كتاب الرواية في الأدب الروسي – د. سامي الدروبي
بداية في مقدمة هذا الكتاب، تقول إحسان زوجة سامي الدروبي إنها وجدت ثلاثة دفاتر بين كتبه بعد رحيله، وهذه الدفاتر الثلاثة هي هذا الكتاب، وتعترف أنها لا تدري هل هذا الكتاب من ترجمة الدروبي أو كتابته، لكن بكل الأحوال نُسب الكتاب للدروبي.
الوقفة الأولى مع العنوان الذي لا يتناسب مع المحتوى، فحين قرأت العنوان أول مرة، شدني فهو سيكون عن الرواية في الأدب الروسي كما توقعت، ولكن بعد قراءته وجدت أن الكتاب ليس خاصا بالرواية الروسية بل بالأدب الروسي واستعراض الأدب الروسي منذ بدايات الكتابة والتدوين التي كانت انطلاقتها مع الكتابة الدينية المتواضعة والقليلة جدا في القرن الحادي عشر ميلادي، إذًا، فالكتاب عن الأدب الروسي وليس الرواية الروسية. الوقفة الأخرى مع أسلوب الكتابة والسرد، وهذا ما لا أستطيع الجزم به، فنحن بحاجة إلى دراسة ما كتبه الدروبي في كتابات أخرى وعمل مقارنة بين الأسلوبين لنرى مدى التشابه، خاصة وأن الكتاب يتناول الأدب الروسي بصورة موجزة، واستعراض تقريري دون أي رؤية نقدية تخص الرواية أو المسرحية أو الشعر، وهو ما أرجح أن يكون الكاتب هو الدروبي، إذ لمستُ في العرض أسلوب القارئ لا أسلوب الناقد أو المتخصص، فليس هناك غوص أو قراءة عميقة حتى في الروايات أو المسرحيات، وسير الأدباء الروس، فهو يعطينا معلومات أو شذرات نقدية وفكرية ليس أكثر. الكتاب في عمومه واستعراضه السريع للأدب الروسي جميل ويعطي انطباع أولي لأي قارئ بجمالية الأدب الروسي وأعلامه سواء على مستوى الشعر أو الرواية أو المسرحية.
الفصول الأولى الثلاثة والحديث عن بدايات الأدب الروسي حتى القرن الثامن عشر، إذ لم يشهد الأدب الروسي تطورا ملحوظا في القرون الوسطى، حيث بقيت الكتابة والأدب والتدوين خاصة بالكتابات الدينية والأناجيل والحكم الأخلاقية، شهد بعض التطور نتيجة لتأثير الإمبراطورية البلغارية في القرن الحادي عشر ميلادي، وشهد بعدها انتكاسا نظرا للاحتلال التتري لقرنين من الزمن، وبقي الوضع بعدها لا يحوي أي تغيير إلا على مستوى الكتابات الدينية والإنقسامات بين الأرثوذكسية والكاثوليكية، والقصائد الدينية والتعليمية. وفي القرن السابع عشر شهدت روسيا إقامة أول مسرح بأمر من القيصر أليكسيس بمناسبة ميلاد ابنه بطرس، ولم تشهد روسيا أي تأثر بعصر النهضة الأوروبية لأسباب منها الاحتلال والبعد مسافات عن أوربا الغرب، وتأخر المسرح والشعر في موسكو عن أوروبا مدة قرنين من الزمن. وكان من الأدب الذي وصل لها كان أدب الفروسية، وتأثروا بما نقله الألمان إلى روسيا. كان القرن الثامن عشر في روسيا، والذي شهد حكم أباطرة هم بطرس الأكبر وإليزابيث وكاثرين الأولى، نقلة كبيرة في الأدب الروسي والحياة الروسية التي تمثلت بظهور المطابع والمسارح ووضع قواعد للشعر وكتابة أول كتاب في النحو، والتأثر بالآداب الأوروبية والفلسفة كذلك، وكذلك كتابة أول رواية هي “رسائل أرنست ودورافرا” التي كتبها أمين سنة ١٧٦٦ ورواية “باميلا الروسية” التي كتبها سنة لفوف ١٧٨٩.
وتناول الفصل الرابع الرومانطيقية الروسية في القرن التاسع عشر، وهو القرن الذي شهد ظهور الحركة الرومانطيقية في الشعر الروسي مع جوكوفسكي ومن بعده شعراء كان أهم بوشكين وليرمنتوف، يتناول هذا الفصل حياة أشهر الأدباء الروسي الرومانطيقين، وتشهد كثير من أعمالهم التأثر بجمال الطبيعة وتصوريها وكذلك رفض الحياة الارستقراطية وعاداتها، الشعر كان هو الأكثر وضوحا وتأثرا بالرومانطيقية ولم تشهد الأعمال النثرية لبوشكين وليرمنتوف ذاك التأثر الكبير بالرومانطيقية لكنهم تركوا أعمالا روائية مميزة، كرواية ابنة الضابط لبوشكين ورواية ليرمنتوف الوحيدة “بطل من هذا الزمان”. كانت حياة هذين الشاعرين قصيرة إذ مات بوشكين بسن السابعة والثلاثين وليرمنتوف بسن السابعة والعشرين بعد أن طُعنا في مبارزة، والتي كانت طقسا شائعا في روسيا وقتها لأسباب شرفية أو تحدٍ أو اختلافية وما شابه.
في الفصل الخامس استعراض موجز للتيارات الفكرية والفلسفية والنقدية الأدبية في روسيا، وعن تأثر المفكرين الروس بالفلسفة الألمانية كفلسفة هيجل، وتناول حياة بعض المفكرين والنقاد كبيلنسكي وهوزن، وكان واضحا الدور القمعي الذي مارسته الإمبراطورية الروسية تجاه كل من يشكون به أنه يمثل تهديدا على روسيا. وكان للتيارات الفكرية والنقدية والفلسفية التي ظهرت في روسيا تأثيرها في الرواية التي انطلقت بصورة جدية مع نيكولاي غوغول في القرن التاسع عشر.
الفصل السادس كان للرواية في القرن التاسع عشر، وهو العصر الذهبي للرواية الروسية التي شهدت انطلاقتها الحقيقية من نيكولاي غوغول، رغم كتابة بوشكين وليرمنتوف للرواية قبله، وشهدت الرواية الروسية ظهور كتّاب كبار في تاريخ الأدب العالمي وكان لهم تأثيرهم ووزنهم وحضورهم، كـ جونتشاريف وتورغينيف ودوستيوفيكسي وتولستوي وتيشخوف وغوركي، تناول الفصل حياتهم وبعض أعمالهم.
المسرح الروسي والذي خُصص له الفصل السابع، لم يشهد التطور والتأثير في الآداب العالمية؛ خاصة وأنه تأخر بالظهور في روسيا عن أوروبا لمدة مئتي عام، وشهد بعض المسرحين كـألكسي تولستوي وأستروفيكسي الذي كتب قرابة ٥٠ عملا مسرحيا، وكتب بعض الروائيين المسرحيات كغوغول ومسرحيته المفتش، وتناولت مسرحياتهم الأخلاقيات والعادات والفلاحيين، وغلب عليها طابع البؤس والسخرية والهزلية والتهكم، وكتب تشيخوف مسرحيات عديدة وكتب الفودفيل، وهي المسرحيات ذات الفصل الواحد، ولجوركي أيضا تجربة مسرحية وأشهر مسرحياته الأراضي الواطئة أو “الحضيض”.
ويعود الكاتب للحديث عن الشعر الروسي بعد الرومانطيقية وتمثل بفرعين رئيسين هما شعر النضال ومن أبرز شعراء النضال نيكولاي نيكرازوف ونارسون وفت، وتميز الشعر النضالي الروسي بتصوير آلام الناس وآلام المدن وآلام العمال الذين يعيشون في المدن، وكان بعضهم يكتب بوجدانية خالصة ونظرة إلى الطبيعة والتفكر بها. وأما الفرع الآخر وهو الشعر الرمزي، حيث ظهر في بداية القرن العشرين وشهد الشعر معه التجديد، ومن أبرز شعراء الرمزية كان كاربلوك الذي كان يميل للعزلة والوحدة، والشعر في هذه الحثية المليئة بالفوضى والاضطراب تنوعت مواضيعه ما بين اليأس والثورة والحياة.
يختتم الكتاب وحديث عن الأدب الروسي بعد الثورة، وهو الزمن الحرج والمليء بالتغيير سواء على مستوى السياسي أو الاجتماعي أو الفكري أو الشعري أو الروائي، حيث تنوعت المواضيع الشعرية والروائية خاصة الشعر الذي صور الحرب والثورة والمجتمع فعالية أكثر من الرواية ومن أبرز شعراء فترة ما بعد الثورة كان فلاديمير ماياكوفسكي، الرواية شهدت دخول مواضيع جديدة كالرواية التاريخية والخيالية والهجائية والنفسية والشيوعية، ومن أبرز الروائيين شولوخوف وبلنياك.