وحيد
ما كنتُ منذ طفولتي
مثلما كان البقيّة
وما أبصرتْ عيناي
كما أبصرَ البقيّة
*
ما التمستُ مسراتي
من ربيع الزمان
وما اغترفتُ أحزاني
من منابع أسيّة
*
ذا قلبي
ما وسعني إبهاجه بذا النغم
وكل ما أحببتهُ؛
أحببتهُ وحدي
*
في الفجر العاصف
لأيام طفولتي
استنزفني الخيرُ والشرُّ
بأغوارٍ لا تنتهي
*
وما زال الغموضُ
كما عهدته يُضلني
من ذا التيّارِ أو ذا النبعِ
أو جرفِ الجبلِ المُحمرِّ
*
أو الشمسِ الطائفة من حولي
في فَلَكِ خريفٍ بمسحةِ ذهبِ
أو من البرق الخطّاف
العابرِ سماي في هربِ
*
من ذا الرعدِ أو ذا العصفِ
أو ذا الغيم المنبثق
-والدنيا زرقاءُ من حولي-
بهيئة شيطانٍ في بصري.
حُلْمٌ بداخل حُلْمٍ
هاكَ قبلةً على الجبين.
في ساعة انفصالي عنكَ،
هلّا اعترفتُ لكَ-
بأنك ما كنتَ على خطأ،
يا من أبصرَ أيامي حُلْمًا.
هَبْ الأملَ تلاشى
في عَتَمةٍ أو ضوء،
في رؤيا أو عدم،
أهذا أدنى ما أفل؟
وكلُّ ما أبصرناه وبَصُرناه
ليسَ إلا حُلْمٌ بداخل حُلْم.
*
أقومُ وسط اصطخاب موجٍ
على شاطئ يصطفق،
أقبضُ براحتي-
حبّاتِ الرمل الذهبي؛
فما أقلَّها وأسرعَ الانسلال!
من أناملي إلى الأغوار.
وأنا أنوحُ ذارفا دمعي، وأنوح!
ربّاه ألا وهبتني قبضةً أشدُّ عليها؟
ربّاه عليَّ أستنقذُ حبةً من قاسيّ الأمواج؟
أكلُّ ما أبصرناه وبَصُرناه
ليسَ إلا حُلْمٌ بداخل حُلْم؟
أنابيل لي
في غابر العصر والزمان
في مملكة تجاورُ البحرَ
عاشتْ عذراءُ أحسبك تعرفها
عذراءُ اسمها أنابيل لي
ما خبُرتْ في الحياة شيئا
سوى حبي لها وحبها لي.
*
صغيران كُنّا في مملكةٍ
تجاورُ البحرَ وتُشرف عليه
وفي الحبِّ هوينا؛ حبٌّ-
أسمى من الحبِّ وأعمق
عشقتُ أنابيل لي وعشقتني-
عشقًا حسدنا عليه سارافيم السماء.
*
في هذا علّةُ مصابي القديم،
في مملكةٍ جاورت البحر
هبَّت ريحٌ صَردةٌ مع السُحبِ
وارتحلتْ محبوبتي أنابيل لي،
الخَوْدُ كريمةُ المَحتِدِ مع الأهلِ
أخذوها بعيدا عن يدي،
وحبوسها في رمسٍ
في المملكة المجاورة للبحر.
*
أيا ملائكةً غضبى في السماء
حسدتني أنا ومحبوبتي
أجل! هذي علّةُ مصابي
(وما هو بخفي على آل مملكة البحرِ)
هبَّت ريحٌ صَردةٌ مع السُحب
في الليل واختطفتْ أنابيل لي.
*
لكن حبُّنا لا نظير له
أقوى مِن حبِّ مَن جاوزنا بسنِّه
وفاقنا في العمرِ بحكمته.
ليس يسعك يا ملاك السماء
ولا أنتِ يا أبالسة البحار
أن تمزعي روحي من روحِ-
الحسناء أنابيل لي
*
فما طلعَ قمرٌ بضياء
إلا وذكرى أنابيل لي تداعبُ الجفنيْنِ
وما طرقَ نجمٍ في سماء
إلا وبصُرتُ من حُسنِ أنابيل لي
عينيها البرَّاقتيْنِ
وأرقدُ في هزيع الليلِ أجاورُ محبوبتي،
وحبيبتي، وحياتي، وعروسي، في الرمسِ،
في قبرها المطلِّ على صاخبِ البحر.