ترجمة: مؤمن الوزان
عزيزي ميريز..
في موضوع مناسب لهذا الفصل، أود أن أخبرك عن فطور السنة الجديدة الذي تناولته عندما كنت صبيّة صغيرة. ماذا كان برأيك؟ شريحة من خبز جاف وتفاحة. هذا ما حدث، وهي قصة حقيقية حرفيًا. عندما نزلنا لتناول الفطور في ذلك الصباح بوجوه مشرقة تمامًا ومآزر نظيفة كليًا، وجدنا والدنا وحيدًا في غرفة الطعام.
’سنة سعيدة يا بابا! أين ماما؟‘ هتفنا.
’أتى طفل صغير متسولًا وقال إنهم كانوا يتضورون جوعًا في البيت، لذا ذهبت أمكم معه لترى ثم- ها، ها هي‘.
عند حديث بابا، دخلت ماما وهي تبدو فاترة جدًا، ونوعا ما حزينة، ومهتاجة كثيرًا.
’يا أطفال، لا تبدأوا الأكل حتى تسمعوا ما يجب أن أقوله‘ قالت، وجلسنا نحدِّق إليها والفطور قُبالتنا لم يُمس.
’في مكان ليس بعيدًا عنا، ثمة امرأة فقيرة مع وليدها. ويحتشد ستة أطفال في فراش واحد لكي لا يتجمدوا لأنهم لا يملكون نارًا. وما من شيء هناك ليأكلوه، أتى فتاها البكر إلى هنا وأخبرني أنهم يتضورون جوعًا في هذا اليوم البارد المرير. يا بُنيّاتي، هل ستمنحونهم فطوركنَّ لتكون هدية العيد لهم؟‘.
قعدنا صامتين دقيقة، ننظر إلى العصيدة الجميلة الساخنة، والحليب المقشوط، والخبز اللذيذ والزبدة، لأجله ترعرعنا مثل أطفال إنجليز، ولم نتناول قط الشاي أو القهوة، أو نأكل شيئًا خلا العصيدة على الفطور.
’أتمنى لو أننا بدأنا الأكل‘ فكّرتُ، لأني كنت طفلة أنانية تقريبًا، وجائعة جدا.
’سعيدة لأنكِ جئتِ قبل أن نبدأ‘ قالت نان ببهجة.
’هل تأذنين لي بالذهاب ومساعدة حمله إلى الأطفال الفقراء؟‘ سأل بيث، الذي امتلك أرقَّ قلبٍ ينبض تحت مريلة.
’يمكنني أن أحمل قِدر دبس السكر‘ قالت مي الصغيرة معطيةً بفخر أحبَّ شيء لها.
’وأنا سآخذ كل العصيدة‘ انفجرتُ والخزي يتملك قلبي من شعوري الأول.
’ستضعون أشياءكم وتساعدوني، وعندما نعود سنحظى بشيء نأكله‘ قالت ماما وبدأنا بجمع الخبز والزبدة في سلة كبيرة.
كنا مستعدين بُعيدها، وانطلق الركب يتقدمه بابا يحمل بيد سلة خشبية وفي الأخرى فحم، تليه ماما بحزمة أشياء دافئة وإبريق الشاي، ثم نان وأنا نحمل إناء العصيدة الساخنة فيما بيننا، وجرَّة حليب في كل يد، وخلفنا بيث حاملًا اللحم البارد، ومي مع قِدر “دبس السكر” مرتديةً قلنسوتها وجزمتيها، وبيتسي في آخر الركب بكيس بطاطا وبعض الدقيق.
لحسن الحظ وصلنا باكرًا، وعدنا دارجين على طول الشوارع لذا فقد رآنا القلة من الناس ولم يضحك أحدٌ على الجمع الفكاهي. يا له من مكان فقير، ومُعدم، وتَعِس، ولأكون دقيقة، ذو نافذة مكسورة، وبلا نار، وثياب خَرِقة، وطفلٍ باكٍ، وأم مريضة، وكومة أطفال شاحبون وجائعون يضمهم لحاف واحد في محاولة أن يبقوا متدفئين. ويا لها من عيون كبيرة حدَّقت إلينا وشفاه زرقاء ابتسمت لنا حين دخلنا!
’آه، يا إلهي، إنها الملائكة الطبية دخلت علينا!” هتفت المرأة الفقيرة بدموع الفرح.
’ملائكة مُسلِّية بقلنسوات صوفية وقفَّازاتٍ حمراء‘ قلتُ فضحك الجميع.
ثم شرعنا العمل وفي خمس عشرة دقيقة، لقد بدا الأمر حقًا كما لو أن الجنِّيات من أدت العمل هناك. أشعلَ بابا نار رائعة في الموقد القديم وأغلق النافذة المكسورة بقبعته ومعطفه. وجمّعت ماما الأطفال المرتجفين حول النار، وأبهجتْ المرأةَ الفقيرة بأشياء دافئة. أعدَّ بيتسي وبقيتنا المائدة وأطعم الصغار المتضورين جوعًا.
’هذا جيد!‘ ’أوه، حلو!‘ ’الأطفال الملائكة!‘ هتفت المخلوقات الفقيرة وهي تأكل، وابتسمت واستدفأت باللهب الدافئ. لم نُسمَّ من قبل بـ “الأطفال الملائكة”، واعتقدنا أنه مبهج جدًا، لا سيما أني غالبًا ما أُخبرت بأني “مُخادعةٌ دائمة”. ما أبهجَ ما كان! أطعمَ بابا الطفلَ الصغيرَ واضعًا منشفة كمريلة، وألبست ماما المولود الفقير بحنان كما لو أنه كان صغيرها. أعطى بيستي الأم عصيدةً وشايًا، وطيَّب خاطرها بتأكيد أن القادم أفضل لنا جميعًا. تحلَّق نان، ولو، وبيث، ومي، وسط الأطفال السبعة، يتحدثون ويضحكون محاولين أن يفهموا لغتهم الإنجليزية المضحكة والمكسَّرة. لقد كان فطورًا سعيدًا جدًا، على الرغم أننا لم نتناول منه شيئًا، وعندما أقفلنا راجعين، مُخلِّفينهم وراءنا مرتاحين وواعدين بجلب ثياب وطعام بين الحين والآخر. أعتقد أنه لم يكن ثمة فتيات صغيرات جائعات منحنَّ فطورهنَّ، وأرضينَ أنفسهنَّ بكسرة خبز وتفاحة في يوم السنة الجديدة.