كتاب الرواية المعاصرة – روبرت إيغلستون
يقدم هذا الكتاب في النقد الروائي الأدبي من قبل د. لطيفة الدليمي “مترجمته”، تقديمًا مميزًا، ونظرة أكثر من شمولية وقراءة أكثر من واعية للرواية متناولةً تأريخها ومواضيعها وتأثيراتها ومشاكلها وقيمتها الأدبية والفنية، في التعامل مع التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم وكيف يمكن أن تأخذ الرواية دورا رياديا في عصر السرعة والتكنولوجيا، واستمتعت بتقديمها لهذا الكتاب وما ذكرته عن الرواية بقدر لا يقل عن استمتاعي بمحتوى ما كتبته روبرت إيغلستون. مقدمة من ٢٨ صفحة، لا يمكن الاستغناء عنها حتى وإن لم يقرأ القارئ هذا الكتاب، لتبرز لنا أهمية التقديم في الخلط بين الخبرات والترجمة من أجل افتتاح يساعد القارئ أيا كان في فهم وتهيئته لقراءة هذا الكتاب ومواضيعه.
الكتاب مقسم لعدة فصول يبدأ بأول فصل بعنوان “قول كل شي” وهو الفصل الذي يناقش فيه ويطرح إمكانيات الرواية ووظائفها وكيفية كونها قابلة للتجديد التطور الذاتي من خلال صيرورة متعاقبة وأنواعها وتأثير النوع الأدبي والفني على سيرورة الرواية التي يناقشها بصورة أكثر تفصيلا في الفصل الثالث. الفصل الرابع والخامس والسادس هو نقاش حول الرواية المعاصرة وعلاقتها مع الماضي والحاضر والمستقبل، ومواضيع حول روايات ما بعد الحداثة ومميزاتها ووظائف وسمات الرواية المعاصرة من دورها في التعامل مع مجريات الأحداث التي شهدها العالم من خلال الرواية التاريخية بمواضيعها وأساليبها الحديثة وكشف التأثيرات التي يُسقطها الماضي على الحاضر من خلال الناس، ذاكرًا عدة أمثلة من روايات عالمية. وكذلك علاقة الرواية المعاصرة مع الحاضر، والتي تتسم كما يقول بعدة سمات منها أنها قدرتها الفائقة على تفكيك المعضلات أو زيادتها تعقيدا، لكن تبقى استراتيجية التواضع في كل المواضيع التي تؤثر في الوضع البشري الاستراتيجية الأكثر اعتمادا في الرواية المعاصرة؛ لما في الروح التواضع الروائي المتجدد من قدرة على مواجهة معضلات العالم المعاصر. ولا يقل دور الرواية المعاصرة كذلك في مواجهة النزاعات المسلحة (حروب أو إرهاب) وما تخلفه من صراعات نفسية أو أثنية في نفوس أبناء هذه المناطق، أو مرحلة ما بعد الاحتلالات. وكذلك الرواية المعولمة، والتي يمكن القول أن الرواي يتكلم باسم قارة بأكملها، والتي يستشهد بالقول Act locally, Think globally، تصرف بمحلية وفكر بعالمية. الرواية المعاصرة والمستقبل كانت مادة الفصل السادس والتي يمكن القول إنها رواية التي تدخل بها التقنية الحديثة ومنها وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيراتها الاجتماعية كالتواصل الأسري، أو تأثيراتها في ميدان العلوم أو كما راق لي أن أسميها الرواية التقنية: رواية التعامل مع التقنية وتأثيراتها على عجلة التقدم البشري بكافة مجالاته الإنسانية أو المادية. وكذلك ما يمكن أن تقدمه الرواية المعاصرة وعلاقتها مع المستقبل من خلال نظرة تشاؤمية ملئها الخوف من مصير البشرية في حالة تقدم المتسارع والذي لا تحده حدود، وفي الجهة الأخرى هناك النظرة التفاؤلية والتي تبدو أقل في تطلعاتها للمستقبل القادم. ينهي الكتاب بفصل الرواية المعاصرة والنقد الأدبي، النقد الذي يختلف باختلاف نُقاده وما يرونه المنهاج أو المثال الذي يسعون من خلال للإعجاب بالرواية أو النيل منها، ويبرز رؤية لاذعة للعمل الأكاديمي وعملية قتله للأعمال الأدبية، ولا يعطي رؤية واضحة في الكتاب عن النقد الأدبي. ومن خلال إسقاط المواضيع التي تتناولها الرواية المعاصرة الأجنبية ومقابلتها الرواية العربية المعاصرة، يبدو لي أن الفقر الروائي العربي ليسا لغويا أو فنيا أكثر من كونه ضعف وخوف من مواجهة العالم وتناول القضايا التي تؤثر في البشر، خاصة وأن المنطقة تعيش منذ عقود في قلب صراع عرقي وديني وعسكري اجتماعي وثقافي ونقلة كبيرة بعد دخول التكنولوجيا الحديثة، يُمكن استخلاص عشرات المواضيع التي تمثل مادة دسمة للرواية التي لربما لو تم التعامل معها لكان لها ثقلها الأدبي.