روايات

معطف غوغول

كلنا خرجنا من معطف غوغولكاتب روسي.

نيكولاي غوغول كاتب روسي كان له أثره في الأدب الروسي في القرن التاسع عشر، وأحد أعمدة نهضتها، امتاز أدبه بالواقعية والسخرية، والكوميديا الغريبة، وتمثلت في أدب اللا معقول في القرن العشرين (الفانتازيا). قصة المعطف التي كُتبت سنة 1842، عن موظف مدني بسيط يُدعى أكاكي أكاكيفيتش، واحدة من أجمل القصص في عالم الأدب. ومع غرابتها فهي مملوءة بالمعاناة الإنسانية، فهذا الموظف المدني البسيط، الذي يتقاضى أربعمئة روبل في السنة لقاء عمله ناسخا ينسخ الأوراق، يبدو كل شيء في حياته بسيطًا كحال الكثيرين، لديه معطف، دار عليه الزمن دورته، فتهرأت بعض مواضعه، فلم يجد الخياط بديلًا لها إلا أن يقترح على أكاكي شراء معطف جديد، وبعد شد وجذب قرر أكاكي أن يشتري القماش والبطانة لمعطفه الجديد ويخيطه له بترفيتش، لتنقلب حياته بعدها.

المعطف والحياة

كان لحضور المعطف الجديد في حياة أكاكي، ذاك الرونق الخاص، الذي أضفى ألوانا زاهية لحياة هذا الموظف العادي، الذي ينام مبكرًا ولا يسهر ولا يخرج للتنزه ليلًا، حتى قلب نفسيته وبدأ ينظر للحياة نظرة أكثر جمالا، مع معطفٍ جديد، يعطيه هيبة واحتراما، سببا للفخر، حين يخرج إلى الشارع. بث غوغول الروح في جسد العلاقة ما بين الإنسان وملابسه، ملسطًا الضوء على هذه النظرة والاهتمام بالملابس الذي قد يصل أحيانا لدرجة الهوس والمرض لدى الكثير، فيسخر ويتعاطف بذات الوقت مع أكاكي هذا الخمسيني، حين يكون المعطف أكثر من مجرد معطف، بل هو سبب يدفعه لأن يمشي مزهوًا بين الناس، وهذا النقد الواضح للنظرة السائدة التي جعلت قيمة الإنسان في ثيابه.

المعطف ونظرة المجتمع

بعد أن كان معطفه القديم والذي سُمي سخريةً (الروب دو شامبر)، مدعاة لجعل أكاكي عرضة للضحك والتقليل من شأنه من قبلِ زملائه الموظفين، أصبح المعطف الجديد، نقطة انطلاق لعلاقة جديدة بين أكاكي وزملائه، الذي يرغبون في إقامة حفل وشرب نخب المعطف! إن المقام الذي يناله أكاكي بسبب معطفه الجديد، هي سخرية أُخرى يلقاها، وإن كانت على هيئة المدح وشاكلته، فزملاؤه لم يحتفوا به فقط لأنه اشترى معطفًا جديدًا، المسألة لا تتعدى كونها احتفاءً بالخداع الذي يلف العلاقات التي هي شكلية أكثر مما هي آصرة إنسانية تربط الأفراد.

انطفاء شمعة معطف أكاكي

بعد انتهاء الحفل، يخرج أكاكي للتنزه ليلا في شوارع مدينة سان بطرسبورغ، ليلتقي رجلين، يسرقان منه معطفه، ليجد نفسه وسط الثلج، بلا معطف، بلا أملٍ جديد في الحياة، العودة إلى الوراء إلى (الروب دو شامبر)، إلى السخرية، إلى اللا شيء الذي لفّ حياته ذات الوتيرة القديمة البليدة، وحظه العاثر، مع النفايات الطائرة، ليذهب ويقدم شكوى من أجل أن تسترد الشرطة معطفه المسروق، لكن لا جدوى، يُسخر منه، تُصيبه الحمى، يهذي بكلام عن معطفه، يموت بعدها بلا معطف

قيمتك بمعطفك

بعد موت أكاكي، توجه كلمات غوغول النقد اللاذع لمجتمعه الذي عاش في وسطه، والذي تحامل عليه كثيرًا، لم يذكر أحد أكاكي بعد موته، حين علموا بموته جاؤوا بموظف بديل، أقل مهارة من أكاكي، لكن لا يهم، المرء بمعطفه؛ لو كان معطفه أكبر عمرًا لكان ربما أثره أكبر في حياة هؤلاء.

المعطف الشبح

بدا أن غوغول، يُريد أن ينتقم لبطله ومعطفه، فتنتشر الشائعات أن شبحًا يسرق المعاطف من أصحابها، تلاحق الشرطة هذا الشبح دون أن تصل لنتيجة. تستمر السرقة، أهو شبح حقًا؟ أم خدعة استغلها لصوص حذّاق، كان أكاكي أول ضحاياهم! هذا ما لم يطرحه غوغول وترك للقارئ الحرية في إدراك مغزاه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى