أسماء الأدباء وشخصياتهم وتأثيرها في اللغة 2-2
كتبت في المقالة الأولى عن موضوع تأثير الأدب في اللغة، وموضوع دخول الأسماء سواء أسماء الأدباء أو شخصياتهم في اللغة لتكون صفات أو ألفاظ كناية، تغني فيها الكلمة عن طويل الشرح والإسهاب في التشخيص والوصف، أكمل في هذه المقالة الكتابة عن الجانب اللغوي وكيفية اشتقاق هذه الصفات والألفاظ من الأسماء، وآخذًا بعدها أمثلة ستة عن ذات الموضوع ليكون في مجموعها عشرة، تفتح الباب أمام القارئ للتوسع في الموضوع والوقوف عليه بصورة مغنية كما أرجو.
عند أخذ صفة كيخوتيّ Quixotic التي أصلها الاسم دون كيخوته Don Quixote، فإن لهذه الصفة تندرج في اللغة الإنجليزية تحت ما يُعرف بـ”Eponymous” ونظيره في العربية “المُسمّى”.
فما الـEponymous؟ له عدة تعريفات منها:
– شخصية في مسرحية أو كتاب التي يكون اسمها عنوان المسرحية أو الكتاب.
– هي كلمة تشير إلى شخص أو شيء أو كيونية ما.
– هي صفة الاسم eponym، الذي قد يكون شخصا أو مكانا أو شيئا ما، إذ تشير هذه الصفة إلى هذا الاسم أو معناه أو دلالته فحين نقول العصر الإليزابيثي فنحن نشير إلى فترة حكم الملكة إليزابيث، وحين نقول: فلان بريطاني فإننا نشير إلى أنه من بريطانيا، الدولة المعروفة. لذا فإن المعلومات تتداعى في الذاكرة عن كل ما له علاقة بلفظة بريطاني وتربطه بصفات معينة لا يشترك بها سواه مثل أنه يتحدث اللغة الإنجليزية ويعيش في قارة أوروبا وهلمَّ جرا.
وهذه الصفة “Eponymous” غير محددة بمجال ما فقد تكون أدبية أو اجتماعية أو سياسية أو علمية، إلخ. ويكتب حرفها الأول حرفا كبيرا في اللغة الإنجليزية لأنها محسوبة على Proper adjective “الصفات الأصلية” وهي الصفات المشتقة من Proper nouns “الأسماء الأصلية”.
لذا فحين نكتب Quixotic فنكتب حرف “Q” كبيرا إينما يرد وفقا لإملاء اللغة الإنجليزية في الكتابة.
هذا فيما يخص الـ”Eponymous” في اللغة الإنجليزية لكن هل يوجد له نظير موضوعي له في اللغة العربية؟
نعم، وهذا النظير متمثل في موضوع النسب. يقول الدكتور محمد فاضل السامرائي في كتابه الصرف العربي ص. 203:
“النسب: هو إلحاق آخر الاسم ياء مشددة مكسور ما قبلها للدلالة على نسبة شيء إلى آخر. والذي تلحقه ياء النسبة يسمى “منسوبا” نحو دمشقيّ ويمانيّ وهاشميّ.
فالمنسوب: هو ما لحق آخره ياء مشددة مكسور ما قبلها للدلالة على نسبته إلى المجرد منها”.
الشاهد في موضوعنا قوله:
“وفي النسبة معنى الصفة، لأنك إذا قلت (هذا رجل دمشقيّ) فقد وصفته بهذه النسبة”.
لذا فحين تترجم صفات “Eponymous” إلى العربية يجب أن تُصاغ وفقا لقواعد الصرف العربي في النسب.
والآن مع أمثلة عن هذه الصفات:
أورويليّ Orwellian:
تُطلق صفة أورويلي على الحكم الشمولي في البلاد، حيث الدولة أو الحكومة تراقب وتتجسس على كل شيء يقوم به المواطنون ومحاولة معرفته. توجد حالات كثيرة في القرن العشرين عن مثل هذه النوع من الحكم لا سيما في البلدان ذات الطابع الاستخباراتي أو الشيوعي مثل الاتحاد السوفيتي، نرى اليوم مثالا حيا في دولة كوريا الشمالية. صفة أورويلي مشتقة من اسم الروائي الإنجليزي جورج أورويل (1903 -1950) صاحب الرواية الشهيرة 1984، التي عبّرت عن حال المواطن في هذا النظام الشمولي الدكتاتوري، والحكم الأوتوقراطي سواء في شخصية الحاكم أو الحزب الواحد. كان تأثير الرواية في الواقع أكبر من تأثير عالم الديستوبيا الذي خلقته في شخصيته الرئيسة وينستون والحزب الحاكم المتمثل في الأخ الأكبر فعلى الرغم من شيوع كثير روايات تناولت العالم الشمولي والحكم القمعي، فإن رواية أورويل هي الوحيدة التي كان تأثيرها في اللغة متمثلا بصفة الأورويلي نظرا لقيمة الرواية الأدبية وأسبقيتها وما لكاتبها من باع في مجال الأدب السياسي وعمله الصحفي سيما أثناء الحرب الأهلية الإسبانية. تطور هذا الحكم الشمولي وخرج من نطاق الاستخبارات الحكومية ودخل في نطاقات شبكة الاتصالات والتواصل التي يستخدمها المواطنون كالهواتف ومواقع التواصل أو أن تستخدم التكنولوجيا الحديثة في مراقبة مواطنيها كما في النظام الصيني ومشروع الSocial Credit System، وكثير من الأنظمة تقوم بهذه العمليات التجسسية في هذا العالم خلاف ما تبديه من حريات، ويصف يوفال نوح هراري في كتابه الدروس الواحدة والعشرون في القرن الحادي والعشرين هذا العالم بـ Big Data Watching You على غرار الأخ الأكبر يراقبك التي أعلن عنها أورويل في روايته.
رابليهيّ Rabelaisian
تطلق هذه الصفة على النكت القوية الصارخة أو الكاريكاتير المتطرف أو الواقعية الجريئة والداعرة أو البذاءة. واشتقت هذه الصفة من اسم الكاتب الفرنسي فرانسوا رابليه (1493/4-1553) وتشير إليه وإلى كتابيه بانتغرويل وغارغانتو، وازدحمت حكاياته في هذين الكتابين “بالفُحش وغالبا بالفكاهة الخرائية (دعابات مرتبط بالبراز Scatological Humour): بعض الفصول مملوءة بقوائم من الشتائم المبتذلة؛ بعض الشخصيات أُعطيت أسماء فظّة؛ وعناوين الفصول نفسها إشارة لحس رابليه الفكاهي”. ما يذكر في كتاب أدباء (حيواتهم وأعمالهم).
الساديّ والساديّة Sadist and Sadism.
إن السادي صفة تطلق على الشخص الذي يمارس العنف والتعذيب الجسدي من أجل الوصول اللذة أو لأجل المتعة فقط، وهذه الممارسات التي تعرف بـ”السادية” مشتقة من اسم النبيل الفرنسي والثوري السياسي والفيلسوف والأديب المركيز دو ساد (1740 – 1814) الذي عرف بكتابته الجنسية الداعرة والمنتمي لمدرسة الدعارة الأدبية. ويكتب محمد عبد الرحمن في تقديمه لرواية جوستين لدو ساد “السادية انحراف جنسيّ تستقى فيه اللذة الحسية من الألم المبتلى، أما المركيز دو ساد فأول من وجد في العنف مادة أدبية”. عبّر دو ساد عن انحرافاته السلوكية والجنسية في أعماله مثل: رواية جوستين ومئة وعشرون يوما في سدوم.
شيكسبيريّ Shakespearean
تطلق هذه الصفة “شيكسبيريّ”، المشتقة من اسم الكاتب المسرحي الغني عن التعريف وليم شيكسبير (1564-1616)، على العمل المسرحي المتقن والرصين الذي يبلغ من الجودة تقربه من أعماله المسرحي شكسبير أو “الشخصيات الدرامية أو النثر المميز أو الأقوال ذات الحكمة والبصيرة النافذة” كما يكتب سكيتي هيندريكز، وتطلق أيضا على كل ما له علاقة بشخصيات شكسبير المسرحية وأعماله.
كافكاويّ Kafkaesque
إن حياة وشخصية ومعاناة الأديب التشيكي فرانز كافكا (1883- 1924) بكل تقلباتها وصعوبتها التي انعكست في أعماله التي ذاع صيتها وتُرجمت إلى أغلب لغات العالم الحية وأسست ما يعرف بالسوداوية الأدبية وحياة الوظيفة السيئة في ظل النُظم البيروقراطية الصارمة والساحقة للموظف. يكتب ميلان كونديرا عن ما سمّاه بـ”عالم الكافكاويّة”: “هناك نزاعات في التاريخ الحديث تنتج الكافكاوية في البعد الاجتماعي الكبير: التركيز المتدرج للسلطة التي تنزع نحو الاستئلاه: تحول النشاط الاجتماعي إلى بيروقراطية؛ مما يجعل المؤسسات كلها بلا حدود ومن ثم محو شخصية الفرد الذي ينتج عن هذا التحول”. ويكتب عن عالم الكافكاويّة الأسري: “استخلص كافكا من الأسرة والعلاقة بين الطفل وسلطة الأبوين المقدسة، معرفته بتقنية الشعور بالذنب التي صارت إحدى أكبر ثيمات رواياته. كما في قصة الحكم، إذ يتهم الأب ابنه ويأمره أن يغرق نفسه، ويقبل الابن ذنبه الخيالي ويذهب ليلقي بنفسه في النهر طواعية شأن من خلفه فيما بعد، جوزيف ك. الذي سيذهب بعد أن أدانته منظمة غامضة لذبح نفسه. يُفصح الشبه بين الاتهامين والتجريمين، وتنفيذ الحكمين، عن الاستمرارية التي تربط في مبدع كافكا بين “الشمولية” العائلية الحميمية و”شمولية” رؤاه الاجتماعية الكبرى”.
لذا فصفة كافكاويّ تعني السوداوية والكآبة واليأس والعالم القاسي المظلم غير المعتد بالقيم والأخلاقيات.
مكيافيليّ Machiavellian
تشير هذه الصفة إلى الفيلسوف ومؤسس مدرسة التنظير والتحليل السياسي الواقعي الإيطالي نيكولو مكيافيلي (1469 – 1527). إن أهم ما قام به مكيافيلي هو كتابته لكتاب “الأمير” الذي يعد من أهم الكتب السياسية والتي فصّلت ودرست نظرياته في القرن العشرين، وكُتب ليكون كتاب توجيهات وتعليمات للحكام وكيفية الحكم، ورغم نشره بعد موته فقد نال هذا الكتاب وصاحبه من الشهرة الكبيرة التي جعلت من اسمه دلالة على النفعية السياسية والوصولية على أكتاف الآخرين، ومن اسمه اشتقت صفة المكيافيلي واليافيلية.
المراجع:
– الصرف العربي للدكتور محمد فاضل السامرائي.
– ثلاثية ميلان كونديرا عن الرواية.
– رواية جوستين – ماركيز دو ساد. ترجمة محمد عبد الرحمن.
– مقالة ثمانية أدباء أصبحت أسماؤهم صفات. لسكيتي هيندريكز. موقع Big Think.
– Writers/ Their lives and works.
– 21 Lessons for the 21th century – Yuval Noah Harari.