
جرمانيا واحد من الكتب التراثية المهمة والقليلة التي خُصّت بها منطقة جرمانيا في شمال أوروبا، كتبه المؤرخ الروماني الشهير تاسيتوس، مع كتابه الآخر عن حياة يوليوس أغريكولا Agricula، في سني 79-98م، وهما أول عملين لتاسيتوس. أشاد المؤرخون اللاحقون والدارسون في حقل التاريخ بتايستوس وأعماله، ونال عندهم منزلة رفيعة.
امتازت علاقة الرومان والجرمان في بلاد الغال بالاضطراب والخصومة والعداء، وتمكّن الرومان من كبح جماح الجرمان غير أنّهم لم يستطيعوا المحافظة على ذلك. وكانت معركة تويتوبورغ Teutoburg battle موقعة شهيرة بين الملّتين في سنة 9م، انتهت بانتصار ساحق للجرمان على ثلاثة فيالق رومانيّة، وقُتل ما يقارب عشرين ألف جندي رومانيّ. يذكر المؤرخون أنَّ بعد هذه المعركة لم تقم للرومان قائمة في بلاد الجرمان، وجعلتهم ينكفئون إلى حدودهم دون السعي المحموم إلى توسعة نفوذهم ومدّ حدودهم إلى مناطق الجرمان الخطرة، والتي صار لها، لا سيما غاباتها، رهبة في نفوس الرومان لم تكسر بعد الهزيمة.
يقدّم تاسيتوس في كتابه الصغير، جرمانيا، توثيقا لجرمانيا وأقوامها، منطلقا من منهجه التاريخيّ القائم على ثلاثة محاور رئيسة هي أصل الشعب، وعاداته، وموقعه الجغرافيّ، لذا كانت مواضيع كتابه، الموزع على فقرات مرقّمة، هي الجرمان، حدود جرمانيا، أصول الجرمان، عادات الجرمان العامة والخاصة، قبائل الجرمان الأخرى.
يعامل الكتاب غالبا معاملة أدبية لأسلوبه الرصين والبليغ، ومعلوماته التاريخية ليست موثوقة ولا مصدرا معتمدا عند قسم من المؤرخين والباحثين سوى تلك التي أكدتها التنقيبات والبحوث والمصادر الأخرى على قلّتها. غير أنّه يبقى من الكتب التاريخية عن جرمانيا وأقوامها وبوابة يلجها القارئ إلى عاداتهم وتقاليدهم.
من أقواله في الكتاب:
– جرمانيا اسم أمة، لا اسم عرق، ثم استُخدم تدريجيا ليكون اسما عاما يجمع الاثنين.
– كره الجرمان أن يتزوجوا من الأمم الأخرى طلبا للعرق المائز والفريد والنقي.
– إن حافز الشجاعة لدى الجرمان في حقيقة الأمر ليس عرضيا ولا نتيجة تحشيد القوات أو اقتحام الأخطار بل من العائلة والصداقة.
– من عادتهم أنهم إذا خرجوا إلى الحرب أخذوا نساءهم معهم، فإذا كانوا على شفا الهزيمة أو التضعضع تمالكوا أنفسهم واستردوا رباطة جأشهم بتوسلات نسائهم، إذ تعرّي النساء نهودهنّ ويقلن ما أقربهن إلى الاستعباد، ويخاف الواحد فيهم على امرأته أكثر من خوفه على نفسه.
– يؤمن الجرمان أنَّ في النساء شيئًا مقدسًا أو نبوئيًّا لذا لا يسخرون من نصائحهن ولا يعرضون عن أقوالهن. وشاهدنا في ناحية ديفوس فيسباسيان امرأة تُدعى فيليدا قدّسوها عمرا كتقديسهم الألوهيّة.
– يقاتل القادة الجرمان أجل النصر، ويقاتل المحاربون من أجل قائدهم.
– لا يحبّذ الجرمان السلام، ودرب اكتساب الشهرة السهل عندهم في اقتحام الأخطار، وليس لك أن تبقي على حشد كبير من المحاربين الأتباع إلا بالعنف والحرب.
– يفرح القادة بأخذ الهدايا من البلاد المجاورة لبلادهم، ولا تُرسل الهدايا من الفرد وحده بل من الجماعة أيضا. ومن الهدايا الجياد الأصيلة واللأمات البهيّة والقلائد. وتعلموا اليوم عادة أن يقبلوا المال منا.
– للزواج حصانة وصرامة عند الجرمان، وليس لهم من خصلة يستحقون الإشادة عليها أكثر من الزواج.
– لا تجلب المرأة المهر إلى زوجها، بل الزوج من يأتي بالمهر لزوجته.
– لا يجب على المرأة أن تحسب نفسها في معزل عن طلب فضائل الرجال ولا معفيّة من مخاطر الحرب.
– تتزوج المرأة رجلا واحد، كما لها جسد واحد وحياة واحدة. وليس لها أن تشطّ بنفسها عنه في خيالها أو شهوتها، فلا تحب المرأة الزوج لشيء بقدر حبها لمنزلة الزوجة.
– كلما كبرت عشيرة الرجل، وزادت عزوته بأصهاره وأنسابه، عظمت مكانته في كهولته، ومن لا ولد له لا منزلة له.
– إذا مات الواحد فيهم، فمن المشرف أن تبكيه النساء ويتذكره الرجال.