التراث الآيسلندي

كتاب الآيسلنديين – آري ثورغلسن

Íslendingabók

كان اكتشاف جزيرة آيسلندا واستيطانها بعد سنة 874 فاتحة عصر جديد، وعلّم بداية حقبة كتبت فيها معارف المستوطنين الأوائل وأساطيرهم وحكاياتهم، ودفعتهم إلى الكتابة المعاصرة لما عايشوه وخبروه في وطنهم الجديد. بيد أن عصر الكتابة في آيسلندا لم يكن ليرى النور لولا اعتناق الآيسلنديين النصرانيّة، فساهم الدين الجديد في إدخال الكتابة إلى القبائل الجرمانية والإسكندنافية وتحويل الموروث الشفوي إلى كتابي أول مرة في تاريخها، وذلك لأن النصرانيّة -كما يقدم مترجم الكتاب سيان غرونلي- “دين المؤرخين” بفضل كتبها المقدّسة، لأنها في ذات الحين أعمال تاريخية، وزوّدت بإطار تاريخي مكّن من الإفصاح عن التاريخ الإنساني. وكان تبنّي الآيسلنديين الأبجدية اللاتينية حجرا آخر في تأسيس عصر الكتابة والإبداع بعد استخدامهم المحدود للأبجدية الإسكندنافيّة في النقش على الأحجار والخشب. وتمثّل الركن الركين الثالث في فرادة الأدب والفكر الآيسلنديّ في انعزال جزيرة آيسلندا عن باقي جيرانها في إسكندنافيا وأوروبا وإنجلترا فحافظت على لسانها من التغيّر، وتعاملت مع موروث أسلافها الوثني بحريّة أكبر واستقلاليّة بقيت إلى حد كبير في منأى عن تأثير الكنيسة وسلطتها المعرفيّة.

شرع الآيسلنديّون منذ القرن الحادي عشر في التدوين، ولا تدرك الأسباب الأولى التي دفعتهم إلى التأليف، لكن يتّضح في بعض الأخبار مثلا، كما يرد في كتاب الآيسلنديين، أنهم دوّنوا القانون الذي التزم به المستوطنون الأوائل، وأجروا عليه تعديلات وتحسينات. ظهرت الحاجة الماسة في تدوين القانون من أجل الحفاظ على السلم المجتمعي والحقوق في آيسلندا، وعمد بعضهم إلى كتابة نسب عوائلهم وأصل أسلافهم، فضلا عن الكتابة الدينية المتمثلة في النصرانيّة. انبثقت في هذه البيئة الدوافع الأولى للكتابة ما بين مجتمعية وعائلية ودينية، ومما نتج عن ذلك كتاب الآيسلنديين Íslendingabók للمؤرخ آري ثورغلسن (1068-1148) الذي لُقّب “أبو التاريخ الآيسلندي، وكان عمله هاديا في تاريخ الأمة ووضع الأساس لكامل الأدب الآيسلندي. وهو أول كتاب تاريخ باق عن الآيسلنديين وأول عمل مكتوب باللغة المحكية، وأول من استخدم لفظ “آيسلنديّون”، وأول من أرّخ لبداية المستوطنات والتنصّر، وأول كتاب تاريخ ذو هيكلة زمنية متصاعدة متسقة، ليكون واحدا من النماذج الأولى قبل اتّخاذ قواعد كتابة التاريخ المتعارف عليها في أوروبا”1. كتب آري كتابه ما بين سني 1122-1133، الوحيد المتفّق عليه في نسبته إليه وإن نسبت إليه كتب أخرى، وهو صغير الحجم في صفحات قلائل، فكان ذلك سبب لانتقاده ومديحه، فنظر لسبب صغر حجمه لقربه من الوقائع التي وثّقها ولعنايته الشديدة في اختيار مصادره.

يؤرخ الكتاب في فصوله الأولى اكتشاف آيسلندا في القرن التاسع وما تلاه من استيطانها وبناء أولى المستوطنات، ويؤرخ في فصوله الثانية وصول النصرانيّة إلى آيسلندا وبداية اعتناقها والخلاف بين الآيسلنديين الذين اعتنقوا الدين الجديد والآيسلنديين الوثنيين، إذ اتفق الفريقان أن يحتكم كل حزب إلى قوانينه. لكن تمكّن رجل القانون ثورغير من إقناع الفريقين بضرورة اتباع دين واحد وقانون واحد فالفرقة في القانون تؤدي إلى تمزّق السلم في البلاد، فدخل الوثنيون في الدين الجديد، وصارت آيسلندا نصرانيّة رسميا في المجلس التشريعي في سنة 1000م.

1- Book of Icelanders – Sian Gronlie.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى