سيرة بوسي وهيرود Saga of Bosi and Herraud
سيرة بوسي وهيرود من السير المتأخرة زمنيا إذ ترجع إلى القرن الخامس عشر، ومحفوظة في ثلاث وأربعين مخطوطة. لا تختلف في موضوعها عن سائر السير الأسطورية بحكاياتها الخرافيّة بمغامراتها ومعاركها غير أنّا نشهد فيها وعيًا من المؤلف ببنية السيرة وبروز صوته في معزلٍ عن صوت سرد الحكاية، وانعكس ذلك حتى في وعي الشخصيّة أنّ حياتها ومآثرها ستدوّن في سيرة كما في رفض بوسي أن تعلّمه مربيّته الساحرة بوسلا تعاويذ سحريّة لأنه “لم يرغب أن يُدوّنَ في سيرته أنه حققَ أيّ مأثرة بدجلٍ وشعوذة تُنسب إلى رجولته”. وفي قول السارد “ولأن من المحال أن نروي أكثر من قصة في آن واحدٍ سنبيّن الساعة ما وقع سابقا في السيرة”، أو في سخريته من النصارى حين كتب تعويذة بوسلا التي ألقتها على الملك هرنغ “إنَّ في تعويذتها كلماتٍ خبيثة ليس للنصارى من سبب لنطقها، مع ذلك فهذا هو مستهلّها…”. أو تعليقه الساخر عند ذكر الثلث الثاني من التعويذة “تلفّظت بوسلا بالثلث الثاني من دعائها وسأدوّنه هاهنا، وما من حاجة لامرئ إلى نطقه، وما كان لينطق لو لم يكتب، ومع ذلك فهذا هو مستهلّها…”.
برزَ تأثّر المؤلف بالحكايات الأوروبية في عصره -التي تُرجم بعضها إلى الآيسلنديّة أو كان بعض الآيسلنديين على اطلاع ومعرفة بالأدب الأوروبي لدراستهم في أوروبا وسفرهم إليها- في الحديث بصراحة عن العلاقة الحميميّة بين الرجل والمرأة مستخدما لغة مجازيّة ذات كنايات في ثلاثة مواضع، وبدا التكرار فيها مصنوعا لا مطبوعا الغرض منه توظيف الحدث لوصف العلاقة بين بوسي وبنات الفلاحين الثلاث. أضفت اللغة المجازيّة طابعا هزليا على المشهد الحميميّ، وهذه الهزليّة سمة للمحاكاة الساخرة من نصوص وحكايات أخرى، ففي استهلالها يذكر نسب الملك هرنغ انتهاء بأودين محاكاة لذكر نسب الملوك اليهود، أو في خاتمتها إذ يقول السارد “لتبارك القديسة بوسلا كلَّ مستمع وقارئ وكاتب، وكلّ من تصدّق أو فعل خيرًا. آمين”، وبوسلا ساحرة مشعوذة وليست قدّيسة، وتستحق الإحراق لا الإكرام، لكنّ المؤلف جعل الهزليّة غاية حكايته لا الجد. تكشف سيرة بوسي وهيرود عن فَهم لبنية السيرة ومواضيعها وحبكاتها، وأراد المؤلف أن يعمل عقله فيها ويترك بصمته في سيرته من دون أن يخرج عن تقاليد كتابة السيرة أو يقوّضها، فأضاف عليها الهزلَ والسخريّة، وأسمعَ القارئ صوته الواعي والمنفصل عن صوته السارد للحكاية.