التراث الأدبيالتراث العالمي

مرثية النبيلونغ The NibelungenKlage 

نظمت مرثية النبيلونغ لتكون حاشية على نشيد النبيلونغ وتعليقًا على أحداثه، في زمن قريب من شيوع النشيد. دوَّنت المرثية مع النشيد في كل مخطوطاته الكاملة، ومن الوارد أنَّ القصيدتين جزءٌ من مشروع أكبر كما يذهب بعض الدارسين، منهم مترجمها إلى الإنجليزية وليم ووبري، لكنها في حقيقة الأمر منفصلة عنها وليست جزءًا منها، ومن الوارد أن شاعرها غير شاعر النشيد. يرجع تاريخ المرثية إلى سنة 1200 تقريبا، وتبيّن أنَّ النشيد صار شائعًا وأثار الأسئلة بين متداوليه فيمن يقع عليه اللوم أو مسوَّغة أفعاله. تنقسم المرثية إلى ثلاثة أقسام رئيسة هي رثاء الأبطال، الذين سقطوا في معركة البلاط في نهاية النشيد حين اقتتل البرغنديّون والهونيّون، وإخراج جثامينهم ودفنهم. وإخبار زوجة رودغِر وابنته، غوتلند وديتلنده، بمقتله. وإخبار مملكة فورمز بهلاك ملوكها الثلاثة وأبطالها، وتلاه تنصيب سيغفريد ابن غونتر ملكًا بعد أبيه. وسعي الأسقف بلغرام، خال الملوك الثلاثة، في تدوين ما وقعَ لهم في بلاط إتزل.  

استحقَّ الأبطال بعد موتهم رثاءً بطوليًا، على غرار رثاء سيغفريد، فنحب عليهم وذكرت مآثرهم، وتناوبَ إتزل وديترش وهيلدبراند، الثلاثة الذين نجوا من محرقة البلاط، على رثاء أنفسهم وجندهم وخصومهم البرغنديين، ثم أرسلتِ الرسل إلى ذوي القتلى لإعلامهم بالنبأ الجلل. كان نزول الخبر على ذويهم كالصاعقة فماتت الملكة أوتي كمدًا على أبنائها بعد سبعة أيام، وماتت غوتلند حزنًا على زوجها بعد أن نعي إليها. صُوِّر إتزل تصويرًا لا يليق بملكٍ، كما قال الشاعر على لسان ديترش، فقد كان المصاب أكبر من احتماله، وأثقل مما يسعه صدره، فاضطربت نفسه وفقد رباطة جأشه وصوابه، حتى رسم له مصيرًا مجهولا فالشاعر لا يعرف إلى أي حالٍ انتهى إليه، وينقطع خبره. رثاء الأبطال تأبينٌ لأولئك الصناديد الأبطال ونهاية تليق بهم، فدافعُ الشاعر واضحٌ لا يجب أن ينتهي النشيد على ما انتهى عليه، وجثث الفرسان تملأ البلاط والقصر، أو ربما ذلك هو شعور عام راود كلَّ من تلقّى النشيد في عصره، وكانوا بحاجة إلى فصل الخطاب فيما جرى. 

لعل أبرز ما في المرثية هو سؤال كريمهيلد، هل كانت مذنبة في انتقامها من الجميع أو محقَّة؟ تمثّل فعلة كريمهيلد عقبة كأداء فاختلف الناس في أمرها فظنَّتها جماعة آثمة بما اقترفته وانتقامها من رجال لم يتآمروا على زوجها أو يقتلوه مثل أخيها الأصغر غيزلهير. لكن الشاعر يفنّد تلك الدعوى لأنها تصرفت بدافع من إخلاص لزوجها عندما ثأرت لمصابها الجلل، بل بيّن أنَّ أيّ ذي عقل صحيح يسعه الحكم سيقول ببراءتها، ويذهب بالقول إلى أنَّ مصيرها هو الجنان. وهو في ذات الوقت يلومها في بعض تصرُّفاتها مثل قتل غيزلهير، بيد أنَّه لوم مقرون بكونها أنثى، وهذا جزء من النظرة إلى المرأة في النشيد وفي قصورها الفطري عن الرجل، لأنها لو كانت رجلًا لما منعها أحد من الثأر، ولأن عقلها مهما بلغ من الرجاحة والحكمة سيكون أقل من عقل الرجل فيقول “لا ترى المرأة الصواب إلا إذا كان قُبالة ناظريها. أرادت أن تكون ذكيّة لكن أحمق رجلٍ يسعه غلبتها”. كريمهيلد بريئة في ثأرها لأنه فعل بدافع الإخلاص، والمخلص بريء من جريرة فعله إذا ما ظُلم وثأر لنفسه، وأخطاؤها لم تكن لتحدث لولا فطرتها الأنثويّة، وعليه فإنَّ قصورها مغفور له لصدوره من ذات ناقصة بأصلها. وليس من ملامٍ سوى هاغن، فهو الذي تآمر على سيغفريد وقتله، ولو تمكَّنت كريمهيلد من قتله لأخذت ثأرها وبلغتْ بُغيتها لكن ما وسعها سبيل سوى الذي اتّخذته. كان عليها أن تنتقم ممن آذاها، وتسقي برنهيلد من ذات الكأس، إذ أصاب زوجة أخيها ما أصابها، حزنٌ بحزن، وموتٌ بموت، وفقدان بفقدان. هكذا عدالة السماء. 

تتراءى في تتوّيجِ سيغفريد بن غونتر ملكًا على فورمز، وحياة برنهيلد معه، دلالة رمزية على العلاقة الأسطوريّة بين سيغفريد وبرنهيلد (سيغورد وبرِنهيلد)، وعودتهم معًا بعد أنْ فُرِّق بينهم، وإن كانت هذه العودة في علاقة ابن وأمه.  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى