كتبت شارلوت برونتي هذه المقدمة لروايتها الأستاذ بعد نشر روايتها شيرلي في عام 1849، وهي مثبّتة مع الرواية لكن الترجمة العربية لرواية الأستاذ لم تضع هذه المقدمة مع النص وترجمتها كاملة هنا.
“كُتبت هذا الرواية الصغيرة قبل “جين إير” و”شيرلي” وما من تساهل يُمكن أن يُستجدى بحجة أنها المحاولة الأولى. ولم تكن المحاولة الأولى بالتأكيد مثل القلم الذي كتبها وقد بُري في الكتابة جيدًا خلال السنوات الماضية. لم أكُ قد نشرت شيئًا قبل شروعي بـ”الأستاذ”، لكني بذلت جهدًا كبيرًا في كتاباتٍ غيرها، مزَّقتها فورَ تأليفها تقريبا، وتخلَّصت من أي شيء بدا كما لاحظتُ سابقًا بأنه مُزخرف وذو إطناب في تأليفه، وبدأت بتفضيل كل ما كان واضحًا ومألوفًا. تبنَّيتُ في ذات الوقت مجموعة من المبادئ حول “موضوع الحدث (سلسلة من المراحل تُشكِّل الحدث)” التي من الممكن أن تُثبت عمومًا نظريًا لكن غالبا ما جاءت نتيجتها، عندما طُبِّقت، مفاجئة مُؤلِّفها أكثر من إبهاجه.
قُلت لنفسي لا بد لبطلي أن يشقَّ طريقه في الحياة كما رأيت الرجال في الواقع يفعلونها- بأن لا يحصل على شِلن واحد لم يجنه بيده، ولا أن يحظى عن طريقه الصدفة بما يرفعه إلى حياة الثروة والمكانة العليّة، وبغض النظر عن المنافسة الصغيرة التي يدخلها لا بد أن يفوز فيها بعرق جبينه، وقبل أن يتمكن من الاستراحة كما يفعل أي عاملٍ فيجب عليه أن يقطعَ في الأقل نصف “تلّة الصعوبة”، ولن يكون من نصيبه زواج فتاةٍ جميلة أو سيدة رفيعة المستوى. وكابن آدم عليه مواجهة مصير آدم المحتوم، ويستنزف في حياته كأس البهجة ذا المزيج الخفيف.
في محاولتي لنشر هذا الكتاب وجدتُ الناشرين في العموم نادرًا ما يوافقون على هذا النظام القصصي، ويفضِّلون ما كان أكثرَ تخيُّلًا وشاعرية- شيئًا منسجمًا مع خيالٍ إبداعي رصين، مع ميلٍ نحو الرثاء العاطفيّ، ومشاعرَ رقيقة وسامية وغِرَّة. في الحقيقة، لا يُمكن لمؤلف أن يعرف أبدًا مخزون الشاعرية والإحساس الكامن بين جوانحه ولا أن يشكَّ باحتواء صدره كنوزًا ثمينة حتى يحاول الكشف عن مُسوَّدة من هذا النوع. عادة ما يُظنُّ أنَّ الرجال في التجارة يفضِّلون الواقعيّ على تجربة الفكرة التي ستبدو وهميّة في الغالب: يحثُّ تفضيل حميميّ للجامح والرائع والمثير -الغريب والمُفاجئ والمُوتِّر- الأرواحَ الغوَّاصة التي تُظهر الهدوء والرزانة.
هكذا ستكون القصة، وسيدرك القارئ بأنَّ هذا ما يجب أن يصل إليه في صيغة الكتاب المطبوع، لا بدَّ أن تُقاسي هذه الرواية القصيرة بعضَ الصعوبات، وقد قاستها بالفعل. وبعد كل شيء فلم يأتِ بعد أشدُّ بلاء وأسوأ صراعٍ، لكنه سيمضي قُدما براحةٍ كابحًا الخوف وينحني قُبالة أيَّ توقّع متواضع ليقول بصوت هامسٍ حين يرفع عينه مواجهًا العامة ‘من يَعيشُ في السُّفلِ لا يخشى السقوطَ'”.
“كتبت زوجتي المقدمةَ الآنفة بافتراض نشر “الأستاذ” بُعيد ظهور “شيرلي”، ولأنها نُصحت بالعدول عن نشرها، فقد استفادت المؤلفة من هذا العمل في كتابة روايتها اللاحقة “فيليت” لكنَّ هذين العملين عمومًا مختلفان في أغلب جوانبهما، وأوصتني بعدم حجب “الأستاذ” عن الناس. ولأجل ذلك وافقت على نشرها.
أ. ب. نيكولاس
بارسونج هاورث، 22 أيلول 1856″