رحلة ينغفار إلى أقصى الشرق Saga of Yngvar the Far-travelled
استمدت سيرة ينغفار الخرافية حكايتها من واحدة من أشهر رحلات فايكنغ السويد في تاريخهم، وجرت أحداثها في الحقيقة والسيرة في القرن الحادي عشر. أخذ ينغفار السويدي أسطولا من السفن وقادها إلى الشرق حتى بلغ جورجيا وما وراءها، لا سيما بلاد المسلمين، وشارك في معركة ساسيرتي Sasireti في سنة 1042 ما بين الجورجيين والبيزنطيين، وهزم فيها الجورجيون هزيمة نكراء وأسر فيها ينغفار. خلّدت هذه الرحلة في ستا وعشرين نقشا حجريا عرفت بنقوش ينغفار الرونيّة Yngvar Runestones عثر عليها في أكثر من موقع في السويد، تذكر معلومات موجزة عن الرحلة، وأسماء بعض من ارتحل مع ينغفار، لكن ما يفوق أهمية لنا، ذكر موته في بلاد سيرك (سيركلاند)، وهو الاسم الذي أطلق على بلاد المسلمين (السارازين) في كتابات الآيسلنديين.
تختلف السيرة عن الحقيقة في روايتها حياة ينغفار الذي شرع في رحلة بحرية مع رفاقه يبحث فيها عن منبع نهر وسيط من ثلاثة أنهر تشق روسيا. يمر في رحلته على بلاد كثيرة ويصل بلاد الملكة سيلكيسيف فلا يمكث إلا قليلا رغم المغريات، إذ أحبته الملكة ورغبت في زواجه فيرفض ذلك لسببين أولهما غايته في معرفة نبع النهر الوسيط ولأنه نصراني والملكة وثنية فأبدى تمنعا وصرامة في مواجهة المغريات الأنثوية ومنع صحبه أيضا، ولا تغيب دلالة غواية المرأة هنا ويزيد عليها كفرها ووثنيتها في بغضها والنفور منها حتى لو امتلكت الجمال والمنصب. غادر ينغفار يرافقه رجاله حتى وصل إلى مملكة الملك يولف وأخيه بيولف، وكانا في صراع على الملك وعرف من يولف منبع النهر الوسيط، وهو في موضع يحيط به من أحد طرفيه البحر الأحمر، وهذه إشارة أخرى عن العالم العربي لكن البحر الأحمر هنا كذلك اسم فقط لا يعني البحر الأحمر بموقعه الجغرافي المعروف. يشارك بعدها في معركة الأخوين في صف الملك يولف غير أنه ينقلب عليه بعد انتصاره، لكن لا يوفق في حربه ينغفار. يكمل رحلته بعدها في البحر حتى يصل إلى جزيرة، وفيها يعلم من شيطانة أنه وكثير من رجاله سيموتون بمرض. يرجع ينغفار إلى بلاده وفي الطريق يمرض ويموت حين يبلغ مملكة سيلكيسيف حيث يدفن بطلب منها.
ما يُطرح هنا من سؤال هل يمكن التوفيق بين ما ذكرته النقوش الرونيّة عن موته في بلاد سيرك ووفاته في مملكة الملكة سيلكيسيف، لا سيما أنها مملكة وثنية، ووصفت الكتابات الآيسلندية كل من لم يعتنق النصرانية بالوثني؟ وهل يمكن لاسم الملكة أن يوحي بشيء؟ يبدو لي أن علاقة قائمة بين بلاد المسلمين (سيركلاند) ومملكة سيلكيسيف، لأن كلاهما بحسب الآيسلنديين وثنيّ، ولعل اسم الملكة مرتبط باسم بلاد سيرك. تختلف تفسيرات معاني هذا الاسم لكن من بينها أن سيرك ربما مأخوذ من Sericum اللاتينية وتعني حرير، إشارة إلى درب الحرير وارتباطها بالشرق الإسلامي، فإذا كان كذلك فقد يكون الشطر الأول من اسمها سيلكي Silke مشتق من Sericum، لا سيما أن اللغة الأنجلوسكسونية، وهي لغة جرمانية، اشتقت من اللفظة اللاتينية لفظة Sioloc بمعنى حرير، والشطر الثاني من اسمها سيف Sif لإضافة الصفة الإسكندنافية عليه لا سيما أنه اسم زوجة ثور في الأساطير.
ينتهي الجزء الأول من السيرة بوفاة ينغفار، لكنه كان قد أنجب ابنا أسماه سفين حين يبلغ مبلغ الرجال يشرع في الرحلة أيضا. يمر سفين مثل أبيه من قبل بصعاب ويلتقي السيكلوب، المخلوق اليوناني الأسطوري ذا العين الواحدة، وينتهي به المطاف في مملكة سيلكيسيف التي رأت في عينيه أباه ينغفار، ثم آمنت ومملكتها بالنصرانية وتلقت التعميد ومباركة الأسقف المرافق لسفين. نجح سفين، فيما فشل فيه أبوه، وآمنت له الملكة التي تزوجها وشاركها الملك في بلادها. تبرز من هذه الحادثة، وكذلك في رحلة إريك النرويجي، نقطتان في الحكايات الآيسلندية هما توظيف العنصر الديني النصراني في حبكة النص، والأخرى التبشير بالنصرانية في بلاد الوثنيين، فصار للحكاية وظيفة دينية تلتقي فيها الحكاية ومقاصدها ما وراء الحكائية. تظهر العدائية في حكاية ينغفار وابنه سفين جلية وشديدة لا سيما في البغض الجلي والاستحقار الصريح لكل ما هو وثني. ثم تحصد الحكاية انتصارها المعنوي على الوثنية باعتناق الوثنيين للنصرانية، وأقامت سيلكيسيف في مملكتها كنيسة فوق قبر ينغفار، الذي كان أول من جاءهم بالإيمان، سميت كنيسة ينغفار.