ترجمة: مؤمن الوزان
نُشرت هذه القصة في مجموعة “هكذا” (Just so) القصصية.
*
الآن، مع الحكاية التالية، وتخبرنا كيف حظيَ الجملُ بسنامه الكبير.
في بداية عصر الخَلق، وحين كان العالم جديدًا كل الجدَّة، والحيوانات في بداية عملها في خدمة الإنسان، كان ثمة جملٌ، وعاش وسط صحراء الولولة* لأنه لم يرغب بالعمل، إضافة إلى ذلك، فقد كان الجمل مولولًا كذلك. لذلك أكل الأعواد، والأشواك، والطَرْفاء، والصقلاب، وأشواك السيقان الناتئة، وغالبًا ما كان خاملًا بشكل مُستفز، وحين يكلمه أحد يقول ’سناا‘ فقط ’سناا‘ لا أكثر. جاءه الحصان ُ في صباح أحد أيام الاثنين، ويعلو سرجٌ صهوته ولجامٌ في فمه، وقال ’جمل، يا جمل، تعال وخَبِّبْ مثل بقيتنا‘.
’سناا‘ قال الجمل، وابتعد الحصان وأخبر الإنسان. أتى الكلبُ بعدها فورًا إليه، وعصًا في فمه، وقال ’جمل، يا جمل، تعال واحضُرْ واحمل مثل بقيتنا‘.
’سناا‘ قال الجمل، ثم ابتعدَ الكلب وأخبر الإنسان.
أتى بعدها فورًا الثور إليه، والمِقرن في عنقه، وقال ’جمل، يا جمل، تعال واحرث مثل بقيتنا‘.
’سناا‘ قال الجمل، ثم ابتعدَ الثور وأخبر الإنسان.
في نهاية اليوم نادى الإنسان الحصان والكلب والثور معا وقال ’أيها الثلاثة، أنا في منتهى الأسف لأجلكم (مع العالم الجديد كل الجدَّة) لكن ذاك الشيء السناا في الصحراء لا يمكنه العمل، أو قد يكون مشغولًا هنا في هذه الأوقات، لذا فسأتركه وحيدًا ويجب عليكم أن تعملوا وقتًا مضاعفًا نيابة عنه‘.
أغضب هذا الكلام الثلاثة كثيرًا (مع العالم الجديد كل الجدَّة)، وعقدوا اجتماعًا ومجلسًا عند طرف الصحراء يهذورن، وقدم الجمل يلوك الصقلاب بأكبر خمول مُستفزٍ، ضحك عليهم وقال بعدها ’سناا‘ وابتعدَ مجددًا. أتى بعدها مباشرةً الجن الحاكمُ لكل الصحاري والطائفُ فوق غيمة غبار (دائما ما يرتحل الجن بتلك الطريقة لأنها سحرية) ووقف عند اجتماع ومجلس الثلاثة.
’يا جن الصحاري‘ قال الحصان ’هل من حق أي أحدٍ أن يكون كسولا مع العالم الجديد كل الجدَّة؟‘.
’قطعًا لا‘ أجاب الجن.
’حسنًا‘ قال الحصان ’ثمة شيء في وسط صحراءك المولولة (وهو ومولول كذلك) برقبة طويلة وسيقان أطول، ولم يؤدِ أيَّ حركة عمل منذ صباح الاثنين. ولن يخبِّب‘.
’عجبًا!‘ قال الجن مصفِّرًا ’ذاك جملي، وبحق كل ذهب الأرض العربية، ما الذي قاله بشأن هذا؟.
’قال “سناا”‘ أجاب الكلب ’وهو لن يحضرَ ويحملَ’.
’هل قال شيئًا آخر؟‘.
’”سناا” فحسب، ولن يحرثَ‘ قال الثور.
’حسنٌ جدًا‘ قال الجن ’سأثير حنقه إذا ما انتظرتموني دقيقة بلطف‘.
التفَّ الجن حول نفسه بعبائته الغبارية، واتَّجه قاطعًا الصحراء، ووجد الجمل بأكبر خمول مستفز ينظر إلى انعكاس صورته في واحة الماء.
’يا صديقي المُبقْبِقُ والطويل‘ قال الجن ’ما الذي أسمعه بشأن عطالتك عن العمل مع هذا العالم الجديد كل الجدّة؟‘.
’سناا‘ قال الجمل.
قعدَ الجن واضعًا ذقنه في يده، وبدأ يفكر في سحر عظيم حينما كان الجمل ينظر إلى انعكاس صورته في واحة الماء.
’لقد أعطيتَ الثلاثة عملًا إضافيًا منذ صباح الاثنين وكله بسببك خمولك المُستفز‘ قال الجن واستمرَّ في التفكير بالسحر وذقنه في يده.
’سناا‘ قال الجمل.
’لم أكن لأقول هذا مجددًا لو كنت مكانك‘ قال الجن ’لقد كررتها كثيرًا. أيها المبقبق، أريدك أن تعمل‘.
وقال الجمل ’سناا‘ مجددًا، لكنه بعد أن قالها مباشرةً نظر إلى ظهره، والذي كان أثيرًا لديه وفخورًا به، وقد بدأ ينتفخ وينتفخ حتى صار سناا-امًا عظيمًا.
’هل ترى ذلك؟‘ قال الجن ’هذه سناا خاصتك الذي جلبته على نفسه بعطالتك عن العمل. اليوم هو الخميس، ولم تعمل منذ الاثنين عندما بدأ العمل، ستبدأ العمل الآن’.
’كيف يمكنني أن أعمل وهذا السناا على ظهري؟‘ قال الجمل.
’هنا تكمن العبرة‘ قال الجن ’وكله بسبب عدم عملك في هذه الأيام الثلاثة. ستكون قادرًا على العمل من الآن ولثلاثة أيام من دون طعام، لأنك قادر على العيش من سناا-كَ، ولا تقل أبدًا إني لم أفعل شيئًا لأجلك. اخرج من الصحراء واذهب إلى الثلاثة وتصرَّف. سنِّي- نفسكَ!‘.
وسنَّاا- الجمل نفسه، تسنين-نًا كاملًا، وابتعدَ منضمًا إلى الثلاثة. وابتدأ الجمل منذ ذلك اليوم يرتدي سناا- (ندعوه اليوم “سنام” لكي لا نؤذي مشاعره) لكنه لم يتمكن قط من تأدية أعمال هذه الأيام الثلاثة التي فاتته في بداية خلق العالم، ولم يتعلم قط كيف يتصرَّف.
*
سنام الجمل كُتلة قبيحة
نراها في حديقة الحيوان الفسيحة
لكننا سنحظى بكُتلة أقبح
إذا لم نفعل إلا القليل القليل
الصغار والكبار أيضا
إذا لم نعمل إلا القليل القليل
سنحظى بسنام مثل سنام الجمل
سنامٌ أزرق اللون وأسود
نقفز من الفراش كل صباح
برأس خالية من الأفكار
نقول هيييء ئئئئ
وبقشعريرة ووجه عبوس
متذمرين وناخرين
وقت الغسل واللبس واللعب
سيكون هناك ركن لك
وهنا ركن لي
حين نحظى بسنام
مثل سنام الجمل
سنامُ أزرقُ اللون وأسود
وعلاج هذا المرض يا أطفال
ألا تبقوا جالسين
أو حول النار مع كتاب مُتدفئين
بل أن تأخذوا المجرفة الكبيرة
والمسحاة الجميلة الصغيرة
وتحفروا حتى يسيل العَرق
لتجدوا الريحَ وأشعة الشمس الرقيقة
ويأتي معهم جن الحديقة
قد رفعوا السنام
سنام الجمل القميء
السنام الأزرق والأسود البغيض
وسأحظى بواحدٍ مثلكم يا أطفال
إذا لم أعمل إلا القليل القليل
سنحظى جميعًا بسنام
مثل سنام الجمل
الصغار والكبار أيضا
* ترد كلمة Howling وتعني الولولة إلا إن كبلنغ كما يبدو أراد استخدام هذا الاسم للدلالة على سعة هذه الصحراء لدرجة أن من يضيع فيها أو يموت مهما صرخ وبكى ولولول لن يسمعه أحد، كما تشير إحدى شروحات هذا المقطع، وهو يبدو الأقرب لي إذا ما قابلناها مع كلمة مفازة التي تطلق على الصحراء في العربية وهي تعني أنَّ الخارج منها قد فاز كما يذكر ابن الأعرابي أو أنها المَهلكة وهي من الأضداد.