موسوعة السرد العربي (سيرة كتاب)
لا يخفى على أي دارس وباحث في مجال النقد الأدبي والسرديات العربية ما قدّمه المؤلف الباحث عبد الله في العقود الماضية، وكانت موسوعته في السرد العربي إحدى أهم الإنجازات النقدية العربية في العصر الحديث. تتبع الدكتور في موسوعته، المكونة من تسعة أجزاء، نشوء السرد في النثر العربي وتشكل أنواعه الرئيسة الأولى ثم تفككها لتنبثق منها الرواية العربية التي شغلت أصولها وتفرعاتها مادة عدة كتب من الموسوعة، منها الروايات الأولى، إشكالية النموذج الروائي العربي الحديث الأول، رواية التخيل التاريخي، الرواية النسوية، رواية الهُوية والترحال، إلخ من الأنواع الروائية الرئيسة التي شغلت واستحوذت على الواجهة الروائية محليا وعالميا. ولا منأى لأي مهتم بالرواية والأدب من أن يقرأ هذا السِّفر أو بعض ما جاء به الدكتور في موسوعته التي تشكلت خلال سنوات عديدة ونشر منها أجزاء متفرقة أثناء ذلك. كانت هذه الموسوعة واحدة من المؤلفات المعدودة التي تمنيت لو أنا من كنت صاحبها، ولا أتردد من الإفصاح عن قيمة مؤلفات الدكتور وتأثيرها الشخصي فيّ وما قدمته لي من رؤية نقدية ثاقبة وسابرة للنصوص القديمة والمعاصرة. لذا فإن موضوع تشكّل الموسوعة وتطورها ومراحلها موضوع شائق وجاذب لكل باحث.
في كتابه سيرة الموسوعة يقدّم الدكتور نشوء موسوعته وتطورها واكتمالها في فصول ثلاثة رئيسة: بزوغ الفكرة ونموها منذ أواخر الثمانينات، الإعداد المنهجي الذي بدأ قبل انطلاقه بمشروع نيل شهادة الدكتوراة، أخيرا؛ المتن النقدي. وهو تقديم مفصل للأفكار الرئيسة في الموسوعة وتناول سريع لها. يختم المؤلف سيرة كتابه بفصلين الأول هو بعض من يومياته المتعلقة بالموسوعة خلال أكثر من عقدين، وملحق وثائق جامعية ومؤسساتية وهو فصل مثير قرأته بنهم والتهمته التهاما، لا سيما وأنا أقرأ ردود الأساتذة على ما ورد في بحث الدكتوراة الخاص بالمؤلف.
كثيرا ما كنت مهتما وذاكرا لأهمية أن يدون الروائيون والنقّاد كتبًا تخص آليات البناء وتطوّر فكرهم الروائي أو النقدي، مما يسمح للقارئ العادي والباحث أن يقتبس من نور تجاربهم ويكون مُدركًا لأهمية البناء المنهجي في الإبداع الكتابي لا سيما النقدي منه. لذا فإن سيرة الموسوعة جزء متمم وخاص بالموسوعة، إضافة إلى كونها وثيقة مهمة لدراسة فكر وحياة عبد الله إبراهيم. وقد ضمّت في ثناياها نقدًا أدبيا واجتماعيا وسياسيا وكشفت مستورا قد لا يمتلك الكثير شجاعة الإفصاح عنها، وهي بهذا، جزء متمم لسيرة الكاتب الحياتية “أمواج”.