التراث الأدبيالتراث العالمي

مسامرات الموتى 

لوقيانوس السميساطيّ 

كاتب وأديب وسفسطائي من السميساط، منطقة على الفرات الأعلى، وهي اليوم ضمن حدود دولة تركيا، عاش في القرن الثاني للميلاد ولا يُعرف الكثير عن حياته ومن المرجَّح أنه وُلد في عام 125م وتُوفي في 192 أو قبلها بقليل كما يُورد إلياس غالي في مقدمته لترجمة مسامرات الأموات، تنقَّل بين البلاد القريبة منه ورحل إلى أثينا حيث عمل بالسفسطة وتأثر بالفلاسفة الكلبيين لا سيما مينيب وديوجين اللذان كان لهما الأثر الجلي فيه، وهما أكثر شخصيتين تردان في كتابه مسامرات الموتى واستفتاء ميت وبالأخص مينيب، لكنه لم يتفلسف ولا كتب بالفلسفة قط. تشي كتاباته باطلاع واسع وكبير على شعر الأقدمين والفلسفة والتاريخ وأعلامها. للوقيانوس مؤلفات عدَّة من بينها مسامرات أو محاورات الأموات، وتاريخ حقيقي، ومحاورات الآلهة، عن الإلهة السوريّة، ومزاد الفلاسفة، وعاشق الكذب، ولوكيوس أو الحمار، وغيرها. 

ينتهج لوقيانوس في كثير من كتاباته النهج الهازئ والتهكميّ والمحاكاة الساخرة (البارودية)، كما أنَّ كتاباته نقد اجتماعي وفكري لعصره ولسابقيه متبعًا خطى الكلبيين في الجرأة والصراحة والوضوح دون تزلُّف أو تردد أو مبالاة بأحد ويبدو هذا جليًا في مسامرات الموتى وفي تاريخ صحيح. 

مسامرات الموتى 

يتكون كتاب مسامرات الموتى من ستٍ وعشرين مسامرة تجري على ألسن الموتى في عالم الأموات، هاديس، حول مواضيع شتى ما بين فلسفية وحياتية وتاريخية لكنها ذات طابع نقدي قاسٍ من انتقاد حياة الملذات والأسى عليها بعد الموت، والتفكك الأسري الأخلاقي وانتشار الفساد، والطمع والجشع، والثراء الفاحش والمجد الزائف، والفلاسفة فيصف أرسطو على لسان الإسكندر بالمتلق المدّاح لأجل الثروة وهو دجَّال غرَّار، وأن لا شيء يدوم سوى الحكمة والمعرفة وينتقلان مع الميت إلى عالم الأموات حيث المساواة بين الرفيع والوضيع والغني والفقير والشجاع والجبان والملك والساقي فلا قوة بعد الموت ولا جمال ولا أي شيء يتميز به أحد على آخر. 

ثمة الكثير من الشخصيات التي تظهر في المسامرات ما بين حقيقية وخيالية ووهمية مثل الإسكندر المقدوني وهنيبعل وهرمس وبولتون وشارون (خارون) ومينيب، وديوجين، لا سيما الأخيرين اللذين ظهرا عديدا وبالأخص مينيب، الشاعر والفيلسوف وهو من الجيل الثالث من المدرسة الكلبية.  

تبرز أهمية هذا العمل أنه خُصص كاملًا عن العالم الآخر ونقل تفاصيل الأموات وما يجري بينهم من حوارات أو خصومات، وهو بهذا يكون سابقًا لأعمال أخرى لاحقة كانت عن العالم الآخر مثل رسالة الغفران والكوميديا الإلهية. لم يكن لوقيانوس أول من تطرق إلى العالم الآخر وأجوائه وسكَّانه فقد ذكرهم هوميروس في الأوديسة حين نزل أوديسيوس إلى هاديس لمقابلة العرَّاف لمعرفة طريق العودة إلى إيثاكا وكذا الحال مع آينياس في الإنيادة لفرجيل وذهابه إلى العالم السفلي لمقابلة أبيه ومعرفة الطريق إلى المدينة الموعودة بعد دمار طروادة على يد الإغريق. وأحسب أن لوقيانوس أول من كتب عملًا كاملًا عن العالم الآخر والأموات لكني غير متأكد من هذا، وتبقى قادم القراءات والاطلاعات في البتِّ في كشف ريادة هذا الكتاب في هذا الموضوع.  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى