
المخلّص ملحمة شعرية عن حياة المسيح مكتوبة باللغة السكسونية القديمة في النصف الأول من القرن التاسع للميلاد. اعتمد الشاعر في كتابتها على قصة المسيح كما مرويّة في الأناجيل الأربعة. وكان مرجعه الأول كتاب ططيانوس الآشوري، الذي أنجز في القرن الثاني كتابا واحدا من الأنجيل الأربعة ومراده فيه أن يجمع الأناجيل برواية راوٍ واحد، عُرف باسم الإنجيل الرباعي Diatessaron، وكتبه باللغة السريانية ثم تُرجم إلى اللاتينية ومنه إلى اللغات الأوروبية. أتمَّ الشاعر المخلّص في ستة آلاف بيتٍ شعري مكتوب وفق الشعر الجناسي، وهو نظام شعريّ للقصائد طويلة، يتألفُ كلُّ سطرٍ من شطرين، يطغى على كلِّ شطرٍ صوتٌ واحدٌ يتكرر في كلمتين أو ثلاث ليمنحَ الشطرَ نَغَمًا مُعيَّنًا، وكان هذا النظام معتمدًا قبل استخدام القوافي والبحور الشعرية في الشعر الجرمانيّ والأنجلوسكسونيّ (الإنجليزي القديم). أُبدعت الملحمة، في الغالب، بطلب من الملك لويس التقيّ، ملك الفرنجة، رغبة منه في تحبيب السكسون بالنصرانيّة ومحو الكراهية من نفوسهم تجاهها، لا سيما بعد تنصيرهم بقوة السلاح إثر هزيمتهم على سيوف جيشه. والمخلّص أضخم عمل وأقدمه مكتوب باللغة السكسونيّة القديمة (الجرمانية السفلى القديمة)، وواحد من ثلاثة أعمال شكّلت باكورة الأدب الجرماني (الألماني) في الألفيّة الأولى. ذاع صيت المخلّص في ألمانيا وإنجلترا وعثر لها على مخطوطتين كاملتين في البلدين، فضلا عن مقتطعات ومقتطفات منها، حتى إنَّ قائد الإصلاح الديني مارتن لوثر احتفظ بنسخة منها، واستدلَّ بها على جواز ترجمة الكتاب المقدّس إلى اللغة المحكيّة. غير أنَّ ما أعلى ذكر هذا العمل وصنيع شاعره كان فيما أبدعه من موازنات ومقابلات بين وقائع الإنجيل ولغته وما يوازيه ويقابله عند السكسون واللغة السكسونيّة، فجعل المسيح وحياته قريبة من السكسون وحياتهم ولسانهم، فصار كأنه زعيم سكسوني، وتلاميذُه المحاربين رفاقَ الزعيم ورجاله، ويتحدثون جميعا بلغةٍ ذات معانٍ يفهمونها ودلالات يدركون مقاصدها. وليس هذا بالعمل الهيّن ولا السهل، لا سيما حين نعرف أنها كانت تُنشد في محافل القوم وحجرات الطعام والشراب وعند اجتماعهم في غير مواطن الصلاة والكنائس، فجاءت قريبة من أفهامهم وأسماعهم، وما كان المسيح غريبا عنهم ولا ابن بلاد بعيدة بل هو فيهم ومنهم. يكمن إبداع الشاعر في التوفيق ما بين النصرانية وبيئة الأناجيل وبيئة السكسون النزّاعة للقتال. وأخذ غ. رونالد مورفي في دراسته للملحمة خمسة عناصر وفّقت ما بين البيئتين هي دلالة المحارب، والمدمجات الأسطورية، والبناء الملحمي، ومفهوم السحر، ووظيفة النور. وللوقوف على أبدعه الشاعر لا بد من معرفة ثلاثة أمور قبل قراءة ملحمته، ولا غنى عنها حتى يُفهم العمل ولا يُبخس حقه عند القراءة. الأول لا بد من معرفةٍ بالنصرانية وحياة المسيح كما روتها الأناجيل حتى يُعرف ماذا غيّر وفي أي موضع عندما سَكْسَنَ حياة المسيح، والثاني لا بد من معرفة الثقافة السكسونيّة والأساطير النورديّة حتى تُفهم المزاوجة والإدماج ما بين البيئتين الفلسطينيّة والسكسونيّة في إبداع بيئة ثالثة هي نتاج البيئتين الأساسيتين، والثالث لا بد من المعرفة اللغويّة باللغة السكسونيّة وما أضافه الشاعر عند كتابة ملحمته من ألفاظ أو استعمله من كلمات ليست موجودة في الأصل لكن لا مناص من استعمالها في نصّه لإضفاء السمة السكسونيّة عليه. ليس الأمر سهل المخاض للقارئ المعاصر، وبالأخص للقارئ غير النصراني، وبالأخص أكثر للقارئ غير الجرماني أو الذي لا يتحدث لغة جرمانيّة ومن ليس عارفا أو مطّلعا على الأساطير النورديّة، فيكون مفتقرًّا إلى العدّة اللغوية والثقافيّة في إبصار مواطن قوّة الملحمة وإبداعها. لكن ذلك لا يمنع من قراءتها أو يحول دون إدراك إبداعها لا سيما أنَّ غنى الملحمة غير مقصور على سكسنة حياة المسيح وإبداع الشاعر اللغويّ بل يتّضح ذلك أيضا في أسلوبه وصياغته الشعريّة وحيويّة ألفاظه وأوصافه وبلاغته، وكيف أنّه لم يقف عند النص الأصلي بل حرَّره من قيوده اللفظيّة والأسلوبيّة، فجعله نصًّا جديدًا برواية شاعر بليغ أجاد عمله فأتقنه، وحوّل أناجيل حياة المسيح إلى قصة مروية شعرا في قطعة واحدة.
كانت كلمات المخلّص ومعجزاته نورا هاديا لتلاميذه وأتباعه، غير أنه لم يكن كافيا ليبدد ظلمات اليهود المكذّبين له. برز الصراع الملحميّ بين الحق والباطل متمثلا بالمسيح والمؤمنين به من جهة والشيطان واليهود من جهة أخرى. احتدم الصراع بين الطرفين، وكان على المسيح أن يحقق ما بُعث لأجله ويكفّر عن ذنوب أتباعه لينالهم الخلاص يوم المعاد ويدخلوا في ملكوت السموات، أما أعداؤه من اليهود المكذّبين به فهم من يتحمل جريرة قتله والتآمر عليه، وسيحرمون النور يوم الحساب ولا يدخلون الملكوت بل يتعفّنون مع الشيطان في الجحيم ويحترقون في نار العذاب الأبدي.
لا مناص للراغب في قراءة هذه الملحمة من الاطلاع على الدراسة التي كتبها غ. رونالد مورفي عن الملحمة، ومنشورة في كتاب Early Germanic Literature and Culture، وقد ترجمتُها وأنشرها قريبا. وترجم مورفي الملحمة أيضًا. تُرجمت الملحمة أكثر من مرة من بينها ترجمة ماريانا سكوت، حافظت فيها على إبداع الشاعر اللغويّ واللفظيّ بما تسمح فيه اللغة الإنجليزيّة وتتيحه لها وتتشاركه مع اللغة السكسونيّة القديمة، وساهم في إضفاء سمة السكسونيّة على النص الإنجيليّ. وقد أحصيت بعض هذه الألفاظ ذات الدلالة الثنائية، الإنجيلية والسكسونية، مثل:
Mid-world: الأرض الوسطى، وهذا لفظ من الأساطير النورديّة يشير إلى عالم البشر، وهو الميدغارد في شجرة العوالم التسعة.
Hel: الجحيم، وهذا لفظ من الأساطير النورديّة يعني عالم الأموات وهو أيضا اسم إلهة عالم الأموات، وإنْ حوّلته المترجمة إلى Hell، أي الجحيم لتقارب اللفظين في المعنى، لكنه Hel في الأصل.
Runes: وهذا لفظ من النورديّة يعني الأسرار، واستخدم لوصف العلامات المستعملة في الكتابة الرونيّة. واستعمل في المخلص بمعنى تعاليم العبادة والصلاة، وهي كأسرار الجرمان السحرية في علاقتها بالإله والرب.
Land: استُعمل هذا اللفظ مع اسم مدينة مثل Galilee-land أي بلدة الجليل، على العرف السكسونيّ والإسكندنافيّ في تسمية البلاد. واستعمل land- Folk بمعنى الشعب أو أهل البلد.
Burg: لفظ يعني القلعة، ومن يولد في القلعة عند السكسون يكون أعلى شأنا من غيره. واستعمل في الملخص مع بلدات مثل بيت لحم.
Warrior: استعمل هذا اللفظ، ويعني محارب، لوصف الرجل، وهذا أيضا لأن غالب السكسون محاربون، وهنا مزاوجة في بيان أن علاقة الحواري بالمسيح هي بمنزلة علاقة المحارب بزعيمه. فضلا عن استعمالها في مواضع أخرى مثل محارب الكلمة والحكمة، فلا تختلف معركة الإيمان عن معركة السنان.
Mead: البتع، وهو شراب الجرمان من خمر العسل، وقام مقام الخمر.
Ring-giver: مانح الخواتم، كناية عن كرم الزعيم أو الملك عند السكسون والجرمان.
Thane: لقب سكسوني للرجل الذي يملك أرضا يُقطعها إياه الملك. واستعملت أيضا مرادفتها Earl وتعني السيد أو ذا منزلة رفيعة.
Lo: اسم صوت في السكسونية بمعنى استمع وأنصت. وافتتحت به قصيدة بيوولف الأنجلوسكسونيّة، وفي قصيدة نبوءة العرافة الآيسلندية فإنها تطلب الإنصات من المستمعين.
Helmet of magic: قلنسوة أو خوذة الإخفاء، وهي من الثقافة النورديّة إذ يختفي من يلبسها واستخدمت لوصف خفاء الشيطان عند اقترابه من الإنسان. وورد ذكر عباءة الإخفاء في نشيد النبيلونغ الجرماني.
Gallow: استعمال لفظ المشنقة لوصف خشبة الصليب، لأن السكسون لم يعرفوا الصلب الروماني بل استعملوا المشنقة للإعدام.
Spell: رقية أو تعويذة، وكثر استعمال التعاويذ السحرية لدى الجرمان والإسكندنافيين، والتعويذة جزء أصيل في ثقافتهم. جاء استعمال هذا اللفظ في المخلص مرادفا لمعنى المعجزة أو القول المحكم الحجة.