
مات بعثيٌّ ذات يوم. وبدلا من حرق جثته قررت أسرته، خلافا لعادة حزب البعث في حرق جثث أعضائه، أن تدفنه سرا في جنح الظلام في مقبرة الأسرة. في الطريق إلى المقبرة كان البعثيّ يأنُّ من تابوته بين فينة وأخرى. نظر أخوه مرعوبا إلى أخيه الآخر، وكان الاثنان يمسكان بطرفي التابوت الخشبي المتسخ في صندوق سيارة بيك أب موديل 90، ما زالت جديدة لم تتسخ. نظر الأخ وقال لا عليك هو يعترض لأننا لم نحرقه. أنّ التابوت كأنه يصدّق ما قيل. زال الرعب من عيني الأخ، وسكنت نفسه. أنّ التابوت مرة أخرى، فلم يأبه الأخ وأشعل سيجارة حتى بلغت السيارة المقبرة. شرع الأخوان ودفّان في حفر القبر، وكان التابوت يأنّ، نظر الأخ الأول، بعد أن أدرك السر، إلى الدفّان وقال يريد أن نحرق جثته مثل رفاقه من أعضاء الحزب. نكس الدفّان رفشه في الحفرة، وما زالوا في أولها، ونظر إلى المتكلم مذهولا، وقال تريدان أن تدفنان العضو في المقبرة مع الناس؟ استفسر الأخ الثاني وما الضير في ذلك؟ سيزعج الأموات ويبدأ بكتابة التقارير. حدث أن دفنت قبل سنتين أحد الأعضاء، جاءت به أسرته، وكان الأموات يصيحون في الليل لأنه يكتب التقارير عنهم لشيطان المقبرة، ثم يأتي هذا ويتبول عليهم في الليل، ويقيم حفلاته فوق رؤوسهم فيمنعهم من الرقاد. قال الأخ الثاني لا عليك فأخي عامل تنظيف وليس كاتب تقارير. خرجت آه متفهمة من الدفّان الذي تناول رفشه وعاد إلى إكمال الحفر.
في القبر استيقظ البعثيّ على صوت رجلين يوقظانه ويهزّان كتفيه، فتح عينيه متفاجئا وأجاب نظفت الغرف سيدي. التفت كل رجل إلى صاحبه متفاجئا، ثم أخرج كل واحد سجلا كبيرا وقلما. سأل الأول من ربك؟ جحظت عين البعثيّ إذ داهمه السؤال، لكنه تمالك رباطة جأشه وأجاب بصوت جهوريّ صدام حسين سيدي. دوّن الثاني الجواب في السجل. سأل الأول ما دينك؟ أجاب البعثيّ وقد تملكته الثقة بالنفس تعليمات الحزب سيدي. دوّن الثاني الجواب. سأل الأول من نبيّك؟ احتار البعثي عندما سمع السؤال، فلم يعرف من نبيّه، وشك أن في السؤال حيلة، لكن لم يجد من بد دون أن يفرك شاربه ويقول صدام حسين سيدي. دون الثالث الجواب. ثم أغلق كلا الرجلين سجله ووضعه جانبا، وتناول عصا غليظة برأس حديدي. ارتعب البعثي من العصوين، ولم يكتمل الرعب في صدره حتى قرعه الثاني على صدره. صرخ البعثي متألما وصاح والله أني مو إيراني ولا فرَاري سيدي. وقرعه الأول قرعة على رأسه، وانهال الاثنان ضربا والبعثي يصرخ. في القبور المجاورة صحا الأموات على الصراخ، وعلّق شيخ قائلا هم رجعنا لكلان الخرة وية البعثية!
في طريق العودة سأل الأخ الأول أخاه أن يناوله سيجارة بعد أن عصر علبته وقذف بها. أشعلها واستنشق نفسا ونفثه في الظلام. قال بعد هنيهة ليلة مظلمة حندس. ابتسم الأخ الثاني في الظلام دون أن يرجع جوابا.