هيسودوس: أنساب الآلهة والأعمال والأيام
يشغل الشاعر هيسودوس، رفقة هوميروس، صدر مقدمة شعراء اليونان، ويمثِّل هذان بشعرهما فاتحة الأدب اليونانيّ بل الغربيّ عموما. عاش هيسودوس في القرن الثامن قبل الميلاد معاصرًا لهوميروس في الراجح، ويحدد آخرون حقبة عيشه ما بين سني 750-650 ق.م ، لا يعرف الكثير عن حياته إلا ما ذكره عن نفسه في قصيدتيه، واشتهر جيلين بعد وفاته، إذ نحلت عليه قصائد مثل قصيدة درع آخيل في القرن السادس قبل الميلاد1. اشتغلَ بالرعي والزراعة وله معرفة محدودة في الملاحة، هذا ما تكشف عنه قصيدته الأعمال والأيام، وله ضلاعة من معتقدات اليونان وأساطيرها وقواعد شعرها مكَّنته من نظم قصيدتين لهما السبق في ترسيخ معتقدات اليونان عن الآلهة. كتب هيسودوس في نوعين شعريين هما أصل الآلهة Theogony والشعر التعليمي Didactic، كما كتب هوميروس في الشعر الملحميّ، وله الفضل في إشراع الباب لافتتاح الشعر التعليمي. يكتب الشاعر الفيلسوف زينفون في القرن السادس قبل الميلاد “نسبَ هوميروس وهيسودوس إلى الآلهة كلَّ صفةٍ وضيعةٍ في البشر كالسرقة والزنا والغش”. ويكتب هيرودوتس “كان لهذين الفضل في إنشاء شجرة العائلة الإلهيّة لليونان ومنحا الآلهة ألقابها وقواها ومراتبها وبيِّنا هيئاتها”2.
تروي قصيدته أنساب الآلهة قصص بداية الكون والحياة وولادة الآلهة حتى تسيّد الإله الملك زيوس على باقي الآلهة بهزيمته والده كرونوس، ويُرجَّح أنَّ هيسودوس سمع قصائد عن أنساب الآلهة وأضاف عليها، وهي متأثرة بأساطير حثّية في القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وقصيدة إينوما إليش البابلية في القرن الحادي عشر قبل الميلاد3. نرى التشابه ما بين قصيدته وقصيدة الخلق البابليّة، لا سيما في معارك الآلهة كما بين جيل الأحفاد والأجداد (مردوخ وتيامت، وزيوس وكرونوس)، وفيها معتقدات متشابهة ومتقاطعة عن الآلهة. تتجلَّى إلهات الشعر لهيسودوس وهو يرعى الغنم في جبل هيلكون، ضمن منطقة بيوتيا في اليونان، فينفثن مقدرة نظم الشعر في صدره، ثم يُوحين إليه من أخبار الآلهة وأيامها وأفعالها وصنائعها. تؤسس قصيدة أنساب الآلهة ما نعرفه اليوم عن أساطير الآلهة في اليونان القديمة، وما كانت الآلهة تفعله فيما بينها سواء بالزواج والإنجاب أو القتال والإهلاك.
أما قصيدته الثانية، الأعمال والأيام، فهي تأخذ طابعا مختلفًا بانتمائها إلى الشعر التعليمي، وتعرض جانبًا من حياة شاعرها. يفتتحها هيسودوس بالحديث عن النزاع بينه وبين أخيه بيرسيس، وكيف أنَّ هذا الأخير بمعونة الحكَّام قد سلب حقَّ أخيه وغمطه. لكنَّ بيرسيس يؤثر الكسل والدعة على العمل مما أدَّى إلى تناقص ثروته وزوالها فعاد إلى هيسودوس يسأله المعونة فما أعانه في شيء، يجعل هذا المآل من هيسودوس دافعًا له ومحفِّزًا في بيان قدر العمل وما فيه من نفع وصلاحٍ وتنمية للثروات، على العكس من الكسل والعطالة إذ هما آفة الثروة. يخاطب هيسودوس في القصيدة أخاه واعظًا وناصحًا ومُحدِّثًا ومقرِّعًا، فتتوزَّع أبيات القصيدة على أخبارٍ عن الآلهة وأفعالها، وعن خلق البشر وسلوكياتهم، وعن الزراعة والحرث وصناعة الخمر والإبحار وأوقات المناسبة لكل هذه الأعمال، ونصائح أخلاقية وسلوكيّة ومواعظ. يرى بعض النقَّاد أنَّ شخصية بيرسيس هي إبداعيّة متخيَّلة اختلقها هيسودوس ليخاطبها في قصيدته الأيام والأعمال.
1- مقدمة Works and Days – ترجمة M. L. West
2- المرجع نفسه.
3- المرجع نفسه.