رودين – إيفان تورغنيف
“أيها المعلم إننا جميعا لا نملك إلا أن نسعى إليك لندرس في مدرستك”.
الروائية الفرنسية جورج ساند- في رسالة لتورغنيف.
ولد الروائي الروسي سنة ١٨١٨، وتميز عصره المضطرب بالحركات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في زمن نيقولا الأول. وكان تأثير هذا العصر كبيرا في تورغنيف الذي كتب في الشعر والمسرح والرواية، ومن أهم أعماله الحب الأول، ورودين، وآباء وأبناء، والتربة العذراء. وواحد من أعلام الأدب الروسي في القرن التاسع عشر الذين تركوا الأثر الكبير في الأدب الروسي خاصة والأدب الإنساني العالمي عامة.
رواية رودين، من الرواية الاجتماعية التي تدور أحداثها في إحدى القرى الروسية بصورة أكبر من باقي الأماكن رغم تنوعها. وهي رواية من الأدب الواقعي، ذات طابع اجتماعي وسيكولوجي وتصويري وفلسفي، الرواية ذات نسق شبه ثابت حتى الأحداث التي تزعزع هذا الانتظام الخطي لأحداث الرواية تبقى ضمن الإطار العام الذي استطاع تورغنيف السيطرة عليه، بحيث تبقى الرواية كالبحر الواسع الذي يتوقع القارئ أن تهيج أمواجه في كل لحظة، لكنه يبقى ساكنا وحين يهيج فهو هيجان لحظي ومحصور بحدث وشخصيات محددة. امتاز أسلوب تورغنيف بوصف الشخصيات شكلا وصفاتٍ وآراءٍ، ولكل شخصية مميزاتها الخاصة التي تجعلها في تصادم مع الآخر أو لها نظرتها الخاصة للأمور الحياتية والاجتماعية والدنيوية.
رودين البطل الحاذق الألمعي ذو اللسان الفصيح والمنطق الرشيد، الذي يُؤثّر في كل من يحاوره ويحدثه ويترك في نفسه أثره وتكون لكلماته وقعها الخاص في ذهن السامع وفكره فيقع في حبه، عمل تورغنيف على بناء وإظهار شخصيته بصورة الذكي الفاهم، ويرفعه حتى يجعله يسقط أمام ناتاليا الفتاة الشابة -ويقال عن تورغنيف أنه أستاذ في تصوير النساء وشخصية ناتاليا أول إلهام شعري لحقيقة تسترعي النظر في تاريخ روسيا الحديث- ذات العقل الراجح رغم صُغر سنها والتي تقع في حب رودين ويبادلها الحب، لكنه يفشل في تحويل حبه إلى دافع ومحفّز لمواجهة الحياة والظروف المانعة، وهنا سقطة رودين التي أوقعه بها تورغنيف أمام ناتاليا.
وللرواية الجانب السيكولوجي، الذي يسعى تورغنيف من خلال الحوار أو المونولوج الداخلي أن يُفسّر أسباب الأفعال، أو الأقوال، وله لمسته الأدبية والنفسية التي يلج بالقارئ إلى أعماق النفس البشرية لشخصياته، بأسلوب أقل ما يُوصف بالسلاسة والوضوح والدقة. لم تكن الرواية عميقة ولم تكن سطحية، ولم تأتِ بالشيء الكثير، لكنها واقعية ومُصوّرة لمرحلة زمنية مرّت بها روسيا، لذلك كان أسلوبها سهلًا رصينا، حاول تورغنيف فيها طرح الكثير من المسائل والأفكار والأحداث التي تدور في المجتمع الروسي وقتئذ. على الرغم من وجود شخصيات رئيسة كرودين وناتاليا وأخرى أقل درجة كلزنيف وبيجاسوف، وأخرى ثانوية كـلاسونسكايا وليبينا فقد تمكن تورغنيف من جعل لكل شخصية دورها الذي يجعلها تبرز وقتًا وتخبو في آخر، وحين يكون الحدث يدور حول الشخصيات الرئيسية فإنه لا يلغي دور الشخصيات الثانوية، لتكون المحصلة أن العمل شمولي تحضر جميع الشخصيات في الحدث وتكون الأولوية لأصحاب المنطق واللسان الفصيح، الذين ملأوا الرواية بأقوالهم وحكمهم، التي تُظهر فكر تورغنيف الحاذق والفهم الواسع للحياة وخبرته فيها.