الأخوات برونتيروايات

نزيلة قصر ويلدفيل

آن برونتي

بعد ظهور روايتها الأولى “أغنس غري” بسنة، نشرت آن روايتها الأخرى وفاقت روايتها الأولى حجمًا ومستوًى فنيًا وموضوعيًا في سنة 1848 قبل وفاتها بعام تقريبًا. هذه الرواية هي الأخرى استمدت آن الكثير من حياتها في كتابتها ولا سيما من مصدرين مهمين، الأول عملها مربيةً لدى أسرة إدموند روبنسون في منطقة ثورب غرين، حيث عملت آن خمس سنوات واستمرت في تواصل مع بنات إدموند روبنسون بعد تركها العمل، وتبيّنت علاقتها معهم على نحو أوضح في رواية أغنس غري. والثاني على حياة أخيها برانويل برونتي ووقوعه في غرام السيدة روبنسون التي أحبها على نحو محموم بعد أن عمل مرشدًا لابنها إدموند في ثورب غرين مع أخته، وكان يمني نفسه بزواجها بعد وفاة زوجها (يمكن رؤية بعض النقاط المتشابهة التي تُذكر في رواية قصر ويلدفيل إلا أنها نقاط عرضية والوقوف عندها يستدعي دراسة تحليلية ونقدية مفصَّلة للعمل ليس هذا مقامها). هذان المصدران الرئيسان اللذان ارتكزت آن عليهما في خلق شخصياتها وعرض المجتمع ونقده إضافة إلى المواضيع الأخرى التي تضمها الرواية- لا يمكن أن نُوعز فكرة العمل وإلهامه إليهما بالكامل فكما تقول كاتبة سيرة آن برونتي وينفريد جيرن: “لم تكن رواية نزيلة قصر ويلدفيل مجرد دراسة عن شخصية فاسقة (شخصية هنتنغتن زوج هيلين) بل تقديم لمجتمع فاسق، ولا يمكن تعريف شخصيات الرواية بأنها تصوير لشخص محدد أو مجموعة أشخاص عرفتهم آن، لكن -وبوضوح- لأصولهم التي كانوا أبعد من أن يبحثوا فيها، إن عالم غراسدايل (حيث عاشت هيلين مع زوجها سنوات زواجها) هو في الأساس البيئة الاجتماعية لقصر ثورب غرين”. لا ينفع القارئ الوقوف كثيرا على نقاط التشابه والتقاطع ما بين حياة آن ومن عرفتهم وبين الرواية وشخصياتها إلا في التحليل المفصّل كما ذكرت آنفا1. 

إنَّ رواية نزيلة قصر ويلدفيل واحدة من بواكير الأعمال الروائية النسوية، فمواضيعها المتنوعة التي تركزت حول شخصية البطلة هيلين منحت زخمًا كبيرًا للكثير من القضايا النسوية في المجتمع الإنجليزي في وقتها، وسلَّطت الضوء على الكثير من المفاهيم مثل عمل المرأة، واستقلالها المادي، وأدوار النوعين (الجندر)، والعنف الأسري، وترك المرأة لزوجها، والزواج الإجباري، وانعدام ذات وخصوصية الزوجة، وتكريس حياتها لخدمة زوجها وسعادته، إلخ، ونُوقِشت هذه المواضيع جليا في العمل ضمن متن الأحداث الواردة فيه. ولا نحصر مواضيع العمل في الجانب النسوي فقط، بل ضمَّ كذلك مواضيع مهمة أخرى مثل تربية الأولاد والبنات والتفريق بين تربية الاثنين، التي كان لهيلين رؤيتها المخالفة لرؤية المحيط في نظامه التربوي المُفرِّق بينهما، وحال المجتمع الفاسق المتهتك وعلاقات أفراده المتضعضعة، والخيانة الزوجية، والعلاقة الزوجية السيئة ،والحب، والأمومة. كما يمكن ضم الرواية إلى أنواع مختلفة من بينها الرواية الاجتماعية، ورواية الأفكار عبر طرحها ونقاشها للأخلاق والدين والفضائل فضلا عن رواية رسائلية ورواية يوميات. هذا الثراء الموضوعي توزع في أجزاء الرواية الثلاثة، وتناوب كل عرض مواضيع معينة من القصة التي امتدت لأكثر من أربعمئة صفحة، وتميّز كل جزء بسارد خاص وأسلوب سرد مختلف وزمان ومكان خاصين به. لنقف أمام عمل متكامل ومميز في بنيته وسرده. 

يُسرد الجزء الأول من العمل في رسائل يكتبها جيلبرت ماركهام إلى خطيب أخته هالفورد، ويقص في هذه الرسائل حال هذه السيدة الغريبة “غراهام” التي حلّت في بلدتهم وسكنت في قصر قديم “ويلدفيل هال” يعود إلى الحقبة الإليزابيثية، والذي لم يُسكن منذ سنوات عديدة، وشغلته مع ابنها “آرثر” وخادمتها “راشيل”. وبعد بداية قوطية حول هذه السيدة التي بدا عليها أنها أرملة شابة وغامضة، يبدأ سكان البلدة ومن بينهم جيلبرت وأمه وأخته في التعرف على هذه السيدة وتكوين علاقات معها، لكن طبيعة هذه السيدة الحذرة والمنعزلة والمتكتّمة، وتواصلها اللافت مع فريدريك لورانس (أحد سكان هذه البلدة ويُكشف عن قرابته بها في الجزء الثاني) يثير الشائعات حولها وماضيها يصل إلى التشكيك بأخلاقياتها، ينبري ماركهام في الدفاع عنها وعدم تصديق ما يقال عنها، ويقع تدريجيًا في غرامها. تعمل السيدة غراهام في رسم اللوحات لكسب قوت يومها لتعيش في هذا القصر الذي هُجر طويلًا، لكنها تضيق ذرعًا بتدخلات أهل البلدة، ثم اهتمام جيلبرت بها واعترافه بحبه لها، لتكشف له عن حقيقة شخصها وماضيها وما مرت به حتى انتهى بها المطاف هنا. 

الجزء الثاني من العمل، تتولى فيه هيلين هنتنغتن (السيدة غراهام اسم مستعار لها بعد هروبها من زوجها) سرد قصتها في يومياتها في السنوات التي سبقت قدومها لتسكن في قصر ويلدفيل (استرجاعية للأحداث الماضية) التي أعطتها لجيلبرت كاشفة له هُويتها وحياتها الماضية. ينقلها جيلبرت كما هي في رسائله إلى هالفورد إلا أنه لا توجد إشارة إلى هذا النقل لأن الصوت السردي صوت هيلين والأسلوب السردي هو اليوميات، ويغيب جيلبرت عن هذا لكنه يحضر قارئا لهذه اليوميات، والقارئ العادي وخطيب أخته هالفورد يقرآها بقراءة جيلبرت لها (قراءة ضمنية داخل قراءة ضمنية؛ يغيب الوسيط “جيلبرت” بل تصبح قراءته وقراءة هالفورد وقراءة القارئ متزامنة وواحدة). يمثل هذا الجزء من الكتاب القسم الأكبر من العمل، وفيه تدور أغلب مواضيع الرواية المهمة والرئيسة، فبعد بداية زواج ظنته هيلين سعيدًا ينقلب عليها وبالًا في أكثر من خمس سنوات من المعاناة. تحاول خالتها رفض زواجها من هنتنغتن محاولة تبرير اعتراضها بسوء سمعته وسلوكياته الفاسقة، لكن هيلين ترفض ما يُشاع عنه وتصرُّ على زواجه (نرى في هذا الإصرار على الزواج ورفض ما يُقال عنه- ذات السمة حين أصرَّ جيلبرت على رفض ما أُشيع عن علاقة السيدة غراهام ولورانس فريدريك وما قيل عنها وبقي متمسكًا برأيه بشأنها ودفاعه عنها وسمعتها وأخلاقها). لا ينفك تطور شخصية هيلين بتقدم الأحداث وتعددها وتنوع مواضيع الراوية بل نلتمس في قراءة هذا الجزء بأحداثه المأساوية التي أصابت هيلين تطور شخصيتها سُبكت وحُبكت على نحو متقن جدا ما بين “أحبه (تقصد زوجها هنتنغتن) وأكرهه”. تمر شخصية هيلين خلال هذه السنوات ما بين حياة العزوبية والزواج والهروب والترمل والزواج مجددا بمراحل مختلفة ومتعاقبة، تخلق من هيلين هيلينَ أخرى، هي في النهاية نتاج للمجتمع الفاسق الذي عاشت داخله في غراسدايل والمعاناة والمأساة والأخلاق والقدر والدين: 

عزباء متحمسة لإصلاح زوجها

تمثلت المرحلة الأولى في شخصية هيلين في كونها عزباء غريرة وقعت في غرام هنتنغتن ورضيت به على الرغم من سمعته وسلوكياته التي شاهدت بعضها لأنها أحبته وطمحت لإصلاحه مفرطة التقدير بقدرتها ومخدوعة بكلامه المعسول ووعودها المُلونة “لو تتحدثين معي كل يوم سأتحول إلى قديس” هذا القديس الذي سيكشف عن قدسيته المريعة والشنيعة بعد الزواج. 

 زوجة تحاول إرضاء زوجها وإصلاحه ثم الصِدام والصبر عليه

بعد الزواج تتكشَّف لهيلين مساوئ زوجها وسلوكياته اللا أخلاقية وإدمانه الكحول ولقاءاته مع مجموعته المتهتكة، ويتضح لها أن مساعيها وإنْ تكاثفت فهي فاشلة، وأن زوجها لا يطمح لإصلاح نفسه، ولا يستمع إليها إلا من أجل إسكاتها والتخلص من مواعضها التي يضيق بها ذرعا. 

أمٌّ تلتهي بابنها ثم تحاول تقبل زوجها

تشهد المرحلة الثالثة من تطور شخصية هيلين منعطفًا مهمًا بعد أن تصبح أمًا، فالأمومة تحوّل اهتمام هيلين وانشغال فكرها من زوجها الميئوس منه إلى ابنها، ثم تقبل زوجها كما هو لتعلن عن أول فشل وخيبة أملها سعت لأجلها قبل وأثناء زواجها. 

اكتشاف خيانة زوجها له ومصارحته بالأمر

أماطت خيانة زوجها اللثام عن هيلين جديدة، هي الطور الأهم من أطوار شخصيتها في حياتها، لتظهر بهيئة قوية وصلبة لا تُبدي ضعفها قُبالة أي أحد وتعيش حياة منفصلة مع زوجها في زواج ظاهري حسبُ تحت سقف واحد. يُسدل الستار عن مرحلة تهتك سري عمل هنتنغتن على إخفائها عن زوجته وليبدأ الآن -بعد معرفتها بخيانته لها ومصارحته بالأمر- فصلٌ جديد من هذه العلاقة المشؤومة ما بين الاثنين سعى فيها زوجها إلى الإساءة لها بقدر الإمكان فتواجهه هيلين بجَلَد وصبر وثبات. 

رفض الخيانة والتمسك بأخلاقها وقيمها ودينها المسيحي وتعالميه

لم تضعف الخيانة وانفصال الحياة الزوجية بين الاثنين القيمَ والأخلاقَ التي اعتنقتها هيلين، فالتقوى والإيمان المسيحيان يلعبان دورًا مهمًا في كونهما سلوى لمصابها يدعمانها في هذه المرحلة العسيرة من حياتها وكذلك ترسًا صلبًا يحميها من الغواية والانحدار الأخلاقي والقيمي للانتقام من زوجها، فهي على الرغم من كل هذا لا تفكر بالانتقام من زوجها عبر الخيانة وتعلل هذا “لن يجعله أفضل وسيجعلني أسوأ”.  

التخطيط للهروب وحماية ابنها من تأثير والده المتعمّد ومجتمعه المتهتك

بعد أن تضيق بها الحياة مع هذا الزوج ذرعًا فإن الطور المهم الثاني في شخصية هيلين متمثلٌ في محاولة إنهاء هذه التعاسة والبؤس الذي تعيشه، ولأجل حماية ابنها في المقام الأول من تأثير والده، فكلما كبر ابنها زاد تأثير والده السيئ فيه، وتفاقم همها وتضاعف قلقلها لتلفي نفسها لا خيار أمامها سوى الهرب من هذا الجحيم الذي تعيشه. 

حياة ما بعد الهروب

في هذه القسم الأخير من يومياتها، والجزء الثاني من الرواية الذي يتصل ببداية الجزء الأول، ويسرده جيلبرت في رسائله لخطيب أخته، تترسم آخر ملامح تكامل شخصية هيلين، فخلال بضع سنوات، تتحول من شابة ثرية غريرة محبة يملأها ويدفعها طموح إصلاح حبيبها وزوجها وسحبه من عالمه إلى أم عزباء وامرأة مستقلة تعيش في فاقة عركتها الحياة وتعتمد على نفسها في جني قوتها وتربية وحيدها. 

في الجزء الثالث الأخير من الرواية يتولى جيلبرت وهيلين مهمة السرد في رسائلهما إلى هالفورد وفريدريك على التوالي، ويكملان فيه مُجريات الأحداث المتممة لقصة هيلين التي تعود إلى زوجها من أجل الاعتناء به بعد مرضه ثم وفاته، وما يكتبه جيلبرت في رسائله (رسائل هيلين يقرأها هالفورد والقارئ بذات طريقة الجزء الثاني عبر الوسيط -جيلبرت- الضمني) عن تصميمه وإصراره في حبه الذي ينتهي بزواجه هيلين في نهاية شجية وعاطفية حملت في طياتها الصراع النفسي والرومانسية الخالصة.

تقدم آن في هذه الرواية عملًا إنسانيًا عظيمًا موضوعيًا وجيدًا فنيًا بتقديم رؤية بانورامية للمجتمع الذي اختلطت به في ثورب غرين من عدة جوانب حياتية وفكرية وأخلاقية ودينية تمثلت في شخصيات العمل الرئيسة (هيلين وهنتنغتن وجيلبرت). وتمَّ هذا التقديم عبر شقين رئيسين من السرد بضمير الشخص الأول. فما يخص الجزئين الأول والثالث فإنهما يُسردا بأسلوب الرسائل،  الجزء الأول رسائل جيلبرت حسب، ونرى في الجزء الثالث من الرواية تمازج الصوت السردي في نسج الحدث بتوازٍ دون إخلال أحدهما بالآخر بل يتعاقبان ويتتابعان في رسائل جيلبرت إلى هالفورد وهيلين إلى فريدريك. كان الصوت السردي لكل منهما واضحًا يحس القارئ بتميّزه عن الآخر سواء من لغته أو فكره. أما السرد في الجزء الثاني الخاص بيوميات هيلين وهنتنغتن التي تدونها في أوقات متباعدة متصاعدة منذ مرحلة ما قبل زواجها وحتى فرارها. ويطبع على يومياتها سمة التحليلة للسلوكيات والعمق النفسي الذي تسبر غوره لكشف أسبابه سواء من خلال سرد الأحداث أو الحوارات. تُعرض الشخصيات جميعا عبر الساردين الرئيسين لذلك فهي تحدد القارئ بمنظار وسياق رؤية معين مهما حاول السارد الحياد في نقله وعرضه فإنه يحرم الشخصيات حرية الدفاع عن ذواتها وأفكارها وسلوكياتها، وهذا ما يجعلنا نُسلم إلزامًا بصدق السارد وما يرويه، ونأخذ به في تحليل صراع الخير والشر في العمل وعند الشخصيات، فأي ظلم قد يقع على الشخصيات أو إطراء مبالغ به فإن المسؤول الأول عنه هما هيلين وجيلبرت.

صراع الخير والشر 

إنَّ الموضوع الرئيس الذي يضم جميع أحداث الرواية مُشكَّلا إطارًا وخلفية هو صراع الخير والشر والفضيلة والرذيلة والدين والكفر، وما يتفرع عن هذه الأطراف الستّة المتنازعة من سلوكيات وأفعال وأقوال وأفكار في الرواية. تتقدم هيلين لتكون رمزَ الخير المطلق كما نقرأ هذا في يومياتها عبر ما كنَّته لزوجها قبل زواجها من محاولة إصلاحه ثم نصحه والصبر عليه بعد زواجها إلى أن وصلت إلى مرحلة التسليم ثم الصدمة باكتشاف خيانة زوجها لها، وإصرارها على أخلاقياتها في وجه الإغواءات رافضة الاستسلام له وسيلةً للانتقام، ثم هربها فعودتها لنجدته وإعانته في مرضه المُميت. تسرد وتبرر هيلين كل أفعالها وأفكارها ومعتقداتها في يومياتها ثم في رسائلها لأخيها، هذه الخيرية والإنسانية مُزجت بإيمانها بالرب وبالعقيدة المسيحية التي تتصارع مع قوى الشر في العمل، الشر المتمثل في شخصية هنتنغتن. إن الشرانية عند هنتنغتن متعددة الوجوه سواء في معتقداته وأفكاره وأفعاله، وتجاوزت حدودها الإنسانية المتمثلة في شخصه ليصبح رمز الشر الإنساني المطلق في صراعه مع الخير في العمل، وحلبة الصراع هي الحياة الزوجية. يأخذ مسار الصراع نمطًا اعتياديا تمر به هيلين وهنتنغتن، وتكون الغلبة في صالح هنتنغتن في المراحل الأولى حتى الوصول إلى مرحلة الذروة ثم تبدأ قوته بالانخفاض تزامنا مع صعود قوى الخير المتمثلة بهيلين التي تنتهي بانتصارها وخلاصها. لكن هذا الصراع هو معركة شرسة حيث حرب الأفكار والأفعال والمقاومة بين جميع القوى المتضاربة، وثمة المصرُّ على أفعاله وثمة المتردد الذي يأخذ جانب الخير مرة والشر في أخرى، مما يعطي للعمل زخمًا قويًا وتشعبًا في الرؤية لا يتمثل في القوى الكبرى حسب. لا يقتصر الأمر كذلك على الشخصيات الرئيسة بل وكذلك على شخصيات دون رئيسة مثل أنابيلا وجيلبرت في هذا الصراع وثانوية مثل لورد بورو وهارغرايف، وكذا الأمر في تعدد حلبات الصراع وإن كانت حلبة الحياة الزوجية هي السائدة، منح هذا التعددُ صراعَ الخير والشر توازيًا في قواه في الوقت الذي لا يشهد تغليب طرف على طرف بالكامل وإن انتهى بموت هنتنغتن وزواج هيلين مرة أخرى، لكن هيلين لم تستطع أن تُعيد هنتنغتن إلى جادة الصواب حتى في فراش موته، وسقطته وتدهور صحته ليسا بسبب هيلين بل القدر المكتوب سلفا. ونشهد عدم تغليب نوع على نوع في الخير والشر وإن تمثل طرف الخير الرئيس في شخصية الأنثى “هيلين” والشر في شخصية الذكر “هنتنغتن” فارتدت هيلين ثوبًا ملائكيا وهنتنغتن ثوبًا شيطانيًا وبقيا في احتدام مستمر حالف القدر هيلين في صراعها وحياتها في آخر الرواية.

_____

1-  نرى انقسام شخص وحياة برانويل برونتي في عدة شخصيات في العمل، فالجانب المتهتك والفاسق والمنحل وإدمان الخمر نجده في شخصية هنتنغتن، وكذلك ساهم شخص إدموند روبنسون (الذي عملت آن لديه خمس سنوات) ومجتمعه في خلق هنتنغتن، والجانب المحب والمولع بإخلاص من شخص برانويل للسيدة روبنسون في شخصية جيلبرت ماركهام الذي أحبَّ هيلين بعد تركها ثم بقاؤه مخلصًا في حبها ومنتظرًا إياها حتى تزوجها بعد وفاة هنتنغتن، وهنا المفارقة أن برانويل لم يتزوج السيدة روبنسون (تزوجت آخر بعد وفاة زوجها) بل إن عدم قدرته على زواجها والمشاكل التي واجهته والعراقيل في مسعاه هذا أودت به إلى الإفراط في التهتك وإدمان الخمر والأفيون ثم الموت بعد تدهور حالته الصحية. أما شخصية هيلين ولا سيما في جانبيها الأخلاقي والديني فهما مستمدين من شخص آن والتزامها الأخلاقي والديني المسيحيين وكذلك من حياة السيدة روبنسون. لذا يمكن -وبالرجوع إلى قول وينفريد جيرن فإن شخصيات قصر ويلدفيل- القول إن شخصيات العمل هي خليط من أشخاص عرفتهم آن وتخيّلتهم بعد صهرها معارف حياتها وعملها في بوتقة واحدة ثم استخلصت شخصيات متنوعة من هذا الخليط الذي مرَّ بها في حياتها. 

تتعدد البحوث والكتابات حول جذور هذه الشخصيات، وكذلك فيما يخص العمل نفسه الذي أُهمل كثيرًا ولم ينل حظه من المكانة والشهرة لحساب أعمال أختيها لأن عديد النقاد قالوا إن العمل لم يقدم شيئًا أفضل من رواية إميلي “وذرينغ هايتس” المنشورة في عام 1846، ورواية شارلوت “جين إير” المنشورة في ذات السنة، بل وذهب بعضهم إلى أن آن أخذت من روايتي أختيها في بناء روايتها (ثمة بعض التشابه بين جين إير وهيلين). هذا العمل الذي مقتته شارلوت لأسباب تخص موضوعه ووصفته بأنه “غلطة بأكلمه” بل ولم تمنح الإذن بإعادة نشره بعد نفاد طبعته ووفاة أختها.  

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى