مقدمة المترجم: مؤمن الوزان
يرتبط أدب الخيال العلمي على الدوام تقريبًا بسؤال المستقبل والبحث فيه ومحاولة الإجابة عنه والكشف عن الوجوه المحتملة التي ستتحدَّدُ وفقًا لها معالم الغد في خضمِّ التطورات العلمية والبشريّة الهائلة التي غالبًا ما ترتبط بنظرة سوداوية في عالم الانحطاط والرذيلة “الديستوبيا”. تُشرع رواية الخيال العلمي أمام قرَّائها بابًا كبيرًا تقبع خلفه دُنيا أخرى، دُنيا لم تأتِ بعد وقد لا يتمكَّن القارئ المعاصر لها أن يعيشها ويحظى بتجربتها من حسن حظه أو سوئه فهذا ما لا يمكن أن يقرَّر ما دامت المفاهيم والرؤى مستمرة التغيّر كأي شيء يتغير في هذا العالم كما يُبيّن هذا النوع الأدبي، ففكرة التغيّر الجذري الدائم والتحوّل المستمر هي المُنطَلَق لهذه الرواية. فما الذي يحاول أن يقوله ويلز، وهو من أبرز روَّاد رواية الخيال العلمي في العالم، في روايته “النائم يستيقظ”؟ كتب الإنجليزي هربرت جورج ويلز هذه الرواية في عام 1898، وهي واحدة من بواكير أعماله، ونشرها بعد عام بعنوان “حين يستيقظ النائم” وأجرى تعديلات عليها في الطبعات اللاحقة من بينها تغييره العنوان إلى “النائم يستيقظ”. تسافر الرواية إلى المستقبل لرؤية العالم القادم الذي حلمت به شخصية القرن التاسع عشر أو إنسان القرن التاسع عشر الإنجليزي لكنه عالم مختلف جدًا عما توقّعه فالواقع الجديد خاضعٌ لاحتكار قلّة يديرون العالم عبر شركات خاصةٍ ويسيطرون على الحكم والسياسة والاقتصاد والمجتمع والتعليم والصحة والأفكار والموارد والأمن وبيدهم القوة العسكرية ويُخضعون الناس لقوانينهم لا سيما قوانين الأعمال التي تحدد مداخيلهم ومصاريفهم وأساليب عيشهم. إنَّه مجتمع العمل والأكل والنوم، لا يخرج الإنسان فيه من حدود هذا المثلث لا لعدم قدرته على الخروج لكنه يُدجَّن على هذا النمط الحياتي ويُسلب الإمكانيات الماديّة التي تُعينه على ذلك ليبقى دائرًا كالفأر على العجلة. يعبث ويلز بعالمه المتخيَّل وأناسه حين يجلب لهم بطله، غراهام، من الماضي بقدوم طال انتظاره، ومع كل التقدُّم والتغيُّر والتحوُّل ما زال أناس ويلز المستقبليون ينظرون إلى الماضي وغراهام السيِّد الذي عقدوا عليه آمالهم وانتظروا منه خلاصهم من حياتهم المريرة ومعدومة الغاية. من المحتمل جدًا أنَّ هذه الرؤية أثارت استغراب أو نفور القارئ لها في وقتها، لكننا في القرن الحادي والعشرين نرى كيف تحققت الكثير من سمات هذا العالم التي يُخطئ ويلز في تقدير زمن وقوعه إذ أتى قبل المُتوقَّع. تطرح الرواية أفكارًا كثيرة يستدعي الحديث فيها صفحاتٍ عديدة وليس مقامها هذه المقدمة التي أرغب أن تكون تمهيديّة تشويقية للعمل لا أكثر لكني أجد نفسي مضطرًا للتنبيه على وعورة السرد واللغة في هذه الرواية، اللذان هما جزء من طبيعة العالم المستقبلي الذي تطرحه الرواية لذا فلا بد للقارئ أن يطيل من نَفَسه القرائي ولا يستسلم على أسوار هذه الرواية فالأطروحة فيها جديرة بالتأمل والاعتبار لا سيما وأنها ذات تشعبات سياسية واقتصادية واجتماعية وفلسفية وفكرية ولغوية ودينية وعُمرانية ومعمارية ومواضيع أخرى سيجدها القارئ، والوقوف على فكرة واحدة من أفكار ويلز المذكورة في الرواية وأخذها بالدرس والاستقراء يفتح مجالًا واسعًا في فهم عالم اليوم. كما لا بد أن يبقى شاخصًا في ذهن القارئ أثناء قراءته العمل أنَّه كُتب قبل مئة وعشرين عامًا تقريبًا.
نظرًا لتعدد الطبعات المختلفة لهذه الرواية فقد اعتمدت على الطبعة الأخيرة الصادرة في عام 1924، وهي طبعة أتلانتا، والمنشورة أيضًا من كلاسيكيات بنغوين عام 2005 والمزوَّدة بتعليقات باتريك برندر التي أضفتها في هذه الترجمة لتوضيح بعض ما ورد في النص.
يمكنكم الحصول على نسخة من الرواية من منشورات جدل في الكويت أو عبر حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي.