دليل القارئ إلى أدب وادي الرافدين القديم
للاستماع في ساوندكلود
لتحميل المقالة PDF
حضارة وادي الرافدين أقدم الحضارات المكتشفة في العالم، ولا تنافسها في الأقدمية سوى الحضارة المصريّة، لا يُعرفُ على وجه التحديد بدقة في أي زمن بدأ استيطان وادي الرافدين لكن المرجح منذ الألف الخامس قبل الميلاد (أو نحو ذلك)، وتحدد في القسم الأوسط من السهل الرسوبي، من وسط العراق الحالي إلى جنوبه، مراكز الاستيطان حيث قامت مدن سومر وأكد. كان السومريون في الراجح أول من استوطن هذه البلاد، ولا يُعرفُ أصلهم، وهو موضوع يُعرفُ لدى الباحثين وعلماء التاريخ بالمسألة السومريّة، ويرجِّح بعضهم هجرة السومريين من منطقة دلمون في الساحل الشرقي من شبه الجزيرة العربية استنادًا إلى بعض النصوص السومريّة الأسطورية عن الخلق والآلهة. عاش السومريون في وادي الرافدين في كيان سياسي قائم بذاته، والغالب عليهم دول-المدن، حتى مطلع الألف الثاني، إذ انتهى وجودهم بدمار سلالة أور الثالثة (2212-2004 ق.م.). تحدَّث السومريّون اللغةَ السومريّة وظهرت، كما يرجِّح التاريخيّون، في منتصف الألف الرابع قبل الميلاد (3500 ق.م.) وهي لغة لا عائلة لغوية معروفة لها، ومن اللغات الملصقة، يقول طه باقر “والغالبية الكبرى من مفرداتها قوامها مقطع واحد مثل “لو”: رجل، و”كال”: عظيم… وتؤلَّف بطريق الإلصاق مفردات مركبة كثيرة مثل لوكال أي الملك أو الرجل العظيم”. وما كان لهذه اللغة أن يُكتبَ لها البقاء بعد اندراس أهلها لولا اختراعهم الخط المسماريّ، وهو نظام كتابة اللغة السومريّة، واستُخدمَ لاحقًا في كتابة اللغة الأكديّة التي تفرَّعت عنها اللهجتان البابليّة والآشوريّة. يوجدُ اليومُ مئات العلامات المكتشفة عن الخط المسماري وتطوِّره، ويرجح تاريخ استخدام آخر مراحل تطور العلامات في الألف الأول قبل الميلاد. يقول صمويل كريمر “بدأ الخط المسماري خطا صوريًا حيث كلُّ صورة أو أكثر تمثّل كلمة أو معنى مطابقًا، أو قريبا، للصورة. ثم عمدوا إلى استخدام العلامات حتى اختفت الكتابة الصوريّة، ثم قللوا من عدد العلامات إلى الحد الناجع والنافع”. بقيت السومريّة بجوار الأكديّة، أقرب اللغات إليها، لغة التدوين لا سيما في الكتابات الرسميّة والاقتصادية والأدبية، لكن تلاشى استخدام السومريّة بمرور الزمن وبقي محصورًا على الكهنة والمعابد، وحلّت محلها الأكديّة. وبقي الخط المسماري كما يقول طه باقر “خط حضارة وادي الرافدين في الاستعمال منذ أول ظهوره في حدود 3500 ق.م. إلى بداية العهد الميلادي (50-75م) حيث انحصر تداوله بين كهنة المعابد وحل محله الخط الآرامي المؤلف من حروف هجائية قليلة، وحلت محلَّ اللغة البابلية [الأكدية] اللغةُ الآراميّةُ المدونة بذلك الخط. وبقي الخط المسماري مجهولا حتى مطلع القرن التاسع عشر”.
لعل سائل يسأل عن معنى لفظة سومر؟ هي لفظة مشتقة من الكلمة الأكديّة Śumerum (شومروم)، لا يوجد معنى أكيدُ الدلالة، فقد استخدمت إشارةً إلى اللغة أو الأرض، ولم تستخدم للإشارة إلى الشعب كما يذهب مؤلفو كتاب أدب سومر القديمة The literature of ancient sumer، ويقول طه باقر بأنَّ من المحتمل “أن تعني هذه اللفظة ’أرض سيد القصب أو الأحراش‘ ولعل المقصود بسيد الأحراش هنا الإله السومري المشهور “أنكي” أو “إيا”، كما قيل في معنى سومر إنَّه مشتق من أحد أسماء مدينة نفَّر القديمة التي كانت أولى مدينة في الحد الشمالي من بلاد سومر، وإلى الشمال من نفَّر تبدأ بلاد أكد”. كما نرى أنَّ عدم اليقين سمة لصيقة بكثير من المعلومات التي تخصُّ حضارة سومر وأكد. ولا بد هنا من إيراد ما ذكر في مقدمة كتاب أدب سومر القديمة من بيان عن صعوبة التعامل مع النصوص السومرية، هذه الصعوبة التي تشمل التاريخ القديم في وادي الرافدين وتكشف عن صعوبة البت بأي معلومة أو معنى بتًا جازمًا إلا إذا أجمع عليه العلماء والدارسون إجماعا لا تشوبه مخالفة: “إنَّ الترجمات من الطبعات المُعلَّمة [المَخْطَّطَة] والنصوص المُجمَّعة (كما الحال في هذا الكتاب) تعتمد على براعة تفسيرية، أي إنها ليست ترجمة مباشرة من المصادر القديمة لكن من تأويلات، واقتباسات تكييفيّة، وتجويدات قائمة على فَهمنا للمتن الأدبي [السومري] كليًا، غالبا، حتى في حال لا يكون لدينا مصدرٌ سومريٌّ عن فقرةٍ بعينها. أهذا غشٌ؟ لا نحسبُ ذاك غشًا، فقد أخذنا بعين الاعتبار كلَّ المصادر القديمة، من دون أن نغلو في تقديم ثماني ترجماتٍ مختلفة، وهي بطبيعة الحال متشابهة، ما عدا بعض الفراغات المُضجرة وعلَّمنا عليها بثلاث نقاط … حيث يكون موضعها مكسورًا في اللوح أو غير مفهوم”. وفي موضع آخر تُذكر صعوبة التفريق بين بعض الملوك التاريخيين عن الآلهة ذلك لأن هؤلاء الملوك عدُّوا أنفسهم آلهةً في حياتهم، على غرار نرام-سين حفيد سرجون الأكدي، واستُخدمت في أسمائهم علامات مشابهة للعلامات المستخدمة في أسماء الآلهة، بل زاد على ذلك أن بنوا لأنفسهم معابد وتعاملَ الناس معهم تعاملَ الآلهة.
مثَّل اكتشافُ السومريّين وحضارتهم ولغتهم انقلابا عظيمًا في تاريخ الاكتشافات التاريخية عن الأمم المندرسة، ويرجع الاختلاف في ذلك إلى أنَّ لفيف علماء غرب أوروبا ودارسيها في أثناء تنقيبهم في العراق ومصر كان مصدرهم الرئيس عن مصر وآشور وبابل هو ما ذكره العهد القديم، والمصادر الكلاسيكيّة، وما بعد الكلاسيكيّة، أي أنَّهم نقَّبوا عن شيء معروفٍ لديهم إلى حدٍ ما، ويملكون عنه الأوليّات المعينة في البحث واستمراره. في حين لا يوجد أي دليل مادي أو معلوم عن سومر والسومريّين، ولا ذكر لهم في أي مصدر من مصادر العالم القديم المعروفة لديهم، كما يبين كريمر، لذا كان اكتشافهم أعظم اكتشافات تاريخ التنقيب في العصر الحديث. كما لا يفرق فكُّ شفرات اللغة السومريّة تميُّزًا عن اكتشاف الحضارة السومريّة، إذ كان لللغات الساميّة (اللغات الجزريّة)، منها الأكدية، عناصر ثابتة معبِّرة عن الأصوات الصحيحة، وعناصر متغيِّرة عن أصوات العلة، لذا فكان من المستغرب بعد اكتشاف اللغة السومريّة، التي عدَّت لغة ساميّة أول الأمر، أن لها نظامًا إملائيًا مقطعيًا ثابتا في الأصوات الصحيحة وأصوات العلَّة. يقول كريمر “ومما فطن إليه العالم هيكس Hicks، وشكَّ أنَّ الخط المسماري اخترُع من شعوب غير ساميّة في وادي الرافدين، أنَّ لو كان هذا النظام الكتابي ساميًّا لسهلَ تتبع دلالة العلامات المقطعيّة ووضع كلمات ساميّة مقابلة لها، وبدا له من الجليّ أنَّ هذه العلامات لا عناصر مقابلة لها ولا كلمات في اللغات السامية”. ثم كان لاكتشاف ألواحٍ ضمَّت نصوصًا بلغتين أكديّة وسومريّة، إذ كان التدريب على نسخ النصوص السومريّة وترجمتها شائعًا لا سيما عند البابليين، الدور في فكِّ شفرة الخط المسماري للغة السومريّة.
مراحل تطور الخطِّ المسماري (العمود الأول لا يعرف تاريخه على وجه التحديد لكنه في الألفية الرابعة قبل الميلاد وربما يسبقها، والعمود الأخير استُخدم في الألفية الأولى قبل الميلاد)
كانت بلاد الرافدين عُرضةً لهجرات الأقوام المحيطة بها، وتمثَّلت أكثرها في هجرات الساميين من بلاد الشام غرب العراق وشمالي الجزيرة العربية، فأسسوا أول إمبراطوريّة في العالم على يد سرجون الأكدي، واختار سرجون مدينة أكد أو أكادة لتكون عاصمته، فانتسبَ إليها الساميون في العراق، ولا يُعرفَ اشتقاق هذا الاسم أو معناه كما يقول طه باقر. دامت هذه الإمبراطوريّة أكثر من قرنين ما بين (2370-2160 أو 2334-2154 ق.م.) إذ انتهت على أيدي قبائل الجوتيين التي قطنت جبال زاجروس في شرقي شمال العراق، والعيلاميين في إيران. وتأسست بابل التي شهدت صعودًا وهبوطًا على مدى قرونًا ابتداءً من العصر البابلي القديم (2000-1500 ق.م.) حتى العصر البابلي الحديث أو الأخير (627- 539 ق.م.) الذي شهد قيام الدولة الكلدانيّة، وكانت دولة نبوخذنصر (605-562 ق.م.)، كما يذكر طه باقر، “آخر دولة وطنية تقوم في البلاد حيث أعقبتها عهود صار فيها القطر خاضعا للدول الأجنبية، أولاها الفرس الأخمينيون (539-331 ق. م.) ثم الإسكندر الكبير وخلفاؤه السلوقيون (331-126 ق. م.) وحكم العراق بعد السلوقيين الفرس الفرثيون أو الأرشاقيون (126 ق.م. – 226م)، ثم حكم الساسانيون (226-637) وانتهى بالحكم الإسلامي”. وفي غربي شمال العراق قامت بلاد آشور، شهدت هي الأخرى صعودًا وهبوطًا، ما بين (2000-612 ق.م) وكانت السلالة السرجونية آخر السلالات الحاكمة وأشهرها لا سيما ملكها آشوربانيبال. كانت الأكديّة، بجوار السومريّة، هي لغة هذه الأقوام، وتفرَّعت إلى فرعين الأكدية البابليّة والأكدية الآشوريّة مُستخدمين جميعًا الخط المسماريّ، وساهمت هذه الأقوام في التدوين وترجمة النصوص السومريّة والإنتاج الأدبي. كما من المهم ذكره أنَّ بلاد الرافدين كانت بوتقة كبيرة تنصهر فيها الأقوام المهاجرة إليها أو الغازية المُستقرَّة فيها فقد انصهر الجوتيّون والساميّون وكذلك الكشيون، ويقول طه باقر “حدث في العهد البابلي القديم (2000-1500 ق.م.) انصهار حضاري وسياسي ولعل أحسن ما يعبّر عن هذا الاتجاه شريعة حمورابي الشهيرة التي لم تفرق ما بين السومريين والبابليين والقوميات الأخرى بل إنها وضعت لجميع السكان، وفوق ذلك نجد اتجاها عاما يتعدى حدود مملكة مشرعها، حمورابي، ليشمل جميع الناس أو البشر في عرف ذلك الزمن أو كما جاء في العبارة المشهورة ’ذوو الرؤوس السود‘”. ويضيف “طغت المعالم السامية على المعالم السومريّة منذ نهاية سلالة أور الثالثة إلى سقوط الدولة الكلدانية على يد الأخمينيين سنة 539 ق.م… لكن هذا لم يمنع أن تستمر اللغة الأكدية لغة التدوين الرسمية، ولم يخلِّف الأموريون شيئًا مدونا بلغتهم في العراق باستثناء أنها صارت بلا شك إحدى اللغات المحكية الرئيسة ودخول أسماء أعلام سامية غريبة كثيرة مع أسماء عدد من الآلهة”.
*
لماذا الأدب؟
إنَّ الأدب مرآة الحياة والفكر والخيال والمجتمع والدين والثقافة والأخلاق والعادات والنُظم والعلاقات الإنسانيّة، وأنْ تعرفَ أمةً أن تعرفَ أدبها. فشطر عظيم من المعرفة المُدوَّنة عن حضارة وادي الرافدين وسكَّانها استقيناها من الألواح ذات المواضيع الأدبيّة، ولا يتجاوز مجموع هذه الألواح الأدبية خمسة آلاف لوحٍ، أي ما يعادل نحو 1% من مجموع مواضيع الألواح المكتشفة حتى اليوم، وهو عدد قليلٌ جدًا لكنَّ نفعه لا يحصر. بل يزداد الأمرُ عجبًا حين نعلمُ أنَّ أغلب هذه الألواح الأدبية المكتشفة إنما نُقشت ونُسخت لا لتدوم وتخلد بل استُخدمت في مدارس تعليم الخط المسماريّ واللغة السومريّة، ولربما يسعنا أن نجمح بالقول إنَّ هذا الأدب وصل إلينا بالصدفة المحضة لا غير، وفي هذا نحن محظوظون جدًا إذ بلغنا هذا الأدب العظيم ذو الأنواع المختلفة والنصوص الأصيلة التي لا يقارعها إلا الأدب العظيم عند الأمم اللاحقة. يذهبُ صمويل كريمر في القول إنَّ الألواح الطينية التي دوَّن عليها سكَّان وادي الرافدين نصوصهم كانت الفارق بينهم وبين المصريين القدماء الذين استخدموا أوراق البردي القابلة للتلف، وبزوالها زال أدبهم واندرس إلا القليل الذي عُثر عليه. كما لا يمكن بحالٍ من الأحوال أن نغفل عن الإشارة إلى الملك الآشوري العظيم آشور بانيبال (668-626 ق.م.) الذي أنشأ بداخل قصرة في نينوى مكتبةً ضخمة جمَّع فيها النصوص الأدبية في وادي الرافدين، ويقول طه باقر “كان لاكتشافها الفضل الكبير في معرفتنا بأدب حضارة وادي الرافدين وعلومها ومعارفها”.
لكن ما زمن تدوين هذه النصوص ومتى جرت وقائعها ومَن دوَّنها؟ يجيب طه باقر بالقول “إنَّ الزمن الذي دوِّنت فيه أشهر النصوص الأدبية في وادي الرافدين لا يتجاوز الألف الثالث قبل الميلاد وأوائل الألف الثاني قبل الميلاد، إلا إنَّ تلك النصوص الأدبية قد أُبدعت وأنتجت في أزمان أقدم من عهد تدوينها، وتناقلتها الأجيال المتعاقبة بالرواية الشفوية فوقع فيها الكثير من التطور إلى أن بدأ القوم يدونونها في ألواح الطين بأشكالها النهائية الأخيرة التي جاءت فيها إلينا منذ مطلع الألف الثاني ق. م. […] وتميز العصر البابلي القديم 2000-1500 ق. م. بظهور حركة كبرى في التدوين والتأليف وفي مقدمة ذلك الشرائع المدونة وتدوين النصوص الأدبية المشهورة السومرية منها والبابلية (الأكدية) وترجمة الكثير من القطع الأدبية السومرية إلى البابلية”. وأغلب النصوص الأدبيّة الرافدينيّة هي نصوص شعريّة، فالشعرُ كان جنس الأدب أجمعه تقريبًا واستُخدم النثر لا سيما الأدبي، كما يذكر طه باقر، في أغراض غير أدبية مثل تدوين الحوادث التاريخية والرسائل الملكية وتدوين أعمال الملوك وحملاتهم الحربية والشرائع والحكم والأمثال والمواعظ.
كُنت قد شرعتُ في الاطلاع على الأدب السومري بقراءة ديوان الأساطير المكوَّن من أربعة أجزاء، قرأت قبلها ملحمة غلغامش وترجمت قصيدة هبوط إنانا إلى العالم السفلي، لكن هذه القراءة الجديدة كشفت لي بادئ الأمر عن أمرين رئيسين:
– أننا، وأعني أغلب القراء المشارقة لأننا أبناء هذه الأرض لا سيما العراقيين، لا نعرف شيئًا عن أدب وادي الرافدين القديم، وما نعرفه لا يتجاوز ملحمة غلغامش وصاحبه أنكيدو ورحلة الخلود، وحتى هذه الملحمة فنحن لا نعرف عنها إلا قشرتها دون الغوص في أغوارها اللجيّة ولا الاستقصاء في أصولها التي انبثقت منها هذه الملحمة التي دوَّنها البابليون. فكان لزاما قراءة الأدب الرافدينيّ القديم بل وبعثه من جديد بعثًا هو جديرٌ به، وإحياؤه بالقراءة والدراسة وإدخاله المتنَ الثقافي العربي والأدبي، وهذا ما عزمت عليه وأعمل عليه الآن سواء بقراءة النصوص الأدبية السومرية التي استطعت معرفتها والوصول إليها، وأحسبُ أني أتيتُ على كل ما تُرجمُ تقريبًا وما فاتني إلا أقل القليل، والكتابة عنه في مقالات وقراءات، والترجمة، وإعادة السرد (أو الكتابة) لنصوص مختارة من الأدب الرافدينيّ بأسلوبي ولغتي وتقديمها للقارئ بحُلةٍ جديدة لا غاية لي سوى تسليط الأضواء على هذا الأدب المَهيب، ولفت الأنظار إليه، وستنشر هذه النصوص المعاد كتابتها في الأيام القادمة بإذن الله تعالى.
– إنَّ قراءة أدب وادي الرافدين لا بدَّ، وهنا على سبيل الاقتراح لا الإلزام، أن يُسبق باطلاعٍ كافٍ وإحاطة ما يمكن الإحاطة به في تاريخ وادي الرافدين ليكون القارئ على علمٍ ببيئة الناس ونُظم الحكم والملوك والمدن والتاريخ الحضاري والسياسي حيث انبثقت هذه النصوص وأُبدعت، لا أن يدخلَ على هذا الأدب دخول الأعمى بلا إرشادٍ أو مُرشد. وعليه فإني أقترحُ على القارئ أن يبدأ بقراءة:
1- مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة، الجزء الأول – حضارة وادي الرافدين – طه باقر.
يقدم هذا الكتاب صورة إجمالية شاملة لتاريخ وادي الرافدين منذ عصور ما قبل التاريخ ثم نشأة الحضارة وقيام بلاد سومر وأكد وبابل وآشور والعصور الأخرى حتى العصر الساساني وانتهائه بالفتح الإسلامي. الكتاب على درجة عالية من الموسوعية والعمق والشمولية ويؤسس للقارئ خلفية معرفية جيدة تبدد الكثير من الخرافات والمعلومات المغلوطة المنتشرة حول سكان العراق القديم وحضارتهم.
2- مقدمة في أدب العراق القديم – طه باقر.
مرجع مهم لكل من يريد الولوج في أدب حضارات وادي الرافدين لا سيما السومري والبابلي، صحيح أنه لا يروي عطشا ولا يسكت جوعا لكل من يريد قراءة النصوص الأصلية كاملة لكنه كفيل بأن يعرّف القارئ إلى عشرات النصوص القيّمة، ويخرجُ بعدد من المراجع والمصادر والعناوين.
3- الأساطير السومرية: دراسة النصوص الأدبية والروحيّة في الألف الثالث قبل الميلاد – صمويل نوح كريمر (كتاب غير مترجم)
The Sumerian Mythology: A Study of Spiritual and Literary Achievement in the Third Millennium B.C.
يقدم كريمر، وهو من علماء الآشوريات والمتحمسين لحضارة وادي الرافدين، في أربعة فصول دراسة تقديمية وتحليلية لنصوص سومريّة مختارة ومنوَّعة تشمل مواضيع الخلق والأساطير والعالم السفلي والطوفان، ومواضيع أخرى تصبُّ في تأسيس معرفة عن الفكر السومريّ الديني والأسطوريّ.
4- من ألواح سومر – صمويل كريمر، ترجمة طه باقر.
يقدم كريمر في هذا الكتاب، بخمسة وعشرين فصلًا، مواضيع كثيرة عن السومريين وحياتهم وما يتفرَّع عنها استنادًا إلى النصوص الأدبية وتحليلها والكشف عما يمكن معرفته عنها من عصرها وتدوينها وتاريخ اكتشافها والظروف المحيطة بها. وقراءة هذا الكتاب تُثري القارئ وتزيد من حماسه للاطلاع على النصوص الأصلية كاملةً وقراءتها وتحليلها بنفسه.
*
لنجبِ الآن عن سؤال مؤسسٍ قبل الشروع في التعرف إلى النصوص الأصلية، وهو ما المواضيع التي دوَّن فيها سكَّان وادي الرافدين القدماء سواء سومريين أو مَن جاء بعدهم مِن أكديين وبابليين وآشوريين؟
يُمكن تقسيم النصوص الأدبية إلى أنواع اعتمادًا على مواضيعها الأساسيّة:
1- الخليقة وأصل الكون، والأشياء، والآلهة.
2- البطولة والملاحم وصراع المدن عند الآلهة والبشر.
3- الطوفان: من المواضيع المهمة في تاريخ وادي الرافدين.
4-أساطير ما بعد الموت أو عالم الأرواح أو العالم الأسفل (كور).
5- الحكمة: يشمل الحكم والوصايا والأمثال والعدل الإلهي.
6- الحوار والمساجلة
7- حكايات الحيوان
8- المراثي
9- الحب والغزل والجماع
10- المدائح والابتهالات والترانيم والرقى والدعاء
11- التعليم والتلاميذ
12- الأغاني
إنَّ هذه التصنيف ليس قطعيًا أو إنَّه صحيح تمامًا، فقد تندرجُ نصوص في نوعين أو أكثر، وقد تدمج أنواعٌ في بعضٍ، أو تُستقلُّ أنواعٌ جديدة قائمة بنفسها، وما هذا التصنيف إلا لتيسير تقسيم النصوص وتوزيعها. تبرزُ من هذه الأنواع نصوص لها قدرٌ من الأهميّة أكثر من غيرها نظرًا لموضوعها وحجمها وبيانها وتفاصيلها وأسلوبها ولغتها وهيكلتها وبُنيتها. وأحسبُ أنَّ النصوص القادمة الذكر هي أهم النصوص التي يسعُ القارئ الاطلاع عليها ثم يكتفي من أدب وادي الرافدين. عناوين النصوص (العنوان بالعربي لا يعني بالضرورة أنَّها مترجمة، والكثير مترجم):
– حينما إيليش (قصة الخلق البابلية).
– قصائد إنليل: إنليل وننليل، إنليل وسود، إنليل في كور، قصائد تبجيل إنليل.
– قصائد أنكي: أنكي ينظم البلاد، أنكي ونينماخ، أنكي وبلاد سومر، إحياء دلمون.
– قصائد إنانا: إنانا وبيلولو، زيارة إنانا لأنكي، صراع إنانا وصلتو، إنانا تُخضع الإيبيخ، هبوط إنانا إلى العالم السفلي، اغتصاب إنانا، قصائد إنانا ودموزي، قصائد تقديس إنانا.
– قصائد نينورتا: نينورتا يخضع شعب الحجارة، نينورتا يعود إلى نفّر، عقاب نينورتا، زيارة نينورتا لأنكي، نينورتا فلاح إنليل، أسطورة الطائر أنزو.
– ملحمة غلغامش (البابلية)
– قصائد غلغامش: غلغامش وأكا حاكم كيش، غلغامش وأرض الأحياء (هواوا)، موت غلغامش، غلغامش وثور السماء، غلغامش وأنكيدو والعالم السفلي.
– ملحمتا إنمركار: إنمركار وإين- سوهغير-انا، إنمركار وحاكم إقليم أرتا.
– ملحمة الإله إيرا.
– ملاحم الطوفان: – ملحمة زيُسودرا Ziusudra، ملحمة أترا – حاسس Atra Hasis.
– قصيدتا لوغال باندا: لوغال باندا في البرية (أو الكهف)، عودة لوغال باندا.
– قصائد أسطورية: صعود إيتانا إلى السماء، أسطورة أدابا، لعنة أكادة، أسطورة كوثا.
– قصائد الحب والجماع: أغنية حب لشو-سين، قصائد دموزي وإنانا.
– قصائد التلاميذ: نصيحة مشرفٍ لنسَّاخٍ متدرِّب، الحياة اليوميّة لتلميذ، حكيم ينصح تلميذه، التلميذ المغرور والتلميذ المتمرد.
– قصائد متنوعة: زواج مارتو، ترنيمة لنونغال، تهويدة لابن شولغي، نشيد المعزق، حلم دوموزي وموته، رحلة نانا-سين إلى نفَّر، سرجون وأور-زبابا، العادل المعذَّب، بناء معبد نينغرسو، وفاة أور-نامّا، ترنيمة لنيسابا، بيت السمك.
– الحوارات: حوار بين صديقين، حوار بين سيد وعبده.
– النصائح: نصائح حكيم لتلميذ، إرشادات فلاح لابنه، نصائح إلى الحاكمين، نصائح شوروباغ، توصيات أب لابنه المنحرف.
– المناظرة والمساجلة: الصيف والشتاء، الراعي والفلاح، الطير والسمك، المعزق والمحراث، الفضة والبرونز، إلهة القمح والماشية، النخلة والطرفاء، مالك الحزين والسلحفاة.
– المراثي: مرثاة أور، مرثاة سومر وأور، مرثاة نفّر، مرثاة أريدو، مرثاة أوروك.
– كور أو العالم السفلي: حلم أمير آشوري عن عالم ما بعد الموت، أسطورة نرغال وإريشكيغال، هبوط أنانا إلى العالم السفلي (بروايتين سرموية وأكدية).
– الأمثال: السومريّة والأكديّة والبابليّة.
يجدر بالذكر هنا أنَّ أدب وادي الرافدين شهد أول نظام فهرسة النصوص الأدبية في العالم، ويوجد، كما تشير المصادر، نحو اثني عشر لوح فهرسة يحتوي على بدايات النصوص أو استهلالها. وساعد ذلك بمعرفة النصوص المشهورة وعددها والتنقيب عنها.
*
استعراضٌ لبعض النصوص المشار إليها آنفا:
1- حينما إيليش: تُقدِّم هذه القصيدة الملحميّة قصَّة الخلق وفقًا للمعتقد البابلي، لذا عُرفت باسم “قصة الخلق البابليّة”، وفيها يُروى عن الوجود الأول حيث كان الماء في كلِّ مكان ولمّا يُخلق الكون بعد، ثم الحرب بين إيا (أنكي) وأبسو (قرين تيامت، الإلهان الخالقان لبقية الآلهة)، ثم قتال مردوخ لتيامت وهزيمتها، وخلق الكون والسموات والأرض والبشر وبناء بابل.
2- ملحمة غلغامش: هذه الملحمة أشهر نصٍ في أدب وادي الرافدين، وواحدة من الروائع الإنسانيّة تحكي عن قصة ملك أوروك، غلغامش، وأحد الملوك السومريين الواردين في ثبت الملوك السومري، وتحوَّلات حياته بعد التقائه بأنكيدو، ثم مغامراتهما معًا، وموت أنكيدو الذي شهدنا إثره رحلة غلغامش العظيمة عن الخلود. لم تنبثق هذه الملحمة، المعروفة اليوم بنسختها البابلية، من فراغ إذ أُبدعت اعتمادًا على قصائد سومريّة سابقة عن الملكِ غلغامش مثل غلغامش وثور السماء، غلغامش وهواوا. توجد خمسُ قصائد مختلفة عن غلغامش سوى ملحمته.
3- مساجلة السمك والطير: عرف أدب وادي الرافدين صنفا من الأدب وهو أدب المناظرة أو المنافسة أو المساجلة الكلامية، واسمه a-da-min3 (Ada أي مسابقة، وMin أي اثنين). تأخذ بعض المنافسات السجالية طابعا عدائيا كما في مساجلة السمك والطير، وبما أن المتنافسين لن يسلما بالهزيمة فإن الحَكَمَ بينهما يكون ملكا أو إلها. في مساجلة السمك والطير يشرع السمك في مهاجمة الطير وازدرائه والانتقاص من خلقته، وبعد أن ينتهي يردُّ الطير كاشفا عن سوء صورة السمك وساخرا من أفعاله. بعد أن يفرغا من المساجلة يهجم السمك على عش الطائر ويخرّبه وبيوضه، فيلجأان إلى الملك شولغي ليفصل بينهما ويعلن عن الغالب في هذا السجال. يلعب الإفصاح عن الغالب الأفضل وتفسير سبب الاختيار دورا مهما في نصوص المساجلات، فالنص يجري نحو وجهة واحدة هو بيان أفضلية مخلوق على آخر لسبب ما دنيوي أو إلهيّ. يحكم شولغي في صالح الطير لأنه المفضل بتغريده في معابد الآلهة التي تحب صوته الندي.
4- لعنة أكادة: برز بين الملوك الأكديين بعد سرجون حفيده الملك نرام-سين، وهو من الملوك القلة الذين ادَّعوا الألوهيّة، وكتب اسمه بالعلامات المخصَّصة للآلهة، وصار الإله الحامي لمدينة نفَّر بجانب الإله إنليل. يروي هذا النص لعنة الآلهة التي أصابت مدينة أكادة، التي أنشأها سرجون الأكدي مؤسس الإمبراطورية الأكدية (2334-2154 ق. م.)، وما حل بها من دمار وخراب على يد قبائل الجوتيّين الجبلية. تبدو فكرة النص للوهلة الأولى عاديّة لا يميزها شيء لكنها في الحقيقة واحدة من أفكار النصوص اللافتة في موضوعها. يلعب نرام-سين، حفيد سرجون، وملك أكد الثالث دورا مفصليا في النص، حين يرى في المنام أن إنليل قد قرر أن تُسلب أكادة مكانتها وازدهارها وتذهب ريحها إلى عدوها فسعى جاهدا مع عرّاف معبد إنليل، الإيكور، أن يغير قرار إنليل ويثنيه عما عزم عليه فخاب مسعاه وما نال بغيته. إذ حزم إنليل أمره على دمار المدينة فقرر نرام-سين أن يقود جيشه ويذهب لتدمير معبد إنليل ونهب كنوزه. يتحول النص إلى مواجهة أولى في الأدب بين البشر والآلهة، وهنا ينوب عن الآلهة المعبد حيث تقام الطقوس وتؤدى النذور وتحيا الشعائر، دنّس نرام-سين رمز الألوهية في الأرض، فإن كان لا يستطيع أن يبلغ مقر الآلهة في السماء ويغير الأقدار فإنه سيهين قدْرها ويحط من مكانتها دائسا إياها بنعله ونعال جنده. جعل نرام-سين بفعلته هذه لعنة إنليل جديرة بأكادة وترك للآلهة سببا وجيها للانتقام والعقاب لكنه، قبل أن ينزل ما تقرر سلفا، أخذ بثأره وأهان آلهته وحطم معبدها وتركه غرضا للأيادي تعبث به وتنهبه. وإن كانت أكادة ستزول لتزلْ وهي حقيقة بذلك.
5- مرثاة نفَّر: من المواضيع التي شاعت في أدب وادي الرافدين هو الرثاء نظرًا للدمار الذي تعرَّضت له المدن على يد أعدائها. ترثي مرثاة نفَّر دمار المدينة بيد العيلاميين بعد احتياجهم أور، وقضائهم على سلالة أور الثالثة في أواخر الألف الثالث قبل الميلاد. تبكي القصيدة حال المدينة ومصابها بعد أن تخلى عنها إنليل رافعا يده عن حمايتها فهجرت طرقاتها ومعابدها وقتّل أهلها وشردوا على يد أعدائهم، لكن الشاعر يخاطب المدينة ويسألها أن تتضرع إلى إنليل ليعيد إليها مكانتها وما كانت عليه ويرد لها أمجادها وسلطانها ويدحر عدوها، فيستجيب لذلك إنليل ويقرر أن تعود إليها مكانتها على يد الملك إشمي-داغان ويبارك في ملكه.
6- قصيدة اغتصاب إنانا: تروي هذه القصيدة كيف اغتصب شوكاليتودا، ابن أنكي وحارس بستان، إنانا بعد أن دخلت إنانا بستانه لتستريح ورآها تغير ثيابها وتستر فرجها، وعندما نامت ذهب إليها واغتصبها وعرفت ذلك بعدما استيقظت. شرعت في البحث عن مغتصبها وأجرت ثلاث مصائب على الناس لتخرج المجرم الأولى بتحويل الماء إلى دم، ثم هبوب العواصف الرملية، لكن خرم في اللوح يمنع الفهم المصيبة الثالثة، والمتبقي من اللوح يشير إلى إغلاق الطرق فقد تكون مصيبة متعلقة بحبس الناس ومنعهم من الحركة أو التنقل. نجا شوكاليتودا بالتجائه إلى أبيه يستنصحه وطلب أنكي منه أن يبقى مع سكان المدن لينجو. ثم لجأت إنانا إلى أنكي وأخذت شوكاليتودا وعاقبته لكن الخرم في النص يمنعنا أيضا من معرفة العقوبة.
7- زواج إنانا من الراعي دوموزي: تروي هذه القصيدة المنافسة بين دموزي الراعي والفلاح على زواج إنانا، وتنتهي بغلبة الراعي دوموزي ودعوته الفلاح أنكيمدو إلى عرسه.
8- قصيدة العادل المعذّب: قصيدة في أربعة ألواح عن الرجل التقي الذي تآمرت حاشية الملك وفقد منصبه، وابتلي بالأمراض وتخلى الإلهُ عنه وأهلُه، ثم عمّه عفو الإله وعاد إلى سابق عهده، مثل قصة نبي الله أيوب عليه السلام.
9- حوار بين صديقين: قصيدة حوارية بين صديقين أحدهما مشكك بالآلهة ونهجها وآخر مؤمن بالآلهة وعدلها، يبث الأول شكوكه وما يعتريه من سوء حال في حين يتنعم الآخرون مع أنهم لا يبجلون الآلهة ولا يؤمنون بها، ويجيب الآخر عن كل هذه الأسئلة ويبدد الشكوك في كون البشر قاصرين عن فهم عدل الإله وكيف ينظم الكون والحياة وأقدار البشر، ويقنع صديقه بالعودة إلى جادة الحق.
10- ملحمة أترا-حاسس Atra Hasis: واحدة من قصائد الطوفان المهمة التي تتحدث عن خلق البشر، ثم انزعاج الآلهة من ضوضائهم وقرار إنليل بالقضاء عليهم، لكن يتدخَّل أنكي بإيحائه إلى عبده أترا-حاسس الفائق الحكمة، ويطلب منه صنعَ سفينة يأوي إليها مع أهله آخذًا معه المواشي، ويضرب الأرضَ الطوفانُ بعدها لكنه ينجو بفضل مشورة أنكي.
11- ملحمة الطائر أنزو: قصيدة عن سرقة الوحش الطائر أنزو أو التنين زو للوح الأقدار المسيّر للكون والمنظم لحركته الذي يمتلكه إنليل، ثم تبدأ محاولات الآلهة لاسترداد اللوح وتختار الآلهة البطل نينورتا الذي يهزم الوحش ويعيد لوح الأقدار والنظام إلى الكون.
12- صعود إيتانا إلى السماء: هذه القصيدة على ثلاثة أجزاء في موضوعها، الجزء الأول هو حال عدم وجود الملوكية بين البشر قبل نزولها إليهم من السماء. الجزء الثاني العهد بين الحية والعُقاب أمام الإله شمش، إله العدالة، على الصداقة ومشاركة الطعام بينهما وأبنائهما ثم خيانة العقاب للعهد وعقابه من شمش، والجزء الثالث هو عدم إنجاب إيتانا لابن يرثه ويتضرع للآلهة ولشمش حتى ينجب وريثا، واستجاب له وأشار إليه بالذهاب إلى العقاب المرمي في الحفرة ومساعدته، وعلى ظهر جناحه يصعد إلى السماء ليحصل على عشبة عشتار التي تعين زوجته على الحمل. ينخرم اللوح ولا تعرف النهاية لكن الراجح أنه نال العشبة وأنجب وريثا.
13- زواج الإله مارتو: تروي هذه القصيدة قصة زواج الإله مارتو، وهو إله القبائل الرحل وإله ثانوي، آدنيجكيدو ابنة الإله نومشدا في مدينة نيناب، بعد أن فاز في مسابقة المدينة ورفض كل الجوائز سوى الزواج الذي كان غايته في القدوم إلى نيناب.
14- قصائد نينورتا: توجد قصائد عدة عن نينورتا بطل الآلهة، وابن انليل، منها قصيدتان ملحميّتان عن مغامرات نينورتا وبطولاته، الأولى: يُخضع نينورتا شعب الحجارة، والأخرى عودة نيورتا إلى مدينة نفر بعد إخماده ثورة شعب الحجارة.
15- زيارة إنانا لأنكي: تزور إنانا مدينة أريدو وإلهها أنكي، وبعد حفل استقبالها تطلب إنانا من أنكي أسس الحضارة لنقلها إلى مدينة أوروك، وأسس الحضارة كلمة جامعة لكل المعارف والفنون والأفعال والأنظمة والأعراف والعادات والطقوس، أي إنها كل ما يجعل المدينة حضارة والإنسان متمدنا. وفي سكرته يوافق أنكي على رحيل إنانا وبعد صحوته يطلب من حاجبه إيسمود إيقافها بمخلوقاته ووحوشه وحراسه ست مرات، لكنه يفشل بفضل نينشبور مساعدةِ إنانا، وتصل سفينة إنانا بأسس الحضارة إلى أوروك في آخر المطاف.
16- حوار سيد وعبده: قصيدة حوارية ساخرة بين عبد وسيد، فما أن يطلب السيد فعل شيء حتى يثني عليه العبد، وإذا ما عدل السيد عن الفعل أثنى العبدُ على فعله أيضا.
17- حلم دوموزي وموته: تروي هذه القصيدة قصة حلم دوموزي، زوج إنانا، وقدوم شياطين الكالا، الموكلة بقبض روحه، وهربه منها، ثم موته.
18- هبوط إنانا إلى العالم السفلي: واحدة من القصائد الملحمية المهمّة عن إنانا والعالم السفلي، تروي هبوط إنانا إلى مملكة أختها إريشكيغال لغاية غير معروفة على وجه الحقيقة، فتقبض عليها إريشكيغال وتكتب عليها الموت والبقاء في العالم السفلي، وبنجدة من أنكي تخرج إنانا لكن بعد أن جعلت دموزي فداءً لها بموته وبقائه في العالم السفلي.
19- إنانا وبيلولو: إحدى قصائد موت دوموزي، وهذه القصيدة عن حزن إنانا على حبيبها الفقيد وكيف قتلتْ أخته بتحويلها إلى قربة ماء الصحراء، وحولت ابنها جيرجير إلى شيطان البادية، وجعلت سيرّو شخصيةً هائمةً في البادية تنثر الطحين والماء حتى يعود دوموزي إلى الحياة، وينادي شيطان البادية بسكب المزيد.
20- نرغال وإريشكيغال: تروي هذه القصيدة، في أكثر من نسخة، كيف اقترن نرغال وإريشكيغال وأصبح ملك العالم السفلي الجديد برفقة ملكته القديمة إرشيكيغال.
21- ملحمة إيرا: تروي هذه الملحمة كيف تسيّد الإله إيرا، سيد العالم السفلي، على الكون بعد أن أقنع مردوخ بالخروج من معبده وتمثاله، ثم وجه معاونيه السبعة ومساعدَه إيشوم لدمار المدن وتخريبها وقلب نظام الكون فخافه حتى الآلهة، ثم يسرد عليه مساعده أخبار دماره وما حل بالناس والشجر والحشر فتهدأ نفس إيرا الغضوب، بعد أن كان يكرر دوما أن الناس يزدروني، ويحاول إيشوم أن يذكره بما حقق وأن عليه التوقف بعد أن نال كل شيء وخافه الجميع حتى الآلهة. رضي إيرا وأعاد النظام إلى طبيعته والحياة على ما كانت عليه. يذكر الشاعرُ في آخر الملحمة وهو كبتي – إيلي – مردوك ابن دابيبو أن إيشوم قد أوحى إليه بها في الليل، وغالبا في نومه، وأنه استعادها بعد نومه ولم يغفل عن شيء منها، ودونها سطرا سطرا. ثم استمع إليها إيرا فأعجب بها والتذَّ لقصصها وبارك كلَّ إلهٍ يقدر هذا النشيد وأكثرَ من ثرواته، وصارت جالبة النصر والبركة والعلم والثقافة على القادة والكهنة والنساخ والمنشدين. ويطلب في آخر الأمر من كل بلاد تستمع إليه أن تحتفل ببطولته وكل شعب يتعرف إليه أن يشيد بمجده.
22- صراع إين-سوهغير-آنا وإينمركار: واحدة من قصائد آراتّا الملحمية الثلاثة عن الصراع بين مدينة أوروك السومريّة ومدنية آراتّا المنافسة لها. وأصل النزاع بين الحاكمين هو سعيهما للاستئثار بالإلهة إنانا، وأن يثبت كلُّ واحد منهما أنه الأفضل. يرسل حاكم آراتّا رسوله متفاخرا على إينمركار فيباهله ويغلبه ويرده خائبا إلى مولاه. يقر إين-سوهغير-آنا بهزيمته هذه لكن يأتي الساحر أورغرنونا من مدينته ليعلن قدرته على هزيمة أوروك فتجف الضروع والمخضات وتصيب الناس المجاعة، فتغلبه بالسحر ساحرة أوروك ساغ-بورو وتقضي عليه، ويعترف حاكم آراتّا بأفضلية إينمركار وتفضيل إنانا له.
23- صراع إينمركار وحاكم آراتّا: في هذه القصيدة يطلب إينمركار المعونة من إنانا في أخذ الأحجار الكريمة وجلبها من جبال آراتّا إلى أوروك لتزيين معبدها. تشير عليه إنانا بإرسال رسول فصيح كليم إلى حاكم آراتّا برسالة شديدة اللهجة ليخضع لإينمركار وينفذ طلباته. يرسل إينمركار رسوله، الذي سيبقى في ذهاب وإياب مرات عديدة، لكن حاكم آراتّا يرفض طلبه ويعرض عليه تحديات ليست كالتحديات المعتادة بل ألغازًا إذا حلّها يكون له ما أراد، مع أن نيته لم تكن كذلك وكان يماطل كثيرا، ويلجأ للغز بعد آخر للمماطلة في الطلبات. ينتهي النص بابتهاج إنانا وتزيين معبدها ويأمر إنليل بالتجارة بين البلدين ونقل ما يحتاج إليه لتزيين الإيانا، معبد إنانا، في أوروك.
24- لوغال باندا: وصلت إلينا قصيدتان منفصلتان، لوغال باندا في البرية وعودة لوغال باندا، عن البطل لوغال باندا، ابن ملك أوروك إينمركار، وأب غلغامش وزوج نينسون كما يرد في بعض النصوص، لكنهما في موضوعهما قصيدة واحدة متكاملة، فالأولى عن لوغال باندا وجيش أوروك، إذ يمرضُ لوغال باندا ويتركه جيش أوروك الزاحف إلى آراتّا في كهف مع طعام وشراب، ثم يشفى بعد ذلك. وتروي القصيدة الثانية تكملة القصة إذ يتَّجه لوغال باندا إلى الطائر أنزو الذي يهبه قدمين سريعتين لا يعرفان التعب، وبفضلهما يلتحق بالجيش المحاصر لمدينة آراتّا وينفذ طلب والده بالعودة إلى مدينة أوروك لأخذ مشورة إنانا ومعونتها لعودة الجيش إلى أوروك قبل هلاكه.
25- سرجون وأور-زبابا: تروي هذه القصيدة القصيرة كيف أعاد أور-زبابا المجد لكيش، وكان سرجون عامل مؤن عنده. حلم أور-زبابا حلما أرعبه ولم يخبر به أحد وعاش في قصره مرعوبا يبول على فخذيه من شدة الخوف، والغالب أنه رأى نهايته وسرجون من يرثه. عيّن بعدها سرجون ساقيه، وفي إحدى الليالي رأى سرجون رؤيا أن أور-زبابا يغرق في الدم، فصحا ساقطا على الأرض يصيح، سأله أور-زبابا عن حلمه فأخبره سرجون بما رآه. قرر حينئذ أور-زبابا التخلص منه فدبّر قتله في بيت المصير إي-سيكيل، لكن حاميته إنانا أنقذته. ثم أرسله إلى لوغال زاغي سي برسالة تنص على قتل حاملها، لكنه لم يُقتل ونهاية النص غير مفهومة على نحو دقيق.
26- بناء معبد نينغرسو: هذه القصيدة أطول نص سومري عن بناء معبد، وتروي الرؤيا التي رآه جوديا، حاكم لجش، إذ أراه نينغرسو معبده إي-نينّو في سناء مجيد لكنه لم يفهم المراد، فخبّ في رؤاه إلى الإلهة نانشي لتفسّر له المراد. وفسرت له الرؤيا وما فيها من بناء معبد لنينغرسو في لجش.
27- وفاة أور-نامّا (مؤسس سلالة أور الثالثة): تروي هذه القصيدة وفاة هذا الحاكم السومري وهي على أربعة أقسام: القسم الأول تقص وفاة أور-نامّا والحزن الذي عمّ البلاد والعباد بسبب وفاته. والقسم الثاني نزول أور-نامّا إلى العالم السفلي وأخذه هدايا إلى سادته مثل نرغال وإريشكيغال وغلغامش ودموزي ونينجيسزيدا، ثم صار حاكما في العالم السفلي يحكم بين الأموات ويقرر مصائرهم. والقسم الثالث في ندب أور-نامّا لمصابه وكيف أنه بعد خدمته الآلهة صار إلى ما صار إليه، وكأن في كلامه تذمر وشكوى ورفض لما جرى له، ثم في حزن إنانا على عبدها أور-نامّا ورفضها موته وسخطها على آن وتقريره مصير أور-نامّا. والقسم الرابع من القصيدة هو في ترضية نينجيسزيدا بالعظمة التي سيحظى بها اسمه، أور-نامّا من بعده.
28- بيت السمك: تروي هذه القصيدة مناجاة صياد السمك بعد أن بسط شبكته لصيد السمك وهو ينادي السمك للدخول إلى “بيته” هذا البيت المحضر لسكن السمك وكل عائلته وأقاربه، ويعدد الصياد كل أنواع السمك الذي يريد اصطياده، ولا يترك نوعا يعرفه حتى يدعوه للدخول، في نداء طريف ظريف.
29- أغنية المعزق: هذه القصيدة في تبجيل المعزق والثناء عليه وصفاته الحميدة واستخدامته الكثيرة، وهو من أناشيد الثناء الشبيهة بالثناء على الملوك والآلهة.
30- ترنيمة لنونغال: هذه القصيدة في وصف العالم السفلي وأركانه وطبيعة سجنه وأحوال المساجين، وفي الجزء الثاني بصوت نونغال، ابنة آن وحليلة ابن إنليل، وهي تمجد نفسها وتتحدث عن بيتها في العالم السفلي.
*
في أي الكتب تُقرأ هذه النصوص؟ إنَّ الكتب عن الأدب الرافدينيّ كثيرة باللغة الإنجليزية ومعدودة باللغة العربيّة، لذا فإنَّ على القارئ الذي يريد الوقوف على كلِّ ما ذُكرَ أعلاه أو أراد التوسِّع في قراءة غيره فعليه بالقراءة باللغة الإنجليزيّة أيضًا، فالمادة المتوفرة باللغة الإنجليزية هي الأساس والمرجع قبل غيرها نظرًا لكثرة الباحثين والمتخصصين الكاتبين بالإنجليزية ووفرة المراجع والمصادر التي لا يُستغنى عنها.
1- كتاب أدب سومر القديمة
The literature of ancient Sumer – Jeremy Black, Cunningham, Eleanor Robson, and Gabor Zolyomi.
هذا الكتاب من الكتب الشاملة المنوَّعة في اختيار نصوصها وتقسيمها في فصول مع تقديم وافٍ للكتاب والفصول والنصوص. الكتاب موزَّع في عشرة فصول: الأبطال والملوك، إنانا ودموزي، إنليل وننليل، إله القمر نانا-سين، الآلهة المحاربون، الحب والجنس، أمر الطبيعة، الترانيم، النساخون والتعليم، النص العَشَريّ والخط المسماري.
2- ملاحم ملوك سومر – Epics of sumerian kings – Herman Vanstiphout
هذا الكتاب مخصوص للقصائد المحلميّة المعروفة بـ”مسألة آراتّا”، التي تروي الصراع بين مدينتي آراتّا وأوروك، وقصيدتي لوغال باندا.
3- ديوان الأساطير (أربعة أجزاء) – ترجمة قاسم الشوَّاف
هذا الكتاب المنشور في أربعة أجزاء، بقرابة 1250 صفحة، هو أهم الكتب العربية عن الأدب الرافدينيّ، ويضم نحو مئة نصٍ كامل، مع شروحٍ وهوامش وتقديم مستفيض وملاحق بحثيّة، وقد أتى على أغلب أنواع مواضيع النصوص وترجمها كاملة. وإن كان فيه ما يعيب فهو عدم ترجمته الكاملة لبعض النصوص المختارة.
4- ملحمة غلغامش – ترجمة طه باقر
هذه الترجمة من أهم التراجم لملحمة غلغامش بالعربية عن الأكدية، لكنها ليست الوحيدة إذ يوجد ما يزيد عن عشر ترجمات كاملة عن لغات مختلفة.
5- هبوط إنانا إلى العالم السفلي – ترجمة مؤمن الوزان
ترجمتُ هذه القصيدة عن الإنجليزية ونشرتها، وتولَّى الصديق غلغامش نبيل التقديم لها وشرحها والتعليق عليها في الهوامش.
6- أدب الحكمة البابلي Babylonian wisdom literature – W.G. Lambert
يدرس هذا الكتاب أدب الحكمة والأفكار والأمثال والوصايا في بابل، وقدَّم ترجمةَ النصوص البابليّة في أدب الحكمة موزَّعة في تسعة فصول.
7- أساطير ملكي أكد (سرجون ونرام-سين) Legends of Kings of Akkade – Joan Goodnick Westenholz
هذا الكتاب مخصوص لدراسة وعرض النصوص الأسطوريّة المتعلِّقة بالملكين الأكديين سرجون العظيم، مؤسس الإمبراطوريّة الأكدية، وحفيده نرَّام-سين.
8- نصوص من الأدب الرافدينيّ
في أثناء قراءتي في الأدب الرافديني فقد تعرفت إلى نصوص أدبية لم أجدها في الكتب أعلاه لذا فقد بحثتُ عنها، وجمعتها في ملف واحدٍ: موت غلغامش، وأسطورة كوثا، ومرثاة نفَّر، ومرثاة أريدو، مساجلة المعزق والمحراث، وصايا فلاح لابنه.
9- ملحمة إيرا: صدر هذا الكتاب عن دار الرافدين، وهو ترجمة لملحمة إيرا مع دراسة عنها، لكني لم أحصل عليه بعد ولم أقرأه وهو غير متوفر إلكترونيًا.
10- The Electronic Text Corpus of Sumerin Literature
يقدم هذا الموقع كلَّ النصوص الرافدينيّة مقروءة بعد البحث عن النص المنشود بالاسم. ويمكن دخول الموقع من هنا
كما يمكن تحميل كلِّ الكتب المذكورة، والمقالات المكتوبة عن الأدب الرافديني، وما سيُنشر لاحقًا بالاشتراك في قناتي على التليغرام: التراث الأدبي الإنساني، وقراءة ما أنشره في القسم المخصوص عن أدب وادي الرافدين في مدوِّنتي من هنا