى-
ما يأنف الشحّاذُ اليوم فعله.
*
كم رجلا حرمتُ حبي!
وماكرٌ أحببتُ بحُمقي
وهبتُ له كلَّ مِلكي
تمنّعت عنه وأنا راغبة
ما أظهر لي غير قسوته
وما أحبني إلا لما عندي.
*
لو جرني في الطين وداسني
ليس في قلبي إلا حبّه
لو كسّر ضلعي وأساء لي
وعاد قبلةً يسألني
لنسيتُ كلَّ آلامي
جشعٌ ملؤه ما يريد
عانقي وافترشني
وفي أي حالٍ خلّفني؟
في عاري وإثمي.
*
مَيْتٌ هو وعشتُ ثلاثين عاما
وهأنذا عجوزا وَخَطَني الشيبُ
أفكر في خالي الأيامِ بدمعٍ
ما كُنت وما صرتُ إليه
أبصرُ جسدي حالَ يبابا
لا أرى إلا ما ذوى
جفاف وفقر وشقوق وانكماش
أكاد أجنُّ من حنقي على نفسي.
*
أين اختفى الحاجب المزجج،
والرمش المقوس، والشعر الذهب،
وداعج العين ببهي النظرات
تسلبُ بطرفها لبَّ العقلاء
والأنفُ ذو الجمال والتناسق
وشهيُّ الأذنين الصغيرتين
وذاك الذقن والشفتان الحمراوان؟
*
أين الأكتاف الرهيفة،
والذراعان الطويلتان عليهما يدان دقيقتان
ومستدقُّ النهدين والوركان المترفان
مكورّان مكتنزان إذا دارا
انبرى لهما الحب في سباق
والكشحان العريضان مستقرُّ الشعرِ
وفخذان لاحمتان ليّنتان
تكتنزان جنَّةً غنّاء؟
*
تغضنت اليوم جبهتي وابيضّ شعري
خفَّ رمشي وغاضت عيناي
بعد الضحكِ واللألأة حيث ولّتا
يلّفان الصرعى بالنظرات
تخلّى عن الأنف الجمال
ذوت الأذنان وكطحلبٍ تدلّتا
شحب الوجه واسودّ وغار
تخدد الذقن ويبست الشفتان.
*
هذي نهاية جمال الإنسان
ذراعان ذابلتان
ويدان وكعاوان1 كالأقدام
وكتفان بلا استقامة محدودبتان
والنهدان؟ آه منهما منكمشان
كذا حال الردفين والحلمتين
عشٌ صغيرٌ، وانظر إلى الفخذين
ليسا بفخذين، عظمان لا لحم يكسوهما،
ملطّختان مثل نقانق وجافتان.
*
نندبُ بأسى ذاك الزمان
بيننا عجائز حمقاوات
يقعين على الأوراك
مثل لفّات الصوف متجمعات
ينسى الناس أنهم كنارٍ
توقدُ سريعا وسريعا تزول
حسانا كنا جميعا ذات يوم
مآلنا هذا جميعا ذات يوم.
1- الوكع: ميل إبهام القدم إلى الداخل على الأصابع حتى يبرز من القدم أصله.