الأخوات برونتي

يوميات آن برونتي ورسائلها

لم يترك لنا إلا أوراق معدودة من رسائل آن ويومياتها، وكذا الحال مع أختها إميلي، فأين اختفت البقية؟ ليس من جواب أكيد عن هذا لكن الغالب أن شارلوت أتلفت كل الباقي من الكتابات غير المهمة لأختيها آن وإميلي ورسائلهما، لا سيما آن. بقي لآن خمس رسائل وورقتان من اليوميات أترجمها كاملة هنا مع التعليق عليها.

يوميات آن برونتي 

الورقة الأولى: يومية آن برونتي، 30 تموز/ يوليو 1841.

إنَّه ميلاد إميلي. أكملت اليوم سنتها الثالثة والعشرين، وهي في البيتِ كما أحسب. تعملُ شارلوت حاليا مربيةً لدى أسرة السيد وايت. يعملُ برانويل مُستكتبًا في محطة قطار في قرية لوديندين فوت، وأعمل أنا مربية عند أسرة السيد روبنسون. لا يعجبني الوضع وأرغب في تغييره. أنا الآن في سكاربرا. قصدت تلميذاتي الفراش، وحثثت الخطى لأسطِّرَ هذه قبل أن ألحقهم أنا الأخرى.

نفكرُ في تأسيس مدرسة نديرها بأنفسنا، لكن ما من شيء محدد بشأنها حتى اللحظة، ولا ندري إن وسعنا ذلك أو لا. آملُ أن نحقق ذلك. ويدفعني السؤالُ عن حالنا وماهيته وأين سنكون في مثل هذا اليوم بعد أربعِ سنوات، سأكون حينها، إذا قُدِّر بالعافية لنا ذلك، في الخامسة والعشرين من العمر وستَّة أشهر، وإميلي في السابعة والعشرين، وبرانويل في الثامنة والعشرين وشهرٍ، وشارلوت في التاسعة والعشرين وربعٍ.

نحن بعيدون عن بعضٍ هذه الأيام وليس من الوارد أن نلتقي مجددًا حتى تمرَّ عدة أسابيعَ ثقيلة، لكن ما من أحدٍ منا مريضٌ وهذا ما أعرفه وكلُّنا نبذلُ قصارى جهدنا لكسبِ قوتنا باستثناء إميلي، وهي، مع ذلك، غارقةٌ في مشاغلها مثلنا، والحقُّ إنَّها تكسبُ قوتها وكسوتها مثلما نفعلُ تماما.

ما أقلَّ معرفتنا بذواتنا

ما أوهنَ إدراكنا ما سنكون عليه!

كُنت قبل أربع سنوات في المدرسة. عملتُ مربيةً منذ حينها في قصر بلايك، وغادرته، وقدمت إلى ثورب غرين، ورأيت البحر وكاتدرائية يورك. عملت إميلي معلمة في مدرسة باتشيت، وغادرتها. تركت شارلوت العمل في مدرسة الآنسة وولر، وعملت مربية عند السيدة سيجويك، وغادرتها، وذهبت إلى السيدة وايت. انقطع برانويل عن مزاولة الرسم، وعمل مرشدًا في مقاطعة كمبرلاند وتركها، وأصبحَ مُستكتبًا في محطة قطار. غادرتنا تابي، وحلَّت مارثا برانون محلَّها. حظينا بكيبر، وبقطةٍ جميلة صغيرة وفقدناها، وحظينا ببازي. حصلنا على إوزة بريّة ثم طارت، وثلاث أُخَر مُدجَّنات، وقد قُتلتْ أحداهن. حدثتَ كلُّ هذه الوقائع، وأُخرُ غيرها، منذ تموز عام 1837 وما كنا نحسبُ وقوعها أو نتوقُّعها. ما الذي سيحدثُ في السنين الأربعِ القابلة؟ الربُّ وحده من يعلم. أما نحنُ فقد تجشَّمنا عناء النزير من التغيير منذ حينها. ما زلتُ أرتكبُ الهفوات نفسها، وحزتُ على بعضِ الحكمة والخبرة، وأكثرُ قليلًا من رباطة الجأش والتحكمُ بالنفس مما كنتُ أتمتعُ به في خالي الأيام. ماذا ستكون عليه الحال حين نفتحُ هذه الورقة والأخرى التي سطَّرتها إميلي؟ أتساءل إن بقي الغونداليّون في ازدهار، وماذا سيكون وضعهم. أنا منشغلةٌ هذه الأيام في كتابة المجلد الرابع من حياة سولالا فيرون.

أتطلعُ أحيانا إلى سن الخامسة والعشرين على أنه نوعٌ من حقبةِ كياني. قد يصدقُ حدسي، أو لربما يكون محضَ خيال أسطوريّ، ويبدو الاحتمال الآخر هو الأقرب، لكن سيُبيِّنُ الزمن ذلك.

___

تعليق المترجم: كتبت آن هذه الورقة من اليوميات والأخرى التالية بتاريخي الثلاثين من تموز/ يوليو سنتي 1841 و1845، والغالب أنَّ كتابة آن اليوميات تولَّدَ باقتراح وإيعاز من أختها إميلي التي كتبت قبل ذلك في سنتي 1834 و1837، وقراءة فحوى اليوميات يشي بالتشابه ما بين يوميات الأختين، وأنَّ آن تتبعُ خطى أختها في التدوين. ينقسم التدوين على: أخبار حاليّة عن النفس والعائلة وآخرَ جديدٍ لهم، وأخبار عن مشاريع حياتيّة وعمليّة، وأخبار عن التغيير الذاتيّ والأسريّ والحياتيّ، والتفكير بالمستقبل وكيف سيكون حالهم وقت فتح ورقة اليوميات بعد أربع سنوات. وهي أشبه ما تكون برسائل إلى المستقبل. إنَّ أبرز ما في هذه الورقة هو ذكر مشروع تأسيس مدرسة الأخوات في هاورث، وذكر عمل آن لدى أسرة روبنسون، في قصر ثورب غرين، الذي دام أكثر من أربعِ سنوات، بعد عملها لدى أسرة إنغام في قصر بلايك (عملُ دامَ أقل من سنة ما بين نيسان/ أبريل 1839 وأيار/ مايو1840)، كما تذكر آن أنها في سكاربرا، وهي بلدة ساحلية مطلَّة على بحر الشمال، تقع شمالي شرق إنجلترا. أحبَّت آن هذه المدينة وبحرها وتردد في شعرها وروايتيها، بل إنَّ طلبَ زواج ويتسون الخوري لأغنس غري في رواية أغنس غري، رواية آن برونتي الأولى وشبه السيريّة، كان عند الساحل. سافرت آن إلى هذه البلدة قبيل وفاتها بغية تغيير الأجواء والانتعاش واستعادة الصحة، ووافتها المنيّة في هذه البلدة، وقررت شارلوت دفنها هناك. كما تورد آن معلومةً مهمةً في تشاركها الكتابة مع إميلي عن حكايات غوندال، وكتابات أخرى.

الورقة الثانية: يومية آن برونتي، الثلاثاء 31 تموز/ يوليو 1845

كان ميلادُ إميلي أمسِ، وهو اليوم المقرر أن نفتح فيه ورقتي يوميات سنة 1845، لكننا فتحناهما خطأً اليوم بدلا من أمس. ما أكثرَ الوقائعَ التي حدثت منذ أن كتبناها، بعضها خيرٌ وبعضها غير ذلك، كنتُ حينها ما أزال في ثورب غرين وما استطعتُ منه فكاكا إلا منذ أجل يسير. كنتُ أطمحُ لمغادرته حينئذ وما حسبتُ قطُّ أني سأمكثُ أربعَ سنوات وما أشقاني لو علمتُ أني سأبقى كلَّ هذه المدة. كنتُ أعملُ حينها على كتابة المجلد الرابع من سولالا لكني واجهتُ إبَّان إقامتي هنالك سلوكيات إنسانيّة غير محبَّذة ولا متصوَّرة. طالت تغييرات كثيرة شارلوت فغادرت أسرة السيد وايت وسافرت مرتين إلى بروكسل حيث بقيت في كلِّ مرة سنةً تقريبًا -سافرت إميلي إلى هناك أيضًا وبقيت نحو سنةٍ- غادرَ برانويل قرية لوديندين فوت وعملَ مرشدًا في ثورب غرين وأُثقلَ كاهليه بالمتاعب واعتلال الصحة وكان مريضًا جدًا يومَ الخميس لكنه سافرَ برفقة جون برون إلى ليفربول وهو الآن هناك فيما أظن ونأمل أن يتحسَّنَ حاله أفضلَ فأفضلَ في قابل الأيام. الجو هذه الأمسيّة غائمٌ بشدة ونديّ وأطلَّ علينا صيفٌ باردٌ ماطرٌ. ذهبت شارلوت مؤخرًا إلى هاثيرسايج في ديربيشاير في زيارةٍ لإلين نوسي دامت ثلاثة أسابيع. تقعدُ قُبالتي الآن تخيطُ في حجرة الطعام وإميلي تكوي الملابس في الطابق الثاني وأنا قاعدة على الكرسي الهزَّاز في حجرة الطعام أمام النار وقدمي مُسندتين إلى سياج المدفئة بابا في حجرة الاستقبال وأحسبُ أنَّ تابي ومارثا في المطبخ ولا أدري أينَ كيبر وفلوسي وآمل أن ديك الصغير في القفص. حين كتبنا الورقة الأخيرة كنا نفكِّر في تأسيس مدرسة لكننا أعرضنا صفحًا عن المشروع ثم بعد زمن طويل أعيدَ إحياء المشروع ثم ألغيناه لأننا لم نحظَ بأي تلاميذ. شارلوت منهمكة في مشروع آخر، ترغبُ في السفر إلى باريس، هل ستذهب؟ تركت فلوسي يدخل بدون قصد وهو الآن جاثمٌ فوق الأريكة. إميلي منخرطة في كتابة حياة القدِّيس يوليوس قرأتْ بعضًا مما كتبتَه وكلّي رغبةٌ في سماعِ التتمة. تكتبُ شعرًا كذلك وأتساءل عمَّ  موضوعه. بدأتُ بكتابة المجلد الثالث من منتخبات من حياةٍ إحدى الشخصيات. أرجو أن ’أنتهي‘ منها. شرعتُ هذه الظهيرة بالعمل على عباءتي الرماديّة المصنوعة من الحرير والتي صُبغتْ في كيغلي. وأنا حائرة في أمري وأيُّ ما سأصنع منها؟ لدي وإميلي شغلٌ كثيرٌ لا بد أن ننجزه، متى سنحسُّ بتضاؤله؟ أريد اكتسابَ عادةِ الاستيقاظ مبكرًا فهل سأنجح في هذا؟ لم ننتهِ بعد من حوليات غوندال التي بدأناها منذ ثلاث سنوات ونصف متى سنكملها؟ الغونداليّون اليوم في وضعٍ سيئ وللجمهوريّين اليد العليا لكن الملكيون لم يغلبوا بعد تماما. ما زال الحكَّامُ الشباب مع إخوتهم وأخواتهم في قصر الإرشادات. اُنتُكبَ صفوة المجتمع ’أعلاه‘ قبل نصفِ عامٍ وانتُشلوا إلى جزيرة مهجورة حين كانوا في طريق العودة من جزيرة غالدين، ما زالوا في الجزيرة ولم نشتغلْ كثيرًا عليهم بعد. والغونداليّون عموما ليسوا بعد في مقامِ التحكُّم بمجريات الأمورُ، فهل سيسعهم ذلك؟

أتساءل كيف سنكون جميعا وأين وعلى أي حال في الثلاثين من تموز عام 1848، وإذا ما بقينا أحياءً ستكون إميلي في الثلاثين وأنا في التاسعة والعشرين وشارلوت في الثالثة والثلاثين وبرانويل في الثانية والثلاثين وأي تغييرات سنراها بأمِّ أعيننا ونَخْبُرُها وهل سيطال التغيير الكبير أنفسنا؟ لا أرجو ذلك -في الأقل ليس إلى الأسوأ- أنا من جانبي لا يسعني أن أتماهى جيدًا مع عقلية أفضل ولا أسنَّ مما أنا عليه الآن. أرجو أن ينالنا الأفضل.

آن برونتي

____

تعليق المترجم: تفتحُ آن الحديث عن الخطأ في تاريخ فتح ورقة يوميات عام 1841، وهو ما ذكرته إميلي أيضًا في ورقة عام 1845، كان من المفترض أن تفتحَ الأختان ورقتي عام 1841 في الثلاثين من تموز/ يوليو 1845، وهو تاريخ ميلاد إميلي، لكنهما أخطأتا ذلك بتفويت يوم فتحها إلى اليوم اللاحق. تُشير آن إلى أمور مختلفة من حياتها، وأبرزها هو ذكرها تجربة العمل لدى أسرة روبنسون في قصر ثورب غرين، وما تُلمح إليه هنا “واجهتُ إبَّان إقامتي هنالك سلوكيات إنسانيّة غير محبَّذة ولا متصوَّرة” هو العادات الاجتماعية السيئة لدى هذه الأسرة، واستمدَّت الكثير منها وأوردتها في روايتها “نزيلة قصر ويلدفيل”، وكذلك العلاقة التي جمعت ما بين أخيها برانويل والسيدة ليديا روبنسون، زوجة إدموند روبنسون، وفي الغالب كانت هذه العلاقة هي التي جعلت آن تحثُّ الخطى بمغادرة القصر والعمل فيه، بعد أن دام نحو أربع سنوات منذ آذار/ مارس 1841 وحتى منتصفِ عام 1845. كما تذكر أمورًا أخرى مثل استمرارها في الكتابة في غوندال وكتابات أخرى، وذكرها كتابات إميلي الشعرية، التي لا تعرف فحواها، وهذا ما يؤكد لنا طبيعة إميلي المتحفِّظة حتى مع أختها المقرَّبة وشريكة الكتابة.

الرسائل

الرسالة الأولى: كتبت آن هذه الرسالة لإلين نوسي في الرابع من تشرين الأول/ أكتوبر 1847.

عزيزتي الآنسة إلين..

جزيلُ الشكرِ على رسالتكِ المُرحِّبة والمفاجئة. إنَّ شارلوت بخيرٍ وعافية وتعزمُ على مكاتبتك. من دوافعِ سعادتنا جميعًا أنَّ ريحَ الشرقِ لن يدوم هبوبها، واشتكتْ من عواقبها كما جرتِ العادة عند استمرار هبوبها. كما عانيتُها أنا الأخرى، وإنْ على نحوٍ أخفَّ، وهذه حالي دائما، أعاني يسيرًا أو شديدًا، لكنها هذه المرَّة كانت ثقيلة الوطأة بلا معونةٍ على نزلات البرد وبنوبات سعالٍ هي الأقسى. إما إميلي فتراها “ريحٌ جافةٌ قويّة” لكنها لا تؤثر في نظامها العصبي. توافقني شارلوت الرأي بخصوص رسالة عن السيدة جينكِن بأنها مسألة مُزعجة. وإنكِ مخطئة تماما بشأنِ مظلَّة الشمس، وأكَّدت أنَّها أعادتها، وإنِّي شاهدةٌ على ذلك، لقد رأيتها أمسِ في حوزتها. ولمن الراجح أنَّ المِظلَّة الوحيدة التي وجدتِها قد تركتَها وراءها السيدة رينغروس. أما كتابي فليسعدني أن تحتفظي به الوقتَ الذين تحبين أو تحبُّه صديقاتكِ إذا ما رغبن في جني النفعِ بالاطلاع عليه، ولستُ راغبةً في رؤيته مجددًا حتى أراكِ برفقته، وكفى بوجهِ حاملِه حينئذ كرامةً أن أقبله. نحن جميعا كما خلِّفتنا هاهنا، وليسَ في جَعبتي جديدٌ أقصُّه عليكِ، سوى أنَّ السيد نيكولاس توسَّل عطلةً وذهبَ لقضائها في أيرلندا منذ ثلاثة أو أربعة أسابيعَ خلت، ولا نتوقَّعُ عودته حتى السبت، وما عدا هذا فما من أخبارٍ أطلعكِ عليها إطلاقا. نحن سعيدون جدًا وشاكرون لك لطفكِ وهداياكَ المُنتقاة بحصافةٍ، ابتداءً من بابا إلى تابي أو إليَّ أنا كما يجب أن أقول. إنَّ الورقَ ذو نوع فاخر، وهو مفيدٌ جدًا كما يبدو، بيد أنني لا أنوي الاحتياج إليه. ليس بخيارٍ مطروح، لكن الضرورة دفعتني لاختيار ورقةٍ رقيقةٍ لرسالتي، وما كان تحت يدي ما هو أنسبُ منها، وها هي ذي تضمُّ بقدرِ ما ترغبين في قراءته أو يسعني كتابته، وما عادَ عندي ما أقوله إلا تحيّة تابي الصغيرة، ولأظنُّها مخلوقةً فاتنةً. وحين تطالُكِ حمى الزواج آملُ أنْ تحظي بخطبةٍ صالحة لا يسعكِ رفضها ساعةَ مجيئها. هذا كلُّ ما لدي، كما أنَّ شارلوت تُكاتبُكِ الآن أو أنها على وشكِ أن تُكاتبَكِ بنفسها ولستُ بحاجةٍ إلى أن أكاتبكِ نيابةً عنها.

تقبَّلي خالص حبي، ولا يجب أن أغفلَ عن ذكرِ سلامِ الرائد [لقب إميلي داخل البيت]، لكِ مني ودادُ الصديقة المحبَّة.

آن برونتي

___

تعليق المترجم: هذه الرسالة وكما تعلِّق وينفريد جيرن، في كتاب سيرة آن برونتي، رسالة مثالية عن المراسلات المقتضبة ما بين سيدتين فيكتوريّتين تُكابدان مشاقَّ الزيارات المنقطة إلى تلكَ المتكررة بين حين وآخر. كتبتْ آن القليل من الرسائل نيابةً عن أختها، وهي مراتٌ معدودة بسبب مرضِ شارلوت أو تدهور صحتها النفسية، وعدم مقدرتها على الكتابة. كما تبيِّن الرسالة ضعفِ صحة آن، وكانتْ وقتئذ، منكَّبة في إتمام روايتها نزيلة قصر ويلدفيل. وفيها أيضًا إشارة إلى حال إميلي القويّة، ولقبها الرائد الذائع الصيت، وصحتها الجيدة التي ستشهد انهيارًا سريعا بعد وفاة أخيها في أيلول عام 1848 ووفاتها في كانون الأول من العام نفسه.

الرسالة الثانية: كتبت آن برونتي هذه الرسالة لإلين نوسي في السادس والعشرين من كانون الثاني/ يناير 1848.

عزيزتي الآنسة نوسي

لا يسعني أن أكتبَ لك “رسالة طويلة بهيجة”، على النقيضِ تماما سأريحُ نفسي بكتابة رسالة قصيرة رثَّة تضمُّها رسالة شارلوت، وستكون بلا شكٍ مقبولة أكثر مما لو أنها أصالة عن نفسي، مع ذلك فإني لا أسالكَ باسم صداقتي، أو الترحيب الغامر الذي قد تمحضينه خطابي بدون أن يسنده رفيقٍ مُحبب، لكن لا بد أن تعلمي بقصور أداتي اللغوية المؤسف فيجعلها سيئة تقريبًا مثلَ خطِ يدي عندي الكتابة ما لم يكن في جعبتي ما أقوله. يجبُ عليَّ أن أشكرَكِ على رسالتِكِ المهذَّبة وصديقتَكِ السيدة رينغروس على هديّة واقيات الساعةِ الجميلة، وإني على ثقة بأننا سنُجلُّها جميعا لا سيما أنها من صنعِ يدها، وما عادتْ غريبةً على أيّ فردٍ منا. إني سعيدة لكما أنتما الاثنتين لأنَّها ستبقى معك، وآمل أن يقتنعَ السيد رينغروس بأن يدعها تقضي وقتًا أطولَ معكِ، فأنا على يقين أنَّ ذلك لصالحكما معا. أخشى أن تكون أختكِ قد تأذتْ كثيرًا من جرح يدها، لكن وإن كان سيئًا ذاك الحادث، فقد حفَّتها الرحمةُ وما تأتى عن ذلك أي عواقبَ غير محمودة. لمن الفظيعِ التفكير بما يُمكن أن يحدث، بمعيّة كلِّ الاحتمالات، لو استمرَّت اللعبة أيامًا أطول. ما من حاجةٍ لتُعلمينا عن تحمُّلكِ الطقسِ الكريه، فنحن هنا نعاني ريح الشرق القاسيّة، وأُصيبَ أغلبنا، شارلوت وإميلي وأنا، بالإنفلونزا، وبنزلةِ بردٍ شديدةٍ مرتين في أسابيعَ معدودة، وأصيبَ بابا بنزلة البرد مرةً واحدة، ونجت تابي من الاثنتين. هذا كلُّ ما في جعبتي لأعلمكَ به، فما غادرنا مطرحنا، ولا رأينا إنسيًّا، وما وقعَ شيءٌ (يستحق الكلام) منذ أن غادرتنا، ومع ذلك فنحن نُدبِّرُ أمرنا لننشغلَ من الصباحَ حتى العشيّة.

أصبحَ فولسي أسمنَ من السابق، لكنه ما يزال نشطًا ليستمتعَ بحماية القطيع، وأرجو أن تكوني وصُحبتَكِ أوفرَ حظًا منا في نزلاتِ البرد. مع أطيبُ تحياتي، وسأبقى، يا آنسة-

حافة الورقة ممزقة وما من توقيعٍ للرسالة. وبيدٍ أخرى وحبرٍ مختلفٍ أضاف أحدهم على وجه الورقة الآخر: 

نوسي، مخلصة لك آن برونتي.

____

تعليق المترجم: ما من جديد في هذه الرسالة عن سابقتها، وفيها تقرير عن حالة آن وعائلة برونتي صحيا، وكما هو جليّ للعيان فإن هذه العائلة كانت مِمراضة، والغالب في ذلك هو ظروف القرية غير الصحية، وسوء مياه الشرب والصرف الصحي، وهناك تقارير تُشير إلى اختلاط مياه الصرف الصحي بمياه الشرب وسبب أمراضًا طالت الأخوات. وآن كانت منشغلة وقت تسطير هذه الرسالة بكتابة رواية “نزيلة قصر ويلدفيل”، وهو ما ألمحت إليه بجملة “نُدبِّرُ أمرنا لننشغلَ من الصباحَ حتى العشيّة”. وليس لهن من انشغال يدبِّرنه سوى مزاولة الكتابة الروائية والشعرية.

الرسالة الثالثة: كتبت آن هذه الرسالة لناشر شارلوت السيد وليمز في التاسع والعشرين من شهر أيلول/ سبتمبر 1848، نيابةً عن أختها.

سيدي العزيز،

سألتني أختي أن أشكركَ على رسالتيكَ، ولقد أبهجها كثيرًا استلامهما منكَ، مع أن وصولهما كان في وقت عصيبٍ يعصفُ بالبيت بلاءً ومصيبة، وأثَّرَ فيها كثيرًا تاركًا إياها في مزاجٍ واهن تأتَّى عنه توعُّكٌ خطِرٌ، وغيرَ مُهيَّأةٍ للقيامِ بأدنى مجهودٍ، ولا حتى القيام بأخفِّ مهمة كالكتابة إلى صديق، ومع ذلك يسعدني أن أعلمكَ أنّها تتعافى حاليا، وإني على ثقةٍ بأنَّ وضعها لن يطول كثيرًا، وستقدرُ أن تؤكِّدَ لك بنفسها استردادها كاملَ عافيتها، وستردُّ على فحوى رسالتيكِ بخالصِ ألفاظها ومشاعرها. تبعثُ إليك أثناء ذلك أطيبَ التحيَّاتِ، وتشاركني محضَكَ أصدقَ آياتِ الرجاء بقضاء إقامةٍ ساحليّة سعيدة رفقة السيدة وليمز.

لك مني خالصُ الودِّ.

آ. برونتي.

____

تعليق المترجم: طلبت شارلوت من أختها آن أن تكتبَ إلى ناشرها السيد وليمز نيابةً عنها لأنها كانت تمرُّ بظروفٍ عصيبة تلت وفاة أخيها برانويل في الرابع والعشرين من شهر أيلول/ سبتمبر 1848، قبل خمسة أيام من تاريخ هذه الرسالة. كانت شارلوت ساخطةً على برانويل وما جرَّه عليه حبُّه لليديا روبنسون من مآسٍ وسلوكيات منحرفة كإدمان الخمر والأفيون واستدانة المال، وما رضيت عنه قطُّ وعاملته بجفاءٍ كأنه غير موجود، وقالت لصديقتها نوسي في إحدى رسائلها أنَّها لن تمرَّ على ذكره وستمسكُ لسانها عنه، وهذا ما حدث حتى وفاته التي شعرت بعدها بنوعٍ من تأنيب الضمير، وتكتب لنوسي أيضًا قائلة إنَّهم ما عادوا يتذكرون إلا شقائه ومصاعبه ويدعون له براحةٍ أبديّة.

الرسالة الرابعة: كتبت آن برونتي هذه الرسالة للمبجل ديفد ثورن، 30 كانون الأول/ ديسمبر 1848

سيدي الفاضل

أستميحُكَ عذرًا بصحتي العليلة على تأخُّري في الرد على تواصلكَ المُطري، لكن صدِّقني ما أنا بأقل فخرًا وعرفانا منك بالبهجة التي مُحضت إياك بقراءة بكتابي وكاتبيْ أخويّ، لا سيما بآرائهما المطروحة في كتابيهما. لقد أبصرتُ النزر اليسيرَ من الجدال اللاهوتي وما كنتُ على بصيرة من أنَّ عقيدة الخلاص الكونيّ لها مدافعٍ قديرٍ وغيورٍ مثلُ شخصِك الكريم، لكنني اعتنقتها بعزٍ منذُ نعومة أظفاري، وإن خالجتني رِعدةٌ بادئ ذي بدْء، سرعان ما أردفها إيمان راسخٌ بهي بصوابها. استخلصتُها على خفيةٍ من سويداء قلبي ومن كلمة الرب قبل أنْ أعلمَ أنَّ ثمة من يشاركني اعتناقها. لهو منبعَ بهجةٍ حقَّة يغمرُ صدري، كما هو دائما، أن أجدَ آراءً شبيهةَ تُقترحَ على استحياء أو يُدافعَ عنها بجراءة من عقولٍ نيَّرة خيِّرة، وإنيِ على يقين اليوم بأنَّ المؤمنين بهذه العقيدة المؤاسية أكثر جدًا من الأساتيذ المناقشين بها. لا أدري علامَ يأبى الصالحون الإقرار بها، وإنْ أضعفُ الإيمان في صدورهم، وأحسبهم يرفضون بيان ذلك وسطَ جموعِ الناس. لربما أنَّ العالمَ ما زالَ غير مهيَّإٍ لها. لا أمنعُ نفسي من الاعتقاد في أحايينَ بأنَّه قد أبهجَ الربَّ تركُها مجهولةً زمنًا طويلا إجلالًا لهذه الحقيقة الفريدة، وغالبا ما يكون استعمالُ هذه اللغة المتشكِّكة إقرارٌ بسوء الفَهم العام، ولست أشكُّ بأنَّ للربِ سببٌ وجيه لذلك. إنَّنا نرى كيفَ يتقهقرُ أهل الثقة أمام الإغواءات بمرورِ الزمن، وكلما تضاءلَ فزعُ العقاب الأخرويّ تصاغرَ وعدُ الجزاء الأخرويّ وفشلَ في جعلهم يحجمون وينتظرون، وإذا ما اندفعَ الآلافُ إلى التهلكة بافتراض (يحسبونه) أنَّه الموتُ الأبدي القابعُ قُبالة أنظارهم، فأيُّ عاقبةٍ ستنتفي إذا ما غُيِّرَ ذاك الافتراض بشطرٍ محدودٍ من العقاب، قصيٌّ وخفيٌّ، وما أطولُ أجله وأفظعه؟

إني أعتنقُ باعتزازٍ هذا المعتقد، وأتشرَّفُ بكلِّ أولئكَ المعتنقين له، وآملُ أن يكون لجميعِ الناس بصيرةُ آمالِ المؤمن نفسها ورحمةِ الربِّ الواسعةِ لكلِّ شيءٍ التي أكرمنا بها، إذا ما أمكنَ ذلكَ بسلامةٍ. لكن ألا يُوجبُ ذلك بعضَ التدبُّر والاعتبار؟ ألا يجب علينا تذكُّرَ الأخَ الضعيف وعبدَ الشيطانِ المفتونَ، وأن ندركَ كشفَ الحقائق المتعجِّلَ لأولئك العاجزين عن إبصارِها؟ ولعلِّي بهذه المقترحاتِ أدينُ نفسي، إذ في روايتي الأخيرة نزيلة قصر ويلدفيل قد ألمحتُ عاضدًا هذه العقيدة بقدر ما جرؤت على تقديمها في العمل بذلك الوصف. وهي لا تعدو كونها اقتراحات لا غير، وبقدر ثقتي على إدراكك إياها، فأنا موقنةٌ بأني على علمٍ بما يُمكن أن يقال عن نعمة التَمَايزِ الجليّ لحقيقة الربِّ وإطلاق عِنانها لتمضي في سبيلها. ليكنْ ختمنا حسبُ مُعلّمًا بعَبَثٍّ مُتعقِّلٍ، وإذا ما كدحنا لنرفعْ أبصارنا بتواضعٍ إلى الربِّ القادر والمكين على إتمامِ صنائعه بمشيئته وسُنَّته في زمنها المقدور.

لا يسعني إلا أن أسألك كرمًا أن تقبل خير دعائي لك ومساعيكَ الجليلة، وإني باقٍ على رفيعِ إجلالكَ وعظيمِ تقديركَ.

أكتون بيل

____

ملاحظة: عرفَ المبجَّل ديفد ثورن، كاهن كنيسة بولد ستريت في ليفربول، بحقيقة هوية آن برونتي بعد نشرها رواية نزيلة قصر ويلدفيل. وأبدى اهتماما بالآراء الواردة في النسخة المعدَّلة من القصائد، وأرسل رسالة إلى آن عبر الناشر سميث إلدر. آمنتْ آن برونتي إيمانا ملتهبًا بعقيدة الخلاص الكوني قبل زمن طويل من سماعها من المبجل ثورن، ولم تك على علمٍ تماما أنَّه كتب عددًا من الكتب في هذا الموضوع. أبانتَ عدةُ مقاطعَ من رواية قصر ويلدفيل، لا سيما المعروضة في الفصل عشرون، عن أفكار آن المُتبلورة عن هذا الموضوع، وطُرحَت بصيغة محاورة بين هيلين وعمتها. كانت آن، حين تسلَّمت رسالة ثورن، تعاني تدهورًا صحيًا خطِرًا، ومدمَّرة نفسيًا بوفاة إميلي (في الثامن عشر من كانون الأول/ ديسمبر 1848). أرسل والتون هايدون، بعد وفاة ثورن، وهو قريب له بالزواج، رسالةَ آن إلى ملحق مجلة الأزمان الأدبية Times Literary Supplement، ولفتَ الانتباه بملاحظة تمهيدية، مسلطًا الضوء على قضية هامة، إلى ندرة رسائل آن.

___

تعليق المترجم: كانت آن برونتي امرأة ورعة تقيّة، وتأثَّرت بعقيدة خالتها الميثوديّة، وبرزَ ذلك في أدبها الشعري والروائي وشخصيتها وسلوكياتها. تقول عنها شارلوت في بيان سيرة أكتون وإليس بيل، المنشور في مقدمة روايتي وذرينغ هايتس وأغنس غري عام 1850، “لقد كانت صادقة جدًا ومسيحية تقيّة لكنَّ مسحة السوداوية الدينية ألقتْ بظلٍ تعيس على حياتها القصيرة النزيهة”. وهذا ما نراه جليا في هذه الرسالة، وجديرٌ بالذكر أن المقصود بعقيدة الخلاص الكونيّة (أو التصالح الكوني) هو إيمان لدى بعض المسيحيين، وليس التيار العام منهم، أنَّ الأرواح الأثيمة والمصروفة عن رحمة الرب سينالها حبُّ الربَّ ورحمته الإلهية في آخر المطاف ويُصالحها عافيًا عنها.

الرسالة الخامسة: كتبت آن برونتي هذه الرسالة لإلين نوسي في الخامس من نيسان/ أبريل 1849

عزيزتي الآنسة نوسي

أشكرُكِ جزيلَ الشكرِ على رسالتكِ اللطيفة، واستجابتكِ السريعة لطلبي بقدرِ ما تسعنا المشيئة على تحقيقِ المراد. وإنّي متفهِّمةٌ رفضَ صحبتِكِ شروعَك بتولي مسؤولية مرافقتي في ظلِّ هذه الظروف. لكنني لا أظنُّ بوجودِ أيّ مسؤولية هائلة في هذه المسألة. وأعلمُ، كما يعلمُ الجميعُ، بأنَّكِ ستكونين ودودةً ومُعينةً بقدر ما يسعُ أيّ امرئ ذلك، وأرجو ألا أحمِّلكَ ما لا طاقةَ لك به ولا أثقلَ عليكِ بالمتاعب. ما أنتِ إلا مرافقةٌ لي وليست ممرِضةً وهذا ما أرغب فيه من رفقتك، ولن أجرؤ على سؤالكَ سواه. تلطَّفي رجاءً بما أنَّكِ في زيارةِ متكررة إلى بروكرويد بأنَّ توصلي خالصَ شكري لأمكِ وأخواتك، وأعلميهنَّ بأنَّي لا أنوي تكبيدهن عناءَ حضوري إليهن بهذه الحال التي أنا عليها اليوم. إنَّه ولتحنانٌ منهنَّ أن يخففنَّ من وطئ المتاعبِ لكن المتاعب لا بدَّ حاضرة، كما من المؤكَّدِ بوجهٍ أو بآخر أنَّ ما من متعةٍ اجتماعيّة من غريبٍ عليلٍ صامت. آمل أن تتمكَّن شارلوت من مرافقتي رغمَ كلِّ شيء، وهي حقًا رهيفةٌ جدًا وبحاجةٍ قصوى لتغيير الجوِ وترميم حالتها النفسيّة بعد ما وقع، لكن قدومكِ معي قبل نهاية أيار فلا مناص منه مؤكدًا، ما لم يُخيِّب ضيوفك أملَكِ، لكن يجبُ عليَّ ذلك. سأنتظرُ على مضضٍ حتى حينها إذا ما صارَ الطقسُ مناسبًا للشروع في السفرة في وقتٍ أبكر. تقولين إنَّ أيار شهرٌ متقلِّبٍ كما يقول الآخرون، أقرُّ أنَّ النصفَ الأول منه باردٌ غالبا، لكن حسبما خَبَرتُ، فإنَّنا سنستمتعُ في النصف الثاني منه تقريبًا بأيامٍ دافئة طيِّبة لا سيما حين تُوردُ أزهارُ الليلكِ والأبنوسِ الكاذب، وحَزيرانُ عادةً ما يكون باردًا وتموز رطبًا عمومًا. لا تحسبي أنَّ نفادَ صبري من تأخير السفرة بلا سبب بل عندي كلّ سبب لذلك، فقد أشار الأطباء إلى أنَّ تغيير الجو أو الانتقال إلى مكانٍ بطقسٍ أفضلَ سيساعدُ كثيرًا الحالات المسلولة [المصابة بالسل] أو قد ينجحُ في الشفاء إذا ما أُخذَ العلاجُ في موعده. أما السؤال لمَ كلُّ هذه الخيبات فذلكَ بسبب التأجيل عمومًا حتى يفوتَ الأوان، ولستُ راغبةً في أن أرتكبَ هذا الخطأ، ولأصارحكِ القولَ، إني أعاني ألمًا وحمًى أخفَّ وطأةٍ مما عانيتهُ حين كنتِ معنا، لكني ضعيفةٌ تمامًا ونحيفةٌ جدًا، وما زالَ سعالي يُتعبني كثيرًا، لا سيما في الليل، والأسوأ من كلِّ هذا أني أقاسي ضيقَ تنفسٍ شديدٍ حين أرتقي السلالم أو حين أبذلُ أيسرَ مجهودٍ. وفي ظلِّ هذه الظروف العصيبة أحسبُ ما من وقتِ لأضيِّعه. لستُ هيَّابةً من الموت إذا ما اعتقدتُ أنَّ لا مفرَّ منه، وأحسبُ أنَّني يسعني تهيئة نفسي لمقدمه بهدوءٍ، ويحدوني الأملُ يا عزيزتي نوسي أن تمحضي شارلوتَ صحبتَكِ بما تستطيعينَ وأنْ تكوني أختًا لها بدلًا مني. لكن أرجو أنْ يرجئ الربُّ أجلي حتى حين ليس لأجلِ بابا وشارلوت فقط، بل لأنني أيضًا أتوقُ للقيامِ بأمورٍ طيبة في هذه الدنيا قبل أن أغادرها. في نفسي أعمالٌ كثيرةٌ أريدُ تحقيقها في المستقبل -وهي بالحق يسيرةٌ ومحدودةٌ- وما أرغبُ في تركها دون جني ثمارها، ولقد عشتُ أيامي لهذه الغايةِ الصغيرة. لكن تبقى مشيئة الربِّ نافذة.

أبلغي والدتِك وأخواتكِ سلامي، ولكِ مني آنسة نوسي صالحَ حبي ومشاعري.

آن برونتي

___

تعليق المترجم: كتبت آن برونتي هذه الرسالة لإلين نوسي تطلبُ منها مرافقتها إلى بلدة سكاربرا الساحلية في رحلة استشفائية من مرضِ السل الذي أثقلها بأعراضه واستنزفَ قواها. كانت شارلوت تعتني بوالدهما، وما وسعها أن تتركه بلا عناية لذلك لجأت إلى إلين، وآن عارفة بحيرة شارلوت وانشطار مسؤوليتها في الاعتناء بأختها وأبيها. ثُمَّ قُيِّضَ لآن أن تذهبَ رفقةَ شارلوت إلى مدينة سكاربرا، وذهبتَ معهما ألين أيضًا، في الثالث والعشرين من شهر أيار/ مايو 1849. وتذكرُ وينفريد جيرن في سيرة آن برونتي أنَّ آن سكنت رفقة شارلوت ونوسي في منزل قريب على البحر، حيث أشرف اقترابها من الموت على نهايته، وزارها الطبيب أكثر مرة، ولم يكن ثمة علاج لها سوى ما يخفف آلامها ويهيئها لموت مريح. تقعد آن فوق كرسي قريب على النافذة في مواجهة البحر ولسان حالها يردد أبياتها:

ثمة راحة وراء القبر

راحة دائمة من الألم والخطيئة…

أرني الراحة- لا أسألك أكثر

أبعد عني هذه الشكوك المُبهمة؛

ودعْني أرى الشاطئ المُشرق

كيفما يكون بعيدًا!

كيفما يكون هذا البحر المتموج عريضا

كيفما يكون الممر البري إليه

كيفما يكون سُعالي عاصفةً هوجاء

قد يُوصلوني إلى ملاذ آمن

قد أطأه بقدمي وأتمشى فيه

مع أولئك الذي أحببتهم وخسرتهم…

تُوفيت آن في سكاربرا في الثامن والعشرين من شهر أيار/ مايو 1849، وقد كُتبَ بسبب خطأ نوسي على شاهد قبرها أن عمرها ثمانية وعشرين عامًا، في حين أنها كانت في التاسعة والعشرين.

1- هنا

2- Anne Bronte by Winifred Gerin.

3- Interviews and Recollections Edited by Harold Orel.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى