اهتمَّ الآيسلنديون بعد قرنين من استيطان آيسلندا بتدوين موروثهم الشفوي من معارف وحكايات وأساطير وقصائد، وأبدعوا نوعا أدبيا تفرّدوا به هو السيرة الملحميّة Saga، نص نثري تتخلله قصائد، يروي قصة ويوثّق حقبة، ويمُزج فيه التاريخ والتخيّل والإرث الشفوي والإبداع الكتابيّ، مجهول الكاتب -أو الكتّاب-. ألّفت أغلب السير ما بين سني 1250-1150، وتنوّعت مواضيعها، وتعامل معظمها مع الحقبة الاستيطانيّة وما تلاها، فبرزت منها سيرة العائلة الملحميّة التي قصّت حكاية جيل أو أجيال من عائلة ضمن إطار اجتماعي في الوطن الجديد. وظهرت أنواع أخرى منها سير الملوك والأساقفة والسير الأسطوريّة. كانت سيرة النصرانيّة إحدى السير التي كتبت في آيسلندا، ويرجع تاريخ مخطوطتها إلى منتصف القرن الثالث عشر ما بين سني (1237-1250)، ويمكن إدراجها ضمن سير تاريخ البعثات التبشيرية أو تاريخ الكنيسة وهي أقرب ما تكون إلى كتب سير القديسين. تروي هذه السيرة بداية وصول النصرانية إلى آيسلندا في القرن العاشر بأسلوب قصصي بدأ مع رجل اسمه ثورفالدر ودعا إلى المعتقد الجديد وبنى كنيسة، وكانت له معجزات أثبت فيها صواب دينه مثل فلق الصخر بعد تلاوة ترانيم عليه، وحرق رجال بالنار بعد مشيهم عليها بعد أن كانوا لا يحترقون إذا مشوا عليها. وواجه الدين الجديدكأي دين جديد حربا فحاول الوثنيّون هدم كنيسة ثورفالدر لكنها حفظت من شرورهم حفظا سماويا إعجازيا، ولم يمكث طويلا في آيسلندا وتركها بعد أن آمن له قلة من الآيسلنديين. اقتربت قصة ثورفالدر في معجزاتها من حكايات معجزات القديسيين لكن الدين الجديد كان بحاجة إلى أكثر من معجزات حتى يعتنقه الوثنيّون. بقيت إسكندنافيا وثنيّة حتى ساهم اعتناق الملك النرويجيّ أولاف تريغفسن في انتشارها إذ أرغم الناس على الدين الجديد. تروي السيرة حكاية اعتناقه الدين الجديد بعد أن رأى على ترس ثانغبراند صورة الصليب والمسيح فسأل الملك أولاف عن الصورة فأخبره ثانغبراند بحكاية المسيح فآمن وعُمّد، وأدخل شعبه في الدين الجديد. رغب أولاف في وصول النصرانيّة إلى آيسلندا فبعث ثانغبراند ليبشّر بها ويكرز إليها فآمن له قوم ورفض دعوته أكثر الناس متشبّثين بمعتقدهم القديم. لم ينجح ثانغبراند فيما عُهد إليه، وكذلك فشل ستيفنر وأساءا الفعل في آيسلندا ولم يدعوا بالحكمة والموعظة الحسنة، وأبلغ ستيفنر الملكَ بأن هذه البلاد عسيرة على اعتناق النصرانيّة فاشتدَّ به الغضب واحتجز آيسلنديين كانوا في ضيافته غير أنّ رجلين من آيسلندا هما هيالتي وغيزور أخذا على عاتقيهما التبشير بالدين الجديد ووعدا الملك بأن يحسنا في الدعوة. ما تغيّر الأمر معهما فاعتنقت طائفة من الناس ورفضت طائفة، وبلغ بهما الأمر إلى أن اتّفقتا على الفصل ما بين قوانين الطائفتين. فطن القانونيّ ثورغير إلى ما ستجرّه هذه الفرقة في القوانين، وقام فيهم خطيبا محذّرا من مغبّة هذا الفصل الذي سيودي إلى فتنة بين الناس وتمزيق للسلم وفرقة بينهم وخصومة لن تحلّ إلا بضرب الأسياف وسفك الدماء، وأن الصواب في اجتماع شمل الأمة على قانون واحد، وهذا ما لن يكون إلا باعتناق دين واحد. فأرخى الرافضون جماحهم وازدادت قناعة المؤمنين، وأعلن عن دين الأمة الجديد في المجلس التشريعي في سنة 1000م. أعقب دخول البلاد في النصرانيّة ازدهارا تمثّل في الكتابة على أيدي رجال الدين المتعلّمين الذين كتبوا السير الملحميّة والتاريخ واللغة والشعر.