شرق المتوسط – عبد الرحمن منيف
تعد هذه الرواية إعادة تأسيس لروايات أدب السجون العربي، وصرخة تجاه الظلم الذي يتعرض له المعارضون السياسيون في سجون الحكومات العربية، وهي تُخلّد مرحلة خطرة في تاريخ الوطن العربي والأنظمة القمعية الدكتاتورية التي أخضعت الشعوب العربية لها بالنار والحديد، وفتحت الباب للروائيين اللاحقين في الكتابة عن هذه القضية، وكسر تابوهات السلطة وجرائمها ضد كل من يعارض سياساتها. الرواية الصادرة سنة ١٩٧٥، في المرحلة التي لحقت إنهزام العرب أمام الكيان الصهيوني سنة ٦٧، لحظة الشك القومي لدى العرب وما جرته تلك الهزيمة من ويلات، وكذلك عناد السلطات العربية وتشبثها بالحكم، وقمع وإبادة كل من يقف بوجه سياساتها التي أخضعت الأمة لأعدائها وكسرت الشعوب، ومزّقتهم، فكانت هي المعول الذي يُحطمون فيه البيت العربي. يمثل رجب، أحد ضحايا الأنظمة العربية القمعية، التي تلاحقه لتعتقله بعدها، ويتعرض داخل السجن لشتى أنواع العذاب ويُقاسي مرارته، ويُعامل بمعاملة تُنافي حقوق الإنسان، وأي حقوق سيحصل عليه العربي إذا دخل هذه السجون، ولا يقتصر الأمر على السجين السياسي أو المتهم فقط، فعائلته ومن يعرف يكونون كذلك في خطر الملاحقة والاعتقال، وقد يستخدمون كذلك نوعًا من الضغط عليه، ولا يهم إن كان بريئًا أو متهما المهم أن يعترف بما يُطلب الاعتراف منه.
لا يُسلط منيف الضوء في الشرق المتوسط على التعذيب الجسدي الذي يتعرض له المعتقلون، وسوء المعاملة داخل السجون حسب، لكنها تصف أيضا عملية قتل الإنسان من الداخل وتدميره النفسي، وخلق مسخ مشوّه، وتحطيمه وجعله رثًا كثوب قديم. في السجن إن لم تمت تحت التعذيب فإنك ستموت كمدًا، مما أصابك ومما تجره عليك تبعات الاعتقال، وما قد يُصاب به من تحبهم جرّاء فقدانك. إن الموت النفسي لهو أخطر ما يواجه هؤلاء المعتقلون بعد خروجهم من السجن، وصراعهم مع الماضي الذي سحقهم بين رحاه، وبعثهم أمواتًا غير أحياء. لا تخص الشرق المتوسط بلدًا دون آخر، فهذا الكاتب المناضل الثوري، عركته الحياة، وفهم هذه الأنظمة وعرف كيف يُديرها القادة ومن دونهم من جلاوزة النظام وزبانية السلطة، بل هي للوطن العربي بدول شرق المتوسط وجنوبه، فالنظام القمعي واحد، ودكتاتورية السلطة ذاتها، والمعارض ومن يقف بوجه هذه الحكومة يناله المصير ذاته. والعجيب في الأمر رغم مرور أربعة عقود على صدور الرواية، ما زالت الأمة العربية تُقاسي الأمرين تحت نفس الأنظمة الدكتاتورية، وإن ذهب نظام جاء ما هو أعتى منه وأسوأ، وما زال المعارضون ومن يفكر بقلب نظام الحكم والخروج عليه تناله العواقب نفسها، حيث لا صوت للشعب، ولا مستقبل واضح الملامح له في ظلال هذه الأنظمة.