مقالات

ر. س. توماس (1913-2000) – الشاعر ورجل الدين الويلزيّ

poetry foundation

ترجمة: مؤمن الوزان

رونالد ستوارت توماس واحد من الشعراء الرئيسين لشعر الحداثة الويلزي، كتب عن أبناء وطنه بأسلوب قرنه بعض النقَّاد بالتضاريس الخشنة والوعرة لبلده. استخدم توماس القليل من التقنيات الشعرية الشائعة وكان ما كتبه بحسب قول آلان برونجون “باردٌ وناقلٌ لنقاوة اللغة”. ويوضح جيمس ف. كناب بأنَّ “العالم الشعري الذي بزغَ من شعر توماس هو عالم حقول الوَحدة الويلزية، والفلاحين الذي يتحملون قساوة تلال وطنهم. والرؤية في شعره حقيقية وبلا رحمة”. أما لويس ساسو فيذكر بأنَّ “قصائد توماس متينة، والعالم الذي تخلقه مملوء بالشفقة والحب والشك والسخرية. وتجعل المرء يشعر بالبهجة لأنه جزء من الجنس البشري”. 

التعليم وبدايات الشعر 

قضى توماس، ابن البحار، وقتًا مديدًا من طفولته في بلدات الميناء البريطاني حيث عاش مع والدته حينما كان والده يمخر بسفينته عبابَ البحر بعيدًا. بدأ تعليم توماس الأولي متأخرًا وعلى نحو متقطِّع حتى وجد والده عملًا ثابتًا في شركة عبَّارة ما بين ويلز وأيرلندا، لتتمكن العائلة بعدها من الاستقرار في مدينة كايرغيبي الويلزية. التحق توماس بعد تخرجه في المدرسة للدراسة في الكهنوت الإنجليكاني- المسيرة المهنية التي كانت والدته أول من اقترحها عليه. ويكتب توماس في مقالة لـ “السيرة الذاتية للمؤلفين المعاصرين (س.ذ.م.ع)”: “خجولا كما كنت، لم أُبدِ أي مقاومة”.  

وُسمَ توماس في عام 1936 شمَّاسًا في الكنيسة الإنجليكانية وعُيِّنَ للعمل خوريًا في قرية التعدين الويلزية “تشيرك”، وأصبحَ قسًا بعدها بسنة. كان التعيين الذي ناله في قرية تشيرك الأول من بين سلسلة من التعيينات التي شغلها في مجتمعات ويلز الريفيّة. خدم توماس ما بين سني 1936-1978 في كنائسَ عديدة في ستِّ بلدات ويلزية مختلفة. ومنحته هذه التعيينات المعرفة المباشرة عن حياة الزراعة الويلزية وزوَّدته بحشد من الشخصيات والضوابط لشعره. ومع أنَّ توماس نظم الشعر منذ أيام المدرسة فإن الكتابة الجديَّة لم تبدأ حتى التقى توماسُ مليدريد ي. إلدريدج التي أصبحت زوجته فيما بعد. وكانت إلدريدج قد حازت سمعتها رسَّامة سلفًا، ويذكر توماس في مقالته لـ(س.ذ.م.ع): “جعلني الأمر أرغب أن يُعترف بي شاعرًا”. بدأ توماس يؤلفُ الشعرَ عن حياة الريف الويلزي وناسِه، متأثرًا بكتابات إدوارد توماس، وفيونا ماكليود، ووليم بتلر ييتس.  

إياغو برايذيرتش

ربما تكون شخصية إياغو برايذيرتش أفضل شخصيات توماس المعروفة- عامل الحقل (المزارع) الذي ظهر في العديد من قصائده.  يصفه توماس في قصيدة “الفلاح” بأنه: “رجل عادي لتلال ويلز الجرداء” ويوضِّح كولين ميير بأن برايذيرتش يُلخِّص حياة حقول التلال في ويلز و”كما يُرى تجسيدًا لجَلَدِ الرجل”. ويجدُ أ. ي. دايسون في مقالة له بأن برايذيرتش في كونه مزارعًا قد “بُتِرَ من الثقافة والشعر وحتى من الدين ومع ذلك فهو يملك واقعية أوَّليَّة وقوة في حياته التي يُحسدُ على جزء منها”. 

إنَّ برايذيرتش صورة نموذجية لرجل الريف الويلزيّ، ويقف رمزًا لجميع سكَّانه. وكما يلاحظ كناب فإنَّ برايذيرتش “يمثل الفلاحين الويلزيين في كل جوانبهم على امتداد شعر توماس”. أما دايسون فيرى “أنَّ توماس قد استخدم برايذيرتش رمزًا للإنسانية نفسها. ويمنحُ عمله الشاق في الأراضي القاسيّة -إضافة إلى كونها تمثيلًا للفلاح الويلزي- مثالًا للمصاعب العامة التي يعاني منها البشر جميعًا”. ويكمل دايسون بأنَّ “الأمر يشبه إيجاد توماس في الفلاحين ‘نموذجًا’ للإنسان، وجعل من ذلك بيانًا كونيًا. هذا التقليص للوجود في أرض ينتمي جمالها الذاوي إلى الماضي أكثر إنسانيَّة من أيّ تطور علمي راقٍ، أو لنقل بأنه أقرب رمزيّة للمأزق الإنساني”.

تضع العديد من قصائد توماس شخصياته المزارعة في مواجهة الأراضي الطبيعية الكئيبة والمحرَّمة لويلز، مُركِّزًا على صعوبات الحياة الريفية. “تعرض بعض قصائده نظرة إنسان كئيبة بلا هوادة” كما يُقرُّ كناب، “وحتى في الحالات التي تعرض فيها قصائده الأملَ بوضوح، فإنَّ عناصر الحدث تبقى كالحة بإفراط… وتبقى المُسلَّمة الأساسية هي من نوع رجل ضئيل يكافح لتحمل كونه الصغير… وتُركِّز معظم الجوانب المرئية في شعره على الشخصيات الوحيدة وهي تعمل في الحقول الصخرية وتمشي على امتداد الطرق”. 

وبمقابلة شعر توماس بشعر الأمريكي روبرت فروست الذي كتب أيضًا عن حياة الريف، يُلاحِظُ رونسي بأنَّ “فلاحي توماس وعمَّاله ومزارعي التلال -على النقيض من شخصيات فروست- ليسوا فلاسفة على الرغم من جهده المبذول عليهم سنة تلو أخرى. ويظهرون أنهم يعيشون الحياة حسب مع بقاء شعور صامت وبليد وضئيل”. 

رجل الدين 

صبغ توماسُ -لكونه رجل دين- شعرَه بمواضيع دينية باستمرار، وغالبًا ما تحدث بلسان “القس الوحيد الذي غالبًا ما يعاني من مأزق لا حل له، ويعيش منعزلًا في أبرشيته مثل برايذيرتش الواقف على ظهر التلة العارية”، كما يكتب مير. وبتعابير مسيحية، يوضِّح دايسون “إنَّ توماس ليس بشاعر التجلِّي، ولا القيامة، ولا قداسة الإنسان… بل هو شاعر الصليب، والصلاة غير المُستجابة، والكآبة الراحلة في الظُلمة، ولا سيما معتقده اللاهوتي في يسوع الذي يبدو غريبًا وضدَّ أيّ معتقد تراثي متعارف عليه”. وتصف آنا ستيفنسون توماس بأنه “شاعر ديني يرى المأساة لا الرثاء في الحال البشرية… إنه واحد من الشعراء النادرين الذين يكتبون اليوم غير مطالبين بالحنوِّ عليهم بتاتا”.  

يكتب توماس مؤكدًا في (س.ذ.م.ع) أنَّه “ما دمت قسّ الكنيسة فقد شعرت بواجب محاولة تقديم رسالة الكتاب المقدس غالبًا بأسلوب أرثوذكسي. لم أشعر قط بأني كنت مُوظَّفًا من قبل الكنيسة لأعظَ بمعتقداتي أنا وشكوكي وتساؤلاتي. وكان بعض الناس فضوليين ليعلموا فيما لو شعرت بصراع ما بين مِهنتَيْ الاثنتين. ودائما ما أجبتُ بأن المسيح كان شاعرًا، وأن العهد الجديد كُتب بشاعرية، ولم أجد صعوبة بكَرْزِ العهد القديم في سياقاته الشاعرية”.   

أغنية بداية العام 

على الرغم من أنَّ توماس كان قد نشر سلفًا ثلاثة دواوين شعريّة فإنَّ لم ينل الاعتراف الواسع بكونه شاعرًا حتى سنة ظهور مجلد “أغنية بداية العام Song at the Year’s Turning” الذي ضمَّ قصائد ما بين سني 1942-1954، ونُشرَ من قبل ناشر رئيس وقرَّض له الشاعر جون بيتيامين مقدِّمًا توماس للقارئ المحلي الويلزي. أحدث الديوان ضجة كبيرة، وفقًا لـ و. ج. كيث في قاموس السيرة الأدبية. وامتازت هذه المجموعة الشعرية بلغة مقتصدة ومُسيطر عليها، أكسبت توماس الإشادة النقدية، وزادت سمعته الأدبية بعد نشر مجلديه الشعريين اللاحقين. 

يغلب على شعر توماس القسوة والخشونة على غرار حياة ويلز الريفية التي يكتب عنها، فشعره منظوم ببيانيّة، ولغة كئيبة، وبجودة تأمليَّة. يصف رونسي أسلوبَ توماس بـ تكوِّنه من “الكلمات السهلة والأسماء القصيرة، أسماءٌ ذات معانٍ أصيلة نادرًا ما تحتاج إلى صفات تعريفيّة، تتحرك مثل الوحوش بسرعة مضبوطة في وزن شعري ذي نبرة متوترة- تقنية ثابتة تُنتجُ نغمة ثابتة، وتبقى هذه النغمة المتكررة التي لا تنضب مثل أصوات في الظلام”. ويلاحظ كلافين بيدينت هذا الأسلوب المقتصد قائلًا بإنَّ “توماس يضع القليل بين نفسه وبين موضوعه، فقصائده تنسكيّة تبدو في الوقت نفسه هزيلة وحسيّة، شفافة وذات قرمزيّة عميقة، وهذا جزء من مزيته”. يكشف توماس عن اهتماماته الأسلوبية في الكلمات والشعر ويقول “أجد أنَّ التكرار المثالي هو السهولة. وثمة أوقات تأتي برغبة الكتابة بدقة عظيمة ووضوح، فالكلمات الواضحة جدا والجيَّاشة تدفع بالدمع إلى المآقي”.   

توماس وعصر التقنية

إنَّ اهتمام توماس بمواضيع مثل وطنه الويلزي، ودينه، وعالم الطبيعة، والأسلوب الشعر المقتصد والواضح- يعكس استياءه من العالم المعاصر. ويتحدَّث توماس عن نزعته تجاه “النظر إلى الخلف ورؤية أفضلية الماضي” كما يذكر غوينيث لويس في مجلة لندن. وعبَّر توماس في عديد المناسبات عن فزعه من تحول ويلز إلى بلد صناعي مجادلًا بأنَّ جمال البلد الطبيعي قد دُمِّر. وفي مقالته في (س.ذ.م.ع) يذكر توماس من ضمن قلقه الآخير “انقضاض أنماط الحياة العصرية على على جمال وسلام عالم الطبيعة”. ويلاحظ توماس أنَّ الإيمان الديني انحدر مع بروز الحضارة التقنيّة. ويكتب قائلًا “إنَّ هذا عصر علميٌّ، العلمُ الذي يحوَّل العالم لكنه ليس عصرًا آليًا أو لا شخصيًّا أيضا فهو عصر تحليليّ وسريريّ إذ يُمكن اكتشاف تذمُّر القلوب المتضوِّرة والأرواح القلقلة تحت البريق الشديد لبحبوحة هذا العصر”.      

ركَّز توماس منذ خمسينات القرن الماضي على “القضايا ذات الأهمية القصوى للإنسان في نهاية القرن العشرين”. ويلاحظ ناقد لمجلة إيكونومست “إنَّ مسعى توماس لإله متملص، والأزمات العامة للإيمان، والتأثير اللا إنساني للآلة، ورؤية العالم العلميّ وتحدياته، قد أربكتْ جميعها الشاعر”. ويذكر وليام سكاميل لمجلة Times Literary Supplement “لا يُعرض لقارئ أشعار توماس الأخيرة إلا القلة من المخلوقات المرتاحة. إذ تنزعُ اللغة إلى أن تكون سهلة وواضحة وتصريحيّة. فثمة خليط مفاهيمي للأسطورة المسيحية، والمصطلح العلميَّ وشكوكية أواخر القرن العشرين”. فتوضع الأمطار الحمضيّة، والثقوب السوداء، والمواد الكيميائية الضارة في مواجهة الصور والرموز الإنجيلية. والمحصلة كما يرى سكاميل هي “غالبًا ما تكون مثل شخص على عجالة يضع جدولًا للأمور الأولى والأخيرة لا غير”.   

دواوين أخيرة 

نُشرت أحدثُ مجموعتين شعريتين لتوماس “قُدَّاس الأوقات العصيبة Mass for Hard Times” و”لا هدنة مع الغضب No Truce with Furies” في عامي 1993 و1995 تواليًا. وكشفت المجموعتان عن الحديّة القاسيّة، والتساؤلية الروحانية، والشكوكية الثقافية لأشعار توماس الأخيرة. ويكتب جاستين ونتِل في New Statesman & Society عن شعر توماس “تمارس قصائده ضغطًا بعضها على بعض على نحو لا تجده عن أي شاعر آخر. وتُحفِّز كذلك الاضطراب المتبادل في نفْس القارئ، ومعاملته للإنسانية ذات سلبية عنيفة في بعض الأوقات”. ويمدح ونتِل شعر توماس “إنَّ الإيقاعات الموسيقية في شعره الحر صارمة بقدر ما هي عقلانية” ويخرج ونتِل بنتيجة مفادها “سعى توماس بإصرار للقبض على مواضيع كونية كما لو أنك من المحتمل أن تقف عليها”.   

نُشرت مجموعة القصائد التي طال انتظارها وضمت قصائد ما بين سني 1945-1990 تزامنًا مع عيد ميلاده الثمانين في عام 1993. ويكتب ستيفان نايت “من البداية، كان توماس حازمًا في اتباع مساره الخاص وفي ثنايا هذا الكتاب الاستثنائي ما يشهد على ذلك”. ويكرر س. هـ. سيسون هذا الرأي “عُلِّمَ كتاب توماس بنزاهة رجل اختار مسارًا عويصًا واستمرَّ فيه”. ويوضِّح سيسون “ينتقل من التأثير القاسي الأول لحياة رعايا أبرشيته الريفية الهادئة لشاب حضري تخرَّج للتو في جامعته وكليته اللاهوتية إلى الاستقبال الخشن لمشاقه ومتاعبه الخاصة”. ويعتقد رونسي مع توماس بأن الشعر والشاعر واحد، ويصف توماس أنه “ويلزي، وقسيس، وأنيق، ذو جسد هزيل ووجه نحيل خددته الصرامة. والقصائد هو الرجل، متزمتةٌ وواضحة وذات قوة مكبوتة”. يعلِّق وليام كول بشيء مقارب لما ذكره رونسي “توماس متزمت، وذو عقلية عنيدة، لكن بمقدوره أن يُبكيك”. 

يكتب توماس متطلِّعًا إلى الخلف تجاه مسيرته الطويلة في (س.ذ.م.ع) بأنه “تنقل في دوائر مغمورة، متنجبنًا أو مُستثنًى من مسارات الحياة الأنشط والأهم”. ويدّعي بأنَّ الإشادة النقدية التي نالها بسبب “موهبة ضئيلة في تحويل أفكاري المحدودة وخبراتي وتأملاتي إلى شعر”.  

وعلى الرغم مما يراه من ’موهبة ضئيلة‘ فغالبا ما صُنِّف توماس ضمن أهم شعراء ويلز في القرن العشرين. ويكتب ر. جورج بأن توماس يجد نفسه “أفضل شاعر يكتب بالإنجليزية على قيد الحياة”، ويشير كيث أنَّ توماس “يُعدُّ الآن صوتًا بارزًا في الشعر البريطاني في النصف الثاني من القرن العشرين. ولديه مطالب قوية ليُعدَّ أهم شاعر إنجليزي-ويلزي معاصر”.

في الحقيقة، بدأ ذكرُ توماس في التسعينات يتكرر مرشحًا لجائزة نوبل للأدب، ونال في عام 1996 جائزة Lennan الأدبية المعتبرة نظرًا لمسيرته الأدبية الحافلة. يلاحظ روبرت هاس في الواشنطن بوست بأن توماس “صنع شعرا لا يُنسى من تلال ريف ويلز الصوانية عديمة الرحمة، ومن المسيحية المتصلبة والوجوديّة”. ويستنتج مير بأن عمل توماس يوضح قناعة دينية غير شائعة في شعر الحداثة. ويعتقد توماس وفقا لمير “أنَّ واحدة من وظائف الشعر المهمة تجسيد الحقيقة الدينية، لذا وانطلاقًا من كونه شاعرا فإن الحقيقة ليست سهلة المنال، وتدوّن قصائده سجالًا ضد الأمانة الجلية والنزاهة، وبهذا فهي تزوّد السياق باللحظات الضرورية النادرة للإيمان والرؤية اللتين تُبيّنان بجَلاء، وقليلًا ما يتزواجان في أيّ من شعر معاصريه”.

من شعره: 

“تمثيل”-*

كوني غيرَ حكيم كفايةً في تزوِّجِها

لم أعرف قط حينما لم تكن تُمثِّل.

’أحبُّكَ‘ ستقول؛ سمعتُ الحضور يتنهدون.

’أكرهُكَ‘ لم أكُ متأكدًا قطُ أنهم ما زالوا هناك.

كانت رائعة، محضَُ مرآة أنا تزيَّنتْ قُبالتها.

تزوَّجتُ مرجَ جسدها المتموِّجَ.

وتحدِّق أعينهم ليلًا إليه.   

وحيدةٌ هي الآن فوق منصة نَفْسها الهشَّة

تُؤدي دورها الأخير.

مثاليٌ! وليس له في كل مسيرتها نظير. 

متميزةٌ كانتْ، ثم أُسدلت الستارة. 

وخرجت بهجتي من خلفها لتصفِّق

اُنظر، وأنا أيضًا أصفِّق. 

*Acting

____

“ساكنو الغابة”*

رجالٌ لا يكادون يعتدلون في الرَّحِم،

عراةٌ. رؤوسٌ محنيّةٌ ليست في صلاة،

بل في تأملِ الأرض التي أتوا منها، 

أرضٌ أرضعتهم الحليبَ البني

الذي العظامَ لا المخَ يبني.

من ناداهم أن يمشوا إلى الأمام في الضوء الأخضر، 

وأفكارهم في الظُلمة؟ 

تحمل نساؤهم -مَن لسنَ مادونا- أطفالًا على الثدي بالاستقامة،

كوجوه المسيح التي مزَّقها الزمن في لوحة سيد فلورنسي. 

يحضِّر المحاربون السمَّ بعنايةِ مَحَبَّةٍ

لكلَّ سبستيانيَّ- فوق سهامهم. 

ما من ربِّ لهم، 

يتبعون تناقضاتِ طقس ٍينصُّ

لا بد لحياة أن تفنى حتى تحيا أخرى

ويرتدون الزهور في شَعرهم. 

* Forest Dwellers.

____

“السجين”*

’قصائدُ من سجنٍ! عمَّ؟‘

’الحياةُ والرَّبُّ‘ ’الرَّبُّ في سجنِ؟

إنك تعبثُ معي يا صديقي.

وجهُهُ -ربما- عند القضبان 

يتلاشى مثلُ الحياة‘

’دخلَ السجنَ يسعى معه السجَّان

أيُّ مكانٍ آخرَ 

نبعت منه قسوة الإنسان،

لكن أعليه قهرُ معرفة الإحسان؟‘ 

’وبعدها الضرباتُ، 

إذ كان الربُّ مُعذِّبًا الحبيبا!

فمن أكثرهما نعيما 

أواهبُ الضرباتِ أم مَن لها مستجيبا؟‘

’في الخارج الحال نفسها 

قضبان وجدران،

فأزل من بصيرتك قذاها.

ربٌّ خفي! 

ننهبُ السمواتِ، 

والمسافةُ بين النجوم-

آخرُ مواضعَ في السجن نراها،    

مَخبأُه في لحمٍ وعظم‘                

’أنت تؤمنُ، إذن؟‘

’القصائدُ شاهدهْ 

إذا تقلَّصَ عالمُهْ 

لانبغى ولادة رؤية أكبرَ 

لا تخلو من مروجٍ 

ولا عيون حيوانٍ 

كالزجاجِ مجرَّدهْ

وبالربِّ تتصلُ. 

على حيطان زنزانة عاريهْ

يراقبُ الظالمُ تقلص ظلِّه البشري

عند انسحابه من الضوء‘ 

* The Prisoner. 

_____

“مشاهد”*

عصر بدائي 

وحوشٌ تقومُ من وحلٍ أخضرَ- 

بلدٌ أميٌّ، غيرُ قادرٍ على قراءة اسمه.

تحركتْ صخورٌ نحو موضع في ظهور التلال؛

أفاعٍ تضعُ بيوضها في ظلال الصخور الباردة. 

عانت الأرضُ من شظايا السماء، 

نزفتْ صفراءَ على البحر الهائج.

تدلّى القمرُ بثقلٍ ليلًا

فوق الغابات المرتفعة. 

سطَّعت أسلاف النمور مخالبها. 

أصواتٌ كما صدرت هناك  

من تمزيقِ الأقوى القوي. 

أمال الفجرُ مرآةً غيرَ مصقولة

لعقلٍ متحجّرٍ لينظرَ إلى ذاته دون إدراك. 

حجري حديث 

لن أكون هنا، 

والسبيلُ التي تمضي فيها الأشياء الآن

لا رغبة لديها في الاستمرار. 

لا تدور العجلات أسرعَ ممن يجرّها.  

تلك الأرضُ مرئيةٌ

فوق البحر في طقسٍ صحو، 

 يقولون سنصل إلى هناك قريبًا

ونحوزُ عليها. ثُمَّ ماذا؟ 

مزيدٌ من الفدانات لنزرعها

ولا أسواقَ للمحاصيل.

لم يعد الشبابُ ما كانوا، 

متبسِّمون في كَنفِ الأحشاء. 

ويعتقدُ بعضٌ سيكون ثمة بعثٌ. 

لا أومن بذلك.  

فهذه الموسيقا المقتَّطعةُ حلَّت لتبقى. 

وتنفُّسُ مزامير الطبيعة  

كان لإلهٍ مغاير. 

تخيَّل 

اعتمادٌ على مِعى ظربان 

لمصاحبة عبادة امرئ!  

حضرتُ قربان اللغة  

ذاك الطقس الذي يُحبه القساوسة،

وشعرتُ أنَّ التيَّار كان مغادرة الإله.

أحسب لن يتبقَّى شيء يوما ما

سوى العودة إلى المكان الذي أتيت منه

وأُدثِّر نفسي بذكرى كيف كنت شابًا فيما مضى

تحت عهد الإله الذي لم يُعطَ لأحمقَ.

مسيحي 

كانوا ملتحين

مثلّ البحر الذي وصلت منه؛

رنَّتْ أجراسٌ حجريّة مناديةً

سامعيها الأحجار

تلائمهم زنازينهم مثل كفنٍ. 

تتسرب منهم صلواتهم،  

أزهارٌ رقيقة حيث تنمو الأعشاب.

تكسَّرَ خبزُهم الجافُ مثل عظم

خمرٌ في الكأس-

مرآةٌ ملطَّخة بالدم لينظر الخُطاة إليها

بعينٍ واحدةٍ مغلقة،

ويرون أنفسهم مغفورًا لهم.  

قروسطي  

كُنتُ شاعرَ مولاي

أُنشد مرارًا بعذوبة

ما ارتُكبَ بدمويّة. 

سكنَّا في وادٍ؛

لم يحظَ مولاي بمولاةٍ.

وكان الجَّاهُ أُفقنا. 

في ربيع العام، 

حملت الرياحُ أخبارَ 

جمالِ امرأةٍ.

ما زالت عيناها حَجَرين 

وسطَ شعرها الناعم المتموِّج. 

وكان صوتُها حَسَدَ الطُّيور. 

شننا غزوة باسلة؛

كانت الخِّطبة مهتاجة.

وعُدنا وحيدين.

أنشد لي، قال مولاي.

أشيائي قربَ منزلي:

صقوري، وخيولي.

أنشدتُ، وأنصتَ. 

من نار صُنعَ قيثاري

ومثل الشرار تدفقت نغماتي

من روح سِندانه. 

في الغدِ -وعدَ- 

سننطلقُ مجددا.

حداثي 

وحدائقُ دينورويغ** الهشّة، 

عميقة في بتلات أزهار صخورها المتساقطة:

مثل خريفِ أناسٍ! 

يرقدُ ربيعهم في مصباح زجاجي،

أمُستعدٌّ لُيبهرنا بإشراقه؟

أحضرْ فتيات المستقبل الراقصات، 

الأبراج المتمايلة

بشعورها المعدنيَّة المندفعة باتجاه إنجلترا. 

* perspectives.

** وادٍ في ويلز.  

  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى