مقالات أدبية

بين ثلاثمئة وثلاثة آلاف

تشغلني أحيانا أسئلة طارئة في العربية وفلسفة قواعدها، فبعد البحث في الفرق بين وا عجبا وواعجبا، عنّ لي صباح اليوم سؤال عن تذكير العدد وتأنيثه مع الألف، فهل أقول ثلاثة آلاف امرأة أو ثلاث آلاف امرأة ولماذا؟ وكان لا بد من البحث والاستنباط، فبعض الأسئلة يبدو عليه السهولة لكن كل الصعوبة فيه، ولا بد من الخروج بفوائد. رجعت إلى موضوع العدد والمعدود وقواعده لأعرف الجواب أو أستنبطه. 

بداية فإن الأعداد من ثلاثة إلى عشرة تخالف المعدود في التذكير والتأنيث، فنقول ثلاثة رجال وثلاث نساء، ومن أحد عشر إلى تسعة عشر فالمخالفة في الجزء الأول من العدد والموافقة في الجزء الثاني منه، فنقول ثلاثة عشر رجلا وثلاث عشرة امرأة، وفي ألفاظ العقود من عشرين إلى تسعين، فالحال واحدة في التذكير والتأنيث فنقول ثلاثون رجلا وثلاثون امرأة. لكن عند لفظي مئة وألف تبدأ الحكاية. كلا مئة وألف لفظ محايد، فنقول مئة رجل ومئة امرأة وألف رجل وألف امرأة. لكن ماذا نفعل عندما نريد كتابة العدد من ٣٠٠ إلى ٩٠٠ رجل أو امرأة ومن ٣٠٠٠ إلى ٩٠٠٠ رجل أو امرأة. كتابة أعداد المئات بالوصل بين العدد + مئة، فنقول ثلاثمئة (ثلاثمائة على الرسم القديم للتفريق بين مئة وفئة ومنه) وأربعمئة إلى تسعمئة، لكن مع أعداد الآلاف لا يمكن ذلك فكتابتها بالفصل بين العدد وآلاف، ونكتب دائما ثلاثة آلاف وأربعة آلاف إلى تسعة آلاف. يبرز سؤال هنا لمَ ثلاثمئة وليس ثلاثة مئة وثلاثة آلاف وليس ثلاث آلاف؟ قد يقول قائل لأن مئة لفظ مؤنث وألف لفظ مذكر وعليه فقاعدة المخالفة في التذكير والتأنيث هي المعمول بها، فنقول ثلاثمئة وثلاثة آلاف، ثم يستشهد على صحة قوله بالقرآن الكريم فيورد قوله تعالى “ولبثوا في كهفهم ثلاث مئة سنين” ويقول “أن يمدكم بثلاثة آلاف من الملائكة مُنزّلين”. فأقول في هذا جواب لب ما شغلني من السؤال، إذ نتفق أن العدد جزء واحد سواء كان واحدا أو ألفا، فالعدد عشرة هو عدد واحد، والمئة والألف ومضاعفاتهما هو عدد واحد، والقاعدة تقول بمخالفة العدد في التذكير والثأنيث للمعدود بين ثلاثة وعشرة ومخالفة جزء منه وموافقة الآخر بين ثلاثة عشر وتسعة عشر، فما الفرق في أعداد المئات والآلاف؟ ثم إن سنين وملائكة في الآيتين لفظان مؤنثان، والقاعدة تقول التذكير والتأنيث يكون على اللفظ لا معناه، فنقول ثلاث حمامات ذكور وثلاث برتقالات، مع أن المقصود بالثلاث الأولى المذكر والثلاث الثانية المؤنث. غير أن في الآيتين جوابَ أن التذكير والتأنيث في أعداد المئات والآلاف يخالف ويوافق لفظي المئة والألف لا جنس المعدود بهما، فحين نريد كتابة العدد ٣٠٠ نكتبه ثلاثمئة، وحين نريد كتابة العدد ٣٠٠٠ نكتبه ثلاثة آلاف، ثم نضيف إليه المعدود مذكرا أو مؤنثا، والمعدود هنا تابع لا يغير كونه مذكرا أو مؤنثا في كتابة الجزء الأول من العدد، لأن مئة وألف قامتا مقام المعدود في مخالفة العدد وموافقته، ثم المعدود الأصلي المضاف إليه، ولنسمه المعدود المعنوي، هو لتمييز ما يراد بالعدد من مئات أو آلاف فكان أن لزم إعرابه حالة المجرور بالإضافة دائما.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى