سيرة هيالمدر وأولفر Saga of Hjalmther and Olvir
لم يرد لفظ العرب أو بلادهم في الحكايات الآيسلندية الخرافية، واستعيض عن ذلك باسم بلاد السيرك أو السارازين وذكرت سوريا، وكُتب اسم سلطان، لكنه كان ذكرا عابرا أو حتى هامشي لا يدخل في بنية الحكاية وأحداثها في المرات النادرة التي ورد فيها. غير أن الأمر على النقيض في سيرة هيالمدر وأولفر إذ يرد ذكر اسم بلاد عربيا Arabia وأميرها هورد إحدى الشخصيات الرئيسة في الحكاية. وهي الحكاية الوحيدة التي وقعت عليها حتى الساعة تذكر لفظ العرب صراحة وتشركهم في أحداثها وشخصياتها، وإن كان تصويرهم ينتمي إلى العالم الخرافي الآيسلندي وجزءا من السياق الثقافي والإبداعي الإسكندنافي بلا أي سمات تاريخية حقيقية أو حتى معالم مائزة. يلعب هورد، الأمير العربي المسحور، دور البطولة في الحكاية لا سيما في شطرها الثاني الذي تسيده بالكامل.
تبدأ السيرة بحكاية هيالمدر ابن الملك إنغي، وأمه ابنة ملك سوريا مارغاروس. فيحضر العنصر العربي منذ فاتحة الحكاية، وإنْ كان لفظ سوريا إشارة إلى بلاد متخيّلة وليس البلاد المعروفة. لكن عرف الآيسلنديون سوريا وكذلك فلسطين ونهر الأردن، وذكرها سنوري ستورلوسن في كتاب “دائرة العالم” لاشتراك بعض الإسكندنافيين في الحروب الصليبية في المشرق. نشأ هيالمدر برفقة أولفر ابن الإيرل هيرود في مملكة أبيه، وترعرعا معا حتى بلغا الفتوّة وبذّا سائر الشباب في كل ميادين الرجولة والفروسيّة والإقدام. تموت أم هيالمدر السوريّة، ويحزن عليها زوجها أيما حزن، لكن سرعان ما تظهر شخصية أخرى لها علاقة ببلاد العرب وتلعب دورا في أحداث السيرة. تأتي الأميرة لودا إلى مملكة إنغي وتُعلمه أنّ أباها قتله ملك بلاد السيرك واسمه نودوس الذي كان عظيما شجاعا وله جيش جرّار، وحين رغب في اغتصابها على نفسها فرّت منه ولجأت إلى إنغي، فأدخلها قصره وتزوّجها. ينطلق هيالمدر وأولفر في الغزو والمغامرة حتى بلغا مملكة يحكمها ملك له ابنة اسمها ديانا، يأتي لخطبتها ابن الملك نودوس لأبيه، لكن الملك يرفض تزويجها وتنشب بين الحزبين معركة تنتهي بمقتل ابن نودوس وفشل مهمته. يرجع هيالمدر إلى بلاده حيث أبصرت لودا، زوجة أبيه، حُسنه وشبابه وهويته فسعت في إغوائه وإمالته إليها لكنه نهرها عن ذلك ولكم وجهها، فأغضبها ذلك ولعنته بأنه لن يرتاح في حياته حتى يلتقي هيرفور ابنة الملك هوندنغ. يتشابه فعل إغواء المرأة لابن زوجها في الحكاية بما حدث في حكاية بودفار في سيرة الملك هرولف وأبطاله، إذ أنكر بودفار على زوجة أبيه طلبها فلعنته بأن يتحول في النهار إلى دب كهف. قد يكون مصدر هذه الفعلة الإغوائية أجنبيًّا أو أن الإغواء مرتبط بشخصيات القصة وعلاقتها ببلاد السيرك، لا سيما أنّ إغواء زوجة الأب يتكرر في الحكايات المشرقية كما في ألف ليلة وليلة. إذ زوجة الأب مدفوعة بغلمتها وشهوتها إلى أقرب رجل إليها، لكن يقابلها ابن زوجها بالرفض والنَهر فتسعى بعدها لمعاقبته سواء بتحريض زوجها على قتله باتهامه أنه أغواها، أو كما في حكايتنا تلعنه وتسحره لما لها من معرفة بالسحر وتضلّع من الشعوذة.
يخرج هيالمدر من مملكة أبيه ليفك عنه اللعنة ويأخذ عبدا اسمه هورد ليصبحه ورفاقه في رحلتهم. يتسيّد هورد النصف الثاني من السيرة وتغلّب على الصعاب التي واجهوها في رحلتهم، وهزم الأعداء والوحوش الذين اعترضوا طريقهم، فقتل الأخوات العملاقات التسع، وبعد وصولهم إلى مملكة هوندنغ استطاع هورد أن ينجح في كلّ المهمات التي طلبها الملك من هيالمدر ابتداء من جلب قرني الثور الوحشي العملاق، ثم صارع عبد الملك الضخم الأزرق، ثم هزم هاستياغي القوي، مستشار الملك، في لعبة شدّ الحبل. خرجوا بعدها من مملكة هوندنغ وصحبتهم ابنته هيرفور بعد أن فكّت لعنة هيالمدر. في البحر هجمت عليهم دابة البحر، وكانت من فعائل هوندنغ السحرية، غير أن هورد ينقذهم مرّة أخرى بأن تحوّل إلى حوت، في الغالب لأنه اختبأ في كوثل السفينة خوفا من الموت وطلب أن يغطوه، وهذا ما لا يتوافق وشخصيته الجبّارة لكنه -كما في تحوّل بودفار إلى دب- قد امتلك المقدرة على التحوّل إلى حيوان، لا سيما أنّه مات بعد هذه المواجهة. لم يكن موته نهايته بل نهاية اللعنة التي لُعنها هو الآخر إذ تبيّن أنه ابن ملك واسمه الحقيقي هرنغ، وشرع في الإفصاح عن حكايته وما ساقه إلى ذلك المصير. تزوّج أبوه لودا، نفسها التي تزوّجها الملك إنغي، لكنه كان مسنًّا وهي فتيّة مغتلمة فقتلته ورغبت في ابنه الذي رفض الجنوح إليها فلعنته وأختيه معه. وقع على هورد ما وقع على هيالمدر من المرأة نفسها والسبب شهوتها التي لم تستطع السيطرة عليها ولم تجد في زوجها الشيخ ما يطفئ نيرانها اللاهبة. تنتصر فضيلة الرجل على شهوة المرأة في آخر المطاف، وهذا ما يكون غالبا في الحكايات الخرافيّة، والخرافية فقط.