التراث الآيسلنديالتراث الأدبي

سيرة الملك هرولف وأبطاله Saga of King Hrolf and his Champions

سيرة الملك هرولف واحدة من السير الأسطوريّة ذات البُنية المميزة في الأدب الآيسلندي، إذ تتألف من خمس حكايات تشكل بائتلافها نصا واحدا متعدد الأحداث والمواضيع والشخصيات، فتلعب كلّ مجموعة دورها في بناء النص ثم تلتحم بالأخرى حتى النهاية. يرجع تاريخ مخطوطة سيرة الملك هرولف إلى أواخر القرن الرابع عشر، وتجري وقائعها في السويد والدنمرك والنرويج وإنجلترا وسكسونيا مغطّية مساحة واسعة وبلادا كثيرة لتكون قصة إسكندنافيّة مترامية الأطراف تمزج ما بين التاريخيّ والأسطوريّ، والواقعيّ والمتخيّل. فالسيرة وإنْ تكررت فيها حبكة المعارك والغزو والأبطال، كما في حكايات آيسلنديّة كثيرة، فقد تفرّدت باستعمال عناصر موضوعيّة وفنيّة شكّلت زخما يشدُّ بنُيتها وأجزاء موضوعها. تتكون السيرة من خمس حكايات هي حكاية فرودي، حكاية هيلغي، حكاية سفيبداغ، حكاية بودفار، حكاية هيالتي، ولكل حكاية غرضها الذي يرتبط بالحكاية السابقة واللاحقة ارتباطا مباشرًا أو غير مباشر. تبدأ السيرة بحكاية الملك فرودي، وهو ملك دنمركي شبه أسطوريّ يُذكر في نصوص كثيرة منها نشيد غروتي، ويذكره ستورلوسن في كتابه دائرة العالم مع ملوك الدنمرك. غير أنّه في هذه الحكاية يظهر ملكًا نزّاعا للشر يتآمر على أخيه هافدان ويقتله ويسعى لقتل ابنيه هيلغي وهروار ليتفرّد بملكِ الدنمرك، لكنه لم يوفق في قتلهما حتى عادا وانتقما منه واستردّا ملكَ أبيهما والدنمرك. تقدّم لنا هذه الحكاية شخصية الملك هيلغي الذي سيكون محرّك وقائع السيرة، لا سيما وأنّ حكايته مأساويّة في بُعديها الشخصيّ والإنسانيّ. يرغب هيلغي في الزواج، ويسمع بملكة سكسونيا أولوف، هي محاربة جسورة وامرأة متغطرسة فظّة ترفض خاطبيها وتسيء إليهم، فأراد زواجها وانطلقَ بجيشه إلى سكسونيا دون أن يبعث برسله إلى الملكة أولوف. فاجأ هيلغي أولوف على حين غرة وطلب أن تستضيفه فأسقطت في يدها ولم تجد بدًا من استضافته، وأبدت له حسن ضيافة ورعاية وميلا إليه حتى أمن جانبها وظنّ فيها موافقة على زواجه. في الليل وفي أثناء نومه حلقت أولوف شعره ودهنته بالقار وربطته ووضعته في حقيبة نوم وأرسلته إلى سفنه، ثم أخبرت رجاله بأن الملك ذهب إلى السفن وأمرهم بلحاقه. آثر هيلغي بعدها الانتقام من أولوف فخدعها بحيلة وأمسك بها وواقعها غصبا عدة ليالي. حبلت أولوف بعدئذ وأنجبت ابنة أسمتها على اسم كلبها يورسا، وحين بلغت يورسا الثانية عشرة أرسلتها لتترعرع عند فلاح ولم تخبرها بأصلها، إنما هي ابنة فلاح. جاء هيلغي ذات يوم يتسقط الأخبار فالتقى يورسا وأعجبه حسنها ووقعت في قلبه فأخذها معه وتزوّجها وأحبها حبًا جما، وأنجب منها هرولف. حين علمت أولوف بسعادة هيلغي ويورسا وحبّهما الشديد أساءها ذلك، وارتحلت للقائهما وأخبرتهما بالنبأ الشنيع وبجريرتها النكراء حين لم تخبر ابنتها بحقيقة أبيها، ولم تمنع زواجهما انتقاما لنفسها من هيلغي. طلبت بعدها أن يفترقا وهذا ما كان إذ رجعت يورسا مع أمها إلى سكسونيا. علّم نزول الخبر المفجع والفراق بداية النهاية، إذ فارق هيلغي يورسا على كره ومضض، ولم يحزنه أمرٌ كفراقها وما بدا عليه أيّ ندمٍ أخلاقيّ من زواج ابنته، على النقيض تماما فلم يطق صبرا على فراق يورسا وأبدى حزنه وتعاسته إذا ما تزوّجتْ غيره. ويورسا في جهة مقابلة، وإن لم يكشف النص عن طبيعة مشاعرها لهذا الفراق، أضمرت حبًا لهيلغي بعد فراقه وموته بل سعت لتنتقم من قَتَلته. افترق هيلغي ويورسا كرها مع أنهما مدركان حتمية الفراق وضرورته، ولا يسعهما البقاء معًا بعد أن عرفا حقيقة النسب بينهما. لا يقتحم النص وسارده أي حقول أخلاقية ولا يناقش مسألة زواج الأب بابنته، بل يتركها منوطة بفاعليها وقد غلّبا العاطفة والحب على العقل والأخلاق، وبقي كلُّ واحدٍ يحنّ إلى صاحبه القديم، ويرغب فيه متجاوزا أي عوائق اجتماعيّة أو أخلاقيّة ترفض هذا الارتباط. خطب يورسا ملكُ السويد أديلز ثم تزوّجها وعاد بها إلى السويد، وحين علم هيلغي بزواجها ازداد غما على غم، وانعزل عن الناس في مسكنٍ وطرقت عليه الباب في مسكنه ذات ليلة امرأة فأحسن استقبالها، وتبيّن له أنّها امرأة من العفاريت Elf قد لعنتها زوجة أبيها، وفكّ عنها اللعنة باستقباله لها، نام معها في تلك الليلة وأنجب منها ابنة أسميت سكولد نشأت خبيثة النفس شريرة الطبع. لا يخفى هنا نوع العلاقة بين إنسيّ وامرأة من العفاريت، أي من جنس آخر، وأنجب هيلغي الإنسي ابنة بطباع عفريتيّة ومقدرة على السحر والشعوذة. غادر هيلغي مملكته وترك ابنه خلفه، وسافر في البحر علّه يجد نهاية أحزانه وشفاء آلامه، لكنّ ما كان الشفاء إلا مع يورسا فقصد السويد لخطفها. التقى هيلغي والملك أديلز ويورسا، وعلمَ أديلز بحبّ هيلغي لزوجته، فطلبَ من محاربيه الأشاوس الاثني عشر أن يكمنوا لهيلغي في معسكره ويقتلوه. جرت بين هيلغي ومحاربي أديلز معركة انتهت بمقتله ورجوع رجاله إلى الدنمرك. أحزن يورسا مقتله هيلغي أيما حزن ووعدت بالانتقام من محاربي أديلز والثأر لمقتل هيلغي. ولازمها الحزن فما رؤيت سعيدة بعد مقتله قط، ووقتما استطاعت ألا تخدم الملك وتسقيه الشراب في البلاط لم تخدمه. تبيّن جليًّا أن يورسا محبّة مخلصة لأبيها/ زوجها الأول هيلغي، وأنّ معرفتها بحقيقته ليست كافية لكيلا تحبّه زوجًا لا أبًا. كان يمكن للحكاية أن تشرع الباب لمسألة أخلاقيّة أخرى لكنها لم تكتمل متمثلة في هروار، أخي هيلغي، الذي حكم مملكة في إنجلترا مع حميه الملك نوردي وتزوج ابنته أوغن. وقع خلاف بين هروار وابن أخته هروك، وتحاربا وهُزم هروار وقتل ثم قصد زوجة خاله يخطبها لكنها تبعث برسالة إلى هيلغي ليأتي ويثأر لأخيه ويكسّر يدي وقدمي هروك ويبعث به معوّقا إلى مملكته.

تنتقل السيرة إلى حكايات ثلاث عن الأبطال سفيبداغ وبودفار وهيالتي. حين شبّ سفيبداغ قصد الملك أديلز وأصبحَ من رجاله ومحاربيه الأشاوس وقاتل في سبيله معاركَ كثيرة، وقاتل في إحدى المعارك وجرح جروحا قاتلة واقتلعت عينه، وكان الملك أديلز قريبا من الميدان ولم ينخرط في القتال فأبصرَ سفيبداغ هوانه عند الملك أديلز فتركَ خدمته وخرجَ من مملكته. رجع إلى أبيه وطلبَ منه النصح إلى ملك يتوّجه فنصح بقصد ملك الدنمرك هرولف، وذهب معه أخواه. حظي سفيبداغ بمنزلة عظيمة عند هرولف وزوجه ابنته دريفا وصار من محاربيه المخلصين. أما حكاية بودفار فتبدأ بجدّه الملك هرنغ الذي حكم مملكة آبديلز Uppdales في النرويج، وتزوّج امرأة اسمها هفيت، وكان له ابن من زوجته المتوفاة اسمه بيورن أحبّ ابنة فلاح اسمها بيرا. ترجع المسألة الأخلاقيّة في السيرة إذ أحبّت هفيت بيورن وحين ذهب زوجها في إحدى غزواته راودت ابن زوجها عن نفسه لكنه أبى ذلك ونهرها، فلعنته بأن حوّلته دبَ كهف، يتحوّل في النهار إلى دب ويرجع في الليل إلى صورته الآدميّة. رفض بيورن أن ينجرّ وراء غريزته ولا يسقط في فخ الجسد الذي نصبته أمامه هفيت، والتي لطبيعتها الشريرة وتضلّعها من السحر لم تجد مانعا أخلاقيا في اشتهاء ابن زوجها، لكنها لم تنل منه ما تريد فانتقمت منه سريعا. حين عاد زوجها من الغزو أعلمته بالدب وحضّته على قتله فقتله. كان بيورن في علاقة مع بيرا التي شكّت في أمر الدب ولحقته وعرفت حقيقته ونامت معه في الكهف ليلا حين يرجع إلى صورته الآدميّة. غير أنّ بيورن في جزء منه دب، أي حيوان، ومواقعة بيرا لبيورن هي مواقعة للحيوان الذي صار نصفه أيضا، وسيتبيّن هذا في طبيعة أبنائهما الثلاثة بصفاتهم الحيوانيّة، لتستمر في السيرة مسألة الجسد وانتهاك المحظور على نحوٍ مباشر أو غير مباشرٍ. كان بيورن قد أحبلَ بيرا بثلاثة أبناء وأوصاها أن تسميهم فرودي، وثورير وبودفار. ولد فرودي نصفه الأعلى جسد إنسان وما دون سرّته جسد أيّل ولُقّب فرودي الأيّل، وولد ثورير له قدما كلب فلقّب ثورير قدم الكلب، أما بودفار فولدَ كاملا سليم الجسد غير أن حقيقته ستتكشف في آخر السيرة. بعد أن بلغ الإخوة انطلقَ فرودي إلى الغابة وصار سارقا مجرما، ثم ارتحل ثورير إلى بلاد القوط وشاركَ في منافسة على الملك وصار الملك. علمَ بودفار من أمه خبرَ أبيه فذهب إلى مملكة جده وقتل زوجته، وصار الملك بعد وفاته جدّه الملك هرنغ، لكنه تركه وارتحلَ إلى بلاط الملك هرولف. أنقذ بودفار في البلاط صبيًا اسمه هوت كان يساء معاملته، وصار رفيقه، ودخل في رجال الملك هرولف. كان يهجم على بلاط الملك في احتفال يول في الشتاء دبٌّ أشبه بغول، لا يجرحه سلاح فيقتل الرجال ويفتك بالماشية ولا يستطيع أحد على صدّه، فخرجَ له بودفار حين جاء وقتله، ثم عملَ حيلة بأن أوحى للناس أنّ من قتله هوت، وسقاه من دم البهيمة وأطعمه من قلبه فانقلبت حاله وصار شجاعا باسلا ومنحه الملك هرولف سيفه غولينهيالي، وتغيّر اسم هوت إلى هيالتي. دخل هيالتي وبودفار إثرها في كتيبة الأبطال المحاربين الاثني عشر في جيش الملك هرولف. تشبه قصة الوحش الذي قتله بودفار بقصة بيوولف حين قتل غريندل لا سيما وأن الرابط بين القصّتين هو هرولف الذي يظهر في قصيدة بيوولف بشخصية هروثولف، ابن أخي هروثغار، غير أن هروثغار هو المعادل لشخصية هرولف في السيرة، وكان ملك الدنمرك وعانى الأمرّين من هجوم غريندل على إيوانه في الليل وقتل رجاله حتى أنقذه بيوولف. 

تختم السيرة بحكاية هيالتي وفيها غزوتان، الأولى غزوة الملك هرولف لمملكة أديلز، زوج أمه، ويطلب فيها أدوات أبيه التي سُلبت منه بعد مقتله. يحض بودفار الملك هرولف على هذه الغزوة وأقنعه بها، فانطلقَ بكتيبة الأبطال ومئتين وعشرين جنديا. اعترض فلاح (تبيّن أنه أودين) اسمه فارمير هراني طريق الجيش مرّتين، وبحيلتين ماكرتين أقنع هرولف أن يعيد الجنود المئتين والعشرين ويكتفي بالأبطال الاثني عشر في رحلته. يكمل هرولف والاثنا عشر بطلا الدرب إلى بلاط أديلز وتجري بينهم معارك تنتهي بانتصار هرولف، انتصار ما كان له أن يتمَّ لولا معونة يورسا التي أصابت في آخر المطاف الثأر من أديلز والانتقام لمقتل زوجها هيلغي. أما الغزوة الثانية فهي غزوة الملك هيورفارد وزوجته سكولد أخت هرولف. كان مبدأ العداء حين خدع هرولف الملك هيورفاد وصيّره تابعا له حين جعله على غفلة منه يمسك له سيفه حين خلع حزام بنطاله، وذكّره التقليد بأن من يحمل سيف رجلٍ آخر حين يخلع حزام بنطاله يصير تابعه. رضي هيورفارد على مضض أن يصبح تابعه وصار يدفع الجزية له. حضّته سكولد على أن ينقطع عن الدفع ويرسل إلى الملك هرولف رسولا يطلب منه تأجيل الجزية ثلاث سنوات، ثم يدفعها له في دفعة واحدة فرضي هرولف بذلك. كانت سكولد ساحرة ومشعوذة في خدمتها سحرة وعفاريت من أهل أمها، ثم انطلقوا في جيش إلى مملكة هرولف لزيارته وهم ينون شرًّا بقتاله. جرت معركة حامية الوطيس بين الجيشين، وكان دبٌّ يقاتل في جيش هرولف لا يعرف أحد من أين جاء، لكن غاب بودفار عن المعركة لسبب غير معلوم. ذهب هيالتي يبحث عنه فوجده نائما في البلاط فأيقظه وطلبَ منه القتال بجانب الملك فعارٌ أن يقاتل الملك هرولف وحده، أساءت بودفار فعلة هيالتي دون تبيان السبب وخرج للقتال لكن الدب اختفى، وكان وجود الدب في المعركة يُبطل سحر سكولد وشعوذتها فلما اختفى استطاعت استعمال سحرها والعفاريت، وقلبت ظهر المجنّ لهرولف وأبطاله وصرعوا جميعا في الميدان. كان الدب هو بودفار النائم، لا يذكر النص ذلك لكنه مفهوم من سياق الحكاية وحَبكتها، إذ بودفار الوحيد الذي ولدَ سليما من صلب بيورن الدب على النقيض من أخويه فرودي الأيّل وثورير قدم الكلب. كان تحوّل بيورن إلى دبّ على غير إرادته في النهار وعودته إنسانا في الليل، لكنه أورث لابنه بودفار المقدرة على التحوّل إلى دبٍ بإرادته إذا ما نام أو أن بودفار استطاع التحكّم بتحوّله إلى دبٍ حين يريد شرطَ أن يبقى جسده نائما في معزلٍ عن الناس. ولهذا أساء بودفار أن أيقظه هيالتي وطلب منه القتال في المعركة، لأنه سلفا في المعركة يقاتل في صورة الدب. قُتل هيورفارد في المعركة أيضا، ثم صارت سكولد ملكة الدنمرك، وجاء لقتلها فرودي وثورير ثأرا لأخيهما. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى