الخالدية – محمد البساطي
يمتاز هذا النص الروائي التجريبيّ للبساطي بكونه متداخلا ما بين عالم الحقيقة والخيال فلا فرق بينهما، الواقع المُعاش غصبًا والخيال الذي يُنتجه هذا الواقع وما له من سمات الديكتاتورية العسكرية والتدهور الاجتماعي الذي يخلِّف أثره في الفرد. لذا فانهيار المجتمع المقموع هو تدمير للفرد لكنه تدمير-ذاتي، يجد المرء نفسه مخنوقًا من أشابحه وكوابيسه التي لم يكن لها أن تُوجد دون الواقع الذي انبثقت منه، لكنه انبثاق لا يقف عند ماهيته الأثيريّة الفراغيّة، لأنه سرعان ما يتجسَّد متغِّذيًا على انحدار الفرد، فكلما تفاقم الانهيار زادَتْ ماديّة الوهم، وهكذا تثبَّتت معادلة الواقع والخيال عناصرها، مزيحةً الواقعَ جانبًا وتاركةً الخيال أو الوهم يتسيَّد المشهد.
لهذا النص الروائي أربع ركائز تميّزه:
١- يعتمد الكاتب على أسلوب أسلوب سرد مباشر، ويغلب عليه الزمن المضارع مما يمنح النصَّ سمة آنيّة وقوع الحدث.
٢- يتنوع السرد ما بين سارد عليم يسرد مجريات وقائع الشخصية الرئيسة، وسرد الشخصية الرئيسة الذي مثَّلت أفعالها صراع الواقع والخيال وهو سردُ مخاطبةٍ لشخصيته الخيالية أو مخاطبةِ نفسِه أو حتى القارئ، والسرد الأخير هو سرد تيار وعي للشخصية الداخلية في الخالدية “مدينة الوهم”.
٣- تتداخل مدينة الوهم بمدينة الواقع عبر عالم الخالدية وشخصياته. تبني الشخصية الرئيسة موكيت “نمذجة معمارية” لحي الخالدية، ثم يبدأ بإسكانها بشخصياته التي لا تُوجد إلا في ذهنه وكوابيسه وتسري الحياة فيها سارقةً حياته.
٤- كوابيس شخصية الرئيسة التي تقتحم عالمَها وتهاجمها، فتصارعُ الشخصية الوهمَ باستمرار التماهي معه ليقضي عليه في الأخير بالتغذِّي على واقعها وعزلها عنه، فيتحول الوهم إلى حقيقة وتذوي الحقيقة في أتون الوهم.
إنها رمزية الخوف المقتاتة على الواقع والقاتلة لذات الإنسان.