الأخوات برونتيشعر

مختارات شعرية لآن برونتي

ترجمة: مؤمن الوزان

الدرب الضيق 

لا تُصدِّقْ أولئك القائلين

إنَّ دربَ العُلا ناعمُ الموطئ

حتى لا تتعثر في الطريق

وتذبل قبل أن تقطف الحقيقة 

فهذا هو الطريق الوحيد

نحو ممالك البهجة 

ومن يبحث عن المسكن المبارك 

لا بد أن يوظِّف كل قواه 

آمالٌ مشرقة وأفراحٌ نقيّة

في سيره قد تشعُّ

وهناك، وسطَ أوعر المرتفعات 

أحلى الأزهار تبزغُ

من بين كل نسائمها المحمولة

لا تهب الأرض مثل هذه الأرائج

ومن لا يجرؤ على مسك الشوك 

فلا يتوقنَّ أبد الدهر إلى الورد

سلِّح يمينك للقتال

وازح عن كاهلك حملا لا طائل منه

ابصرْ في أحلك ساعات الليل 

واشقَ في أرْمضِ ساعات النهار

حطِّم زهوك تحطيما 

وإلا ستكون يوما فاتر الهمة

اسحقْ شهوة ثائرة سحقا 

وإلا ستضع على ظهرك ثقلا

لا تسعَ خلف تشريف هنا

وتخلَّ عن المتعة والشهرة؛ 

فخوف العالم يهزأ بالمتهور الجسور

ويتركه قبالة أفزع وجه عبوس 

أن تكدح وتحب

أن تسامح وتتحمل 

أن تمنح للرب قلبك

وتبقي ضميرك نقيًا-

ليكن هدفَك الدائم 

وأملَك وأولى بهجاتك

فما يهمُّ إن همسَ بالملامة امرؤ

أو استهانَ أو سخرَ؟

وما يهمُّ،  إذا قَبِلَ الربُّ

وكنت في حناياك

تشعر براحة حبه

وبشائر رضاه؟ 

**

تهنئة ذاتية

صور شبابية كثيرة

تعتلي الوجه المتقلب

هي من أعمال الروح

قد يقتفيها الناظر 

العين المتكلمة، والشفاه المتحركة،

والوجنة المتوردة،

والابتسامة، والحاجب الغامض،

كل مشاعره المختلفة تتحدث

لكن حمدًا لله! 

قد تتطَّلع ساعاتٍ عليَّ

ولا تعرف أبدًا تغييرات روحي السرية

من البهجة إلى عقل الشقاء المتوقد

البارحة، ونحن حول النار جلوس

سمعنا خطوات قادمة 

لشخص معروف جدًا عندي

ما من ارتعاش في صوتي

ولا حُمرة تعتلي خدَّي

ولا تألق أمل شهواني في عينيَّ

أو فرح من أجل الحديث

لكن يا لروحي التي تشتعل داخلي

وفؤادي النابض بقوة وسرعة

لم يقترب -ورحل بعيدا-

وبرحيله بهجتي مضت 

مع هذا لم تدرك رِفقتي شيئا

وبقي صوتي ذاته

رأوا ابتسامتي في الأخير تعتلي وجهي

ما من أمارات للحزن 

عرفوا قليلًا أفكاري المخبَّأة

ولن يعرفوا أبدًا كرب قلبي المؤلم

ومرارة الشقاء المُحرق

**

الأمل العزيز 

لمَ وقع لي كل هذا التغيير؟

ما أبهجني في الماضي

يملأ قلبي بالتعاسة الآن

ولن تبتسم الطبيعة مجددًا

لمَ اختفى كل الجمال

من تلّتي البلديَّة؟ 

يا للحسرة! تغيَّر قلبي وحده،

والطبيعة ما زالت ثابتة

إلى متى يبقى القلب خِلْوًا من الحنان! 

مشرقٌ أيًّا ما يلتقيه البصر 

وكل صوت نسمعه في تناغم مستمر…

العالم قُبالتي الآن

فلماذا القنوط! 

لن أقضي أيامي في التفاهة

لن أتريث هنا! 

ثمة ما يزال أمل عزيز

ليُسعدني طوال الطريق

يُشعلُ قلبي بشعاع ضعيف

سأغادركَ يا سكن طفولتي  

فكل أفراحك قد مضت

سأغادر من خلالك إلى العالم لأطوف

بحثًا عما أستحق

سعادتي في مغادرة هذا البيت

وما من شيء يُبهج قلبي المنهك

سوى الشروع في الحياة

**

آخر قصائد آن

ظلامٌ مُفزعٌ يقتربُ

من عقلي الحائرِ

دعني أُعاني ولا آثمُ

وأُعذَّبُ بعد الاستسلامِ

رغمَ عالمِ الضبابِ الأعمى 

ما يزالُ يتركني أنظرُ إليه

ويَمنحني الشجاعةَ لأقاومَ-

الشيطانَ حتى يهربَ 

منهكةٌ أنا- امنحني القوةَ 

ولا تتركني أغيبُ عن ذاتي

قُلْ بأنك في النهاية سلواي 

واَشفقْ على شكواي

توسلتُ لخدمة قلبكَ وجسدكَ

للتضحية من أجلكَ 

فكلي لكَ ولم أبخلْ بشيء عليكَ

تمنيتُ وسط الشجعان والأقوياء

أن تكمنَ مهمتي 

وأكدحَ بين الحشدِ الساعي 

بغاية ساميةٍ ورفيعة 

لكنكَ جعلتها في مكان آخر

في مكانٍ آخرَ وبأفضل ترتيب

قُلتها بقلبي النازف

حين ألمَّ بيَّ أولُ كربٍ  

لقد سلبتَ بهجتي 

وأملَ حياتي 

ودعوتني لأراقبَ الليلةَ المؤلمة

وأنتظرَ اليومَ الكئيبَ 

البهجة والأمل كانا لكَ

أباركُ إقراضهما إياكَ

منحتُهما وهما لي  

وأملكُ الشكر الجزيل 

أيجب أن أشارك بفرحٍ البركاتِ 

ولا أتحمل خسارتها

أم أتمنى ارتداء تاج الشهيد 

وأُسمَّرَ على الصليب؟ 

لن أخسرَ الساعات المُنهكة هذه،

وأيام التعاسة المريرة هذه، 

وليالي الظلام هذه، والخبز الكئيب

إذا استطعت تهييء قلبي عليها! 

ضعيفة ومُتعبة رغم استلقائي

مُحطمة بالأسى، ومرتديةً الألم

قد أرفع عينيَّ إلى السماء 

بكفاح ومشقة ولا أجني شيئًا؛

ذاك الصراع الداخلي مع الخطايا

ذاك الانتظار الدائم للمعاناة

ليضربَ أول الكائنات حيثما تكون 

بكلِّ مرض يُدمرها

ذاك الكدح السري لأجل التحمل

بصبر متواضع في كلِّ مصيبة

ولملمةِ الجَلَد من الألم

والأملِ والقداسةِ من الشقاء 

لذا دعني أخدمُكَ بكل قلبي

بغض النظر عن قدري المكتوب

فيما لو كنتُ سأمضي مبكرًا 

أو أنتظر لبرهة مجددًا  

إذا كنت ستُعيدني إلى الحياة 

فأكثر تواضعًا يجب أن أكون

وأكثر حكمة، وأكثر قوة لأجل الصراع، 

وأكثر ملائمة للانحناء إليكَ

الموتُ واقفٌ عند البوابة

ويجب أن أفي بوعدي

بكل قوة ولا يهم ما مصيري المستقبلي

لذا دعني أخدمكَ الآن

**

مقتطفات شعرية

ثمة راحة وراء القبر 

راحة دائمة من الألم والخطيئة… 

أرني الراحة- لا أسألك أكثر 

أبعد عني هذه الشكوك المُبهمة؛

ودعْني أرى الشاطئ المُشرق

كيفما يكون بعيدًا! 

كيفما يكون هذا البحر المتموج عريضا 

كيفما يكون الممر البري إليه

كيفما يكون سُعالي عاصفةً هوجاء

قد يُوصلوني إلى ملاذ آمن 

قد أطأه بقدمي وأتمشى فيه 

مع أولئك الذي أحببتهم وخسرتهم… 

*

ومضينا بعيدًا ذاك اليوم 

نحو أرضنا المحرمة القاصية

أرض محببةٌ لأقدامنا المتمردة 

والخطر والحرية كلاهما هناك!

وعن تعريف الحياة السعيدة:

أن تطوفَ على الجبال البرية

والغابات المتموجة

أو على صدر المحيط المرتفع

بأقدامٍ بلا قيود

وضمير لم يُدنَّس

وتختارَ أين تتمشى

وأين تستريح..

وتقول: 

نعرف أين تقعُ أعمق الثلوج، 

وأين تهبُّ أعتى رياح الغابة

فوق كل جبين جبل… 

وتقول: 

تجولي خفيف وغريب

فوق نسيم نهار الصيف

ثمة شباب جريء لا يَهاب… 

*

مدفونةٌ أنا هنا؛ اكتفيت من حياةٍ؛

اكتفيت من كراهية وانتقام وصراع؛

اكتفيت من بهجة وحب وأمل

وكلُّ اهتياج العالم فوقي- 

سكنني النسيان هنا طويلًا

في عقلٍ متلهّف ويأس باهت

مكان العزلة والكآبة هذا

قد يكون دونجيوني وقبري

وتقول في أبيات أخرى: 

يا إله السموات! 

بإمكانني تحمل مصيري المميت بسكون 

لو كان ثمة قلوب قريبة 

تنزف وتُجرح لأجلي 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى