قصة سيغورد قاتل التنين برواية سنوري ستورلوسن
ترجمة: مؤمن الوزان
يقصّ سنوري ستورلوسن في القسم الثاني من كتابه إيدا النثري، في الفقرات 39 -41 خبر مبدأ كنز فافنر، وحكاية سيغورد قاتل التنين وخبره مع برنهيلد، ثم زواجه غدرون، ثم خبر غدرون وأخويها غونار وهوغني، وزواجها أتلي، انتهاء بمقتل أبنائها يرب وسورلي وهامدير. تشكل هذه القصة موضوع قصائد الأبطال في كتاب إيدا الشعري، أول المصادر الراوية لها، واعتُمد عليها في كتابة سيرة آل فولسونغ الملحمية.
هنا ترجمة قصة سنوري عن ترجمة آرثر جيلكريست برودور الصادرة بالإنجليزية عام 1916، وترجمتي وإن كانت موجزة بعض الشيء فقد احتفظت بقوام القصة كاملًا، ولم أحذف منها أيّ سطر مُهمٍ بل حاولت أن أترجم كل أحداث القصة صغيرها وكبيرها، وذكرت كل الشخصيات التي وردت من دون الإخلال بأي جزء قد يفقد القصة شيئًا من بُنيتها.
فقرة 39:
يجيب الإله براغي عن سؤال آيغر عن سبب تسمية الذهب باسم “دية أو ثمن قُضاعة (ثعلب الماء)”.
كان أودين ولوكي وهونير، الآلهة الآيسر، في رحلة في ربوع الأرض حين رأوا قُضاعة في أحد الأنهار يحاول اصطياد سمكة سلمون، وسرعان ما هجم عليهما لوكي وقتلهما بضربة واحدة. ثم أخذ الثلاثةُ الصيد معهم، وأكملوا رحلتهم حتى وصلوا إلى مسكن قريب في الغابة وطلبوا من صاحبه، واسمه هريدمار، أن يبيتوا عنده ليلة واحدة، لكنه حين رأى القُضاعة معهم استصرخ ابنيه، فافنر وريغن، قائلًا قُتل أخوكما القُضاعة. ثم ركض نحو الآيسر وأمسك بهم وطلب منهم ديةَ ما ارتكبوه من جريمة قتل ابنه، أقسم له الآيسر بأغلظ الأيمان أنهم سيمنحونه الجزاء الوافي والثروة الباهظة على ما جنوه وأبرموا فيما بينهم عهدًا. طبخَ هريدمار بعدها القضاعة، ووضع جلده على الأرض، وطلب أن يُغطّى الجلد كله بالذهب جزاءً على ما اقترفوه، ولم يكن بيد أودين حل سوى أن يفي بالعهد فأرسل لوكي إلى أرض الجن الأسود للحصول على الذهب. رأى لوكي عندما وصل إلى هناك القزمَ أندفاري وهو يصطاد السمك، فأمسك به وطلب منه الذهب إذا ما أراد إطلاقَ سراحِه، منحه القزم على كرهٍ الذهب لكنه احتفظ بخاتم صغير قائلًا إنَّ بمقدور هذا الخاتم أن يُضاعف ثروته، وهو يرغب في الاحتفاظ به فرفض لوكي منحه الخاتم وسلبه منه، غير أنّ القزم أندفاري لعنَ الخاتم لعنةً تُدمِّرُ كلَّ من يحوزه. أجابه لوكي بأنَّ هذا عادلٌ حقًا ثم تركه وعاد إلى أودين وهريدمار، ولمّا رأى أودين الذهب أعجبه الخاتم فاستلَّه بُغية الاحتفاظ به، ودفع الذهب إلى هريدمار فوضعه على جلد القُضاعة كما نصَّ العهد بينهما، لكن الذهب لم يُغطِّ جلد القُضاعة كله إذ بقي موضع صغير طالبَ هريدمار أن يُغطى كذلك وإلا فإنَّ العهد بينهم ملغيٌّ، فاضطُر أودين أن يقدّم الخاتم على مضض ويفي بالعهد كاملًا. رحل بعدها الآيسر وتركوا هريدمار وابنيه مع الذهب. ولهذا السبب يُسمى الذهب بـ دية القُضاعة أو الثمن الذي دفعه الآيسر مُجبرين، أو معدن الخصومة.
فقرة 40:
أخذَ هريدمار الذهبَ ديةَ دمِ ابنه، لكن فافنر وريغن طالبا بقسمٍ من الذهب لنفسيهما. رفض والدهما منحهما قطعة واحدةً فتآمرا على قتله وحيازة الذهب وحدهما، وهذا ما وقع إذ قتلاه بعدئذ، وعندما طالب ريغن بحصته من الذهب رفض فافنر منحه نصفَ الذهب متحججًا بأنه قتلَ والدهما لأجل نفسه لا غير، وأمرَ أخاه أن يرحل وإلا سيواجه مصير هريدمار. أخذ بعدها فافنر خوذة هريدمار واعتمرها، وأخذ السيف المُسمَّى هروتي. وأخذ ريغن السيف المُسمَّى ريفيل، وفرَّ هاربًا. ذهب فافنر إلى براح غانيتا حيث اتَّخذ له عرينًا وحوَّل نفسه إلى “ثعبان” وجرمز فوق الذهب. ذهب ريغن بعدها إلى الملك هيالبريك في ثيورد، وأصبح حدَّاده، ثم التجأ إلى سيغورد، ابن سيغموند وهجورديز. امتاز سيغورد بالشجاعة والإقدام ولم يكن له مثيل بين الملوك والفرسان والشجعان. أخبره ريغن بمكان فافنر والذهب وأزَّه على البحث عن الذهب، وصنع له السيف غرامر، كان سيفًا بتَّارًا. ذهب سيغورد وريغن إلى براح غانيتا حيث مكث فافنر مع الذهب، فقاتله سيغورد وقتله ووضع يديه على الذهب، جاء ريغن إلى سيغورد طالبه بأن يكون العوض عن دم أخيه أنْ يشوي له قلبَ فافنر. عندما كان سيغورد يشوي قلبَ فافنر ضغطَ بإصبعه القلبَ ليعرفَ مدى نضجه فانبثق على إصبعه دمٌ من القلب فكوى إصبعه، فوضعه في فمه، وحينما لمس الدمُ لسانه حازَ سيغورد ملكَةَ فَهم كلام الطيور، وسمع ما كانت تقوله الطيور فوق الأشجار بأن ريغن ينوي خيانة سيغورد والانتقام لأخيه. انطلق سيغورد بعدما سمع كلام الطيور إلى ريغن وبادر بقتله، ثم امتطى فرسه، غراني، وقفل راجعًا إلى براح غانيتا حيث الذهب الذي ملأ به حقائب سرج فرسه وارتحل بعيدًا.
فقرة 41:
انطلقَ سيغورد بعدها على متن فرسه غراني حتى وصل مسكنًا في جبل كانت بداخله امرأة بخوذة ودرعٍ نائمة. استلَّ سيغورد سيفه وانتزع به درعها لتستيقظَ حينئذ، وقيل إن اسمها هيلد، ومعروفة اسم برنهيلد (حاملة الدرع)، وهي من الفالكيريات (رُسل أودين). رحلَ سيغورد بعدها حتى وصل إلى حضرة ملك يُدعى غيوكي، وله زوجة اسمها غريمهيلد، وله من الذرية غونار وهوغني وغدرون وغودني، وغوتهورم ربيب غيوكي. مكث سيغورد هناك زمنا وخطب بعدها غدرون، ثم أقسمَ مع غونار وهوغني على أخوّة الدم. رحلَ بعدها سيغورد وأبناء غيوكي إلى الملك أتلي من أجل خطبة أخته برنهيلد لغونار. كانت برنهيلد أقسمت ألّا تتزوج إلّا من يعبر بفرسه وسط النيران الملتهبة حول قصرها في جبل هيندا-فيل. توجَّه سيغورد والبقية إلى الجبل من أجل هذا الاختبار الذي يجب على غونار أن يجتازه لكنَّ فرسه، واسمه غوتي، جبن عن القفز إلى النيران، لذا تبادل غونار وسيغورد أشكالهما (بالسحر) لأنّ فرس سيغورد، غراني، لا يهاب النيران. امتطى سيغورد فرسه ونطَّ إلى النيران وتمَّ بهذه الحيلة زواج برنهيلد وغونار. وعندما نام سيغورد (كان لا يزال بهيئة غونار) ليلتها مع برنهيلد وضع سيفه غرامر بينهما، وحين استيقظ في الصباح وارتدى ملابسه منحها للذكرى الخاتم الذي أخذه لوكي من القزم أندفاري وأخذ منها خاتمًا. ثم عاد سيغورد إلى رفاقه واستردَّ مع غونار شكله ورجعوا إلى الوطن رفقة برنهيلد. أنجب سيغورد وغدرون ولدًا وبنتًا هما سيغموند وسفانهيلد.
مرَّت الأيام بسلام حتى وقعت حادثة علَّمت بداية المأساة حين كانت غدرون وبرنهيلد ذاهبتين إلى النهر ليغسلا شعريهما، وبعد أن وصلتا إلى النهر خرجت برنهيلد إلى ضفة النهر ورفضت أن تغسل شعرها في الماء الذي غسلت فيه غدرون شعرها، لأنَّ زوجها هو أشجع الرجال. لحقت بها غدرون قائلةً بأنَّ لها الحق في غسل شعرها في أرفع الجداول لأن زوجها لا شبيه له ولا نظير، فلا غونار ولا غيره من الرجال في العالم عَدْلٌ لزوجها الذي قتل فافنر وريغن واستأثر بإرث كليهما. قالت لها برنهيلد “إنَّ المسألة ليست في هذا بل في ما هو أعظمُ منه حين خبَّب غونار بفرسه عابرًا ألسنة اللهب ولم يجرؤ سيغورد على ذلك”. ضحكت غدرون على هذا الجواب وقالت “أتظنين أنَّ غونار من انطلق عابرًا النار؟ وأظنه هو مَنْ ذهب معك إلى فراش العرس، ومَنْ أعطاني هذا الخاتم الذهب، والخاتم الذهب في يدك الرقيقة، وتسلمت منه ثوب الكتّان المسمَّى “غَلَّة أندفاري”، لكني موقنةٌ أنَّه ليس غونار من حظي بالخاتم من براح غانيتا”. لم تحر برنهيلد بعد هذا جوابًا والتزمت الصمت، وعادت إلى سكنها.
حثَّت برنهيلد غونار وهوغني على قتل سيغورد لكن لأنهما أقسما على أخوّة الدم معه فطلبا من أخيهما غير الشقيق، غوتهورمر، أن يقتله. وهذا ما حصل حين أغمدَ غوتهورمر سيفَه في صدر سيغورد في نومه واستيقظ سيغورد حين أحسَّ بالجرح ورمى سيفه على قاتله وطعنه في خاصرته وقتله. ثم هوى سيغورد ميتًا مع ابنه سيغموند ذي الشتاءات الثلاثة، والذي قتلوه أيضًا. طعنت برنهيلد نفسها بالسيف بعدما عرفت الخبر وأُحرقَ جثمانها مع سيغورد، واستولى غونار وهوغني على إرث فافنر وغَلَّة أندفاري، وحكما البلاد بعدها.
تزوَّج بعد ذلك الملك أتلي، أخو برنهيلد، غدرون وأنجبَ منها أطفالًا. دعا بعد مرور سنوات الملك أتلي غونار وهوغني للقدوم إلى مملكته فلبَّيا دعوته وأتياه. لكنهما خبَّآ كنز فافنر في نهر الراين قبل المغادرة. تميَّز الملك أتلي غيظًا منهما وقاتلهما بعد أن وصلا إلى مملكته وأسرا لأنه كان يريد الكنز. طلبَ أتلي انتزاع قلب هوغني حيًّا، وألقى غونار مربوطَ اليدين في وكر ثعابين لكن قيثارة جُلبت إلى غونار سرًّا بأمر من غدرون فتمكَّن من العزف عليها بقدميه وهوت جميع الثعابين نائمةً خلا واحدة عضَّته ومات بها. وسُمي غونار وهوغني بعدها بـالنيفلونغ.
قتلت غدرون بعدها ابنيها من أتلي، وصنعت من جمجمتيهما أباريق شراب، وصبَّت فيهما شراب البِتْع (الميد) ممزوجًا بدم ولديْها وشوت قلبيهما وقدمتهما إلى الملك أتلي في حفل جنازة النيفلونغ، ثم أخبرت الملكَ بكلمات لاذعة عن فعلها إلا أنَّه هوى ورفاقه نائمين من قوّة الشراب، وعادت إليه مع ابن هوغني وقتلا الملك في أثناء نومه، ثم أحرقت القصر بمن فيه.
خرجت بعدها إلى الشاطئ وألقت نفسها في الماء بُغية الموت إلا إنَّها لم تمت وحملها الموج إلى أرض الملك يوناكر، فسرعان ما تزوَّجها بعد أن وقع بصره عليها وأنجب منها ثلاثة أبناء هم سورلي وهامدير ويرب، وكانوا ذوي شعر أسود مثل غونار وهوغني وسائر النيفلونغ. كبرت في هذه الأوقات سفانهيلد، ابنة سيغورد، وبلغت من الجمال مبلغًا لم تضاهِها أخرى من النساء، وذاع صيتُ حُسنها حتى طرق مسامع الملك يورمونريكر العظيم الذي أراد زواجها والاستئثار بها لنفسه، فأرسل ابنه راندفير لخطبتها والإتيان بها عروسًا لأبيه. رحل راندفير إلى بلاط الملك يونكار وخطب سفانهيلد، فأُعطيتْ إلى راندفير ليأخذها إلى الملك يورمونريك. لكن الإيرل بيكي كان له رأي آخر فاقترح تزويج سفانهيلد براندفير لأن الاثنين في ميعة الصبا في حين يورمونريك هدَّه الزمان وطعنه العمرُ وشاخ. عندما علم يورمونريك العظيم بهذا الخبر أمرَ بالقبض على ابنه وشنقه، وحين علم الابن بذلك نتف ريش طائره البازي وطلبَ إرساله إلى أبيه قبل أن يُقتل. عندما رأى يورمونريك الطائرَ ضعيفًا منتوف الريش لا يقوى على الطيران علمَ أنَّ هذا الطائر هو مملكته التي شارفت على النهاية إذ كان شيخا وبلا عقب. ثم خرج الملكُ إلى الغابة في جمع من فرسانه للصيد والطرد فرأى سفانهيلد قاعدة قرب ضفة تغسل شعرها فانطلقوا إليها وقتلوها دوسًا بحوافر خيولهم.
تأججت نار الثأر في صدر غدرون حين علمت بمقتل ابنتها، وأرسلت أبناءها الثلاثة لينتقموا من الملك وزوَّدتهم بشِكَّة الحرب من دروع وخوذات معدن لا تخرقه السيوف ولا تخدشه الرماح والفؤوس. ثم أرشدتهم إلى سبيل قتل الملك في نومه فطلبت من سورلي وهامدير قطع يديه ورجليه ومن يرب ضرب عنقه. وفي طريقهم إلى الملك يورمونريك لتنفيذ ما أوصتهم به أمهم سأل سورلي وهامدير أخاهما ما الذي يتوقعان منه أن يفعل إذا اجتمعا والملك فأجابهما ما تقدمه اليدُ للقدم، لكنهما أجاباه أنَّ القدم لا تنال مساعدةً أبدًا من اليد. أوغرَ الجوابُ في صدريهما حقدًا، لأنه كان أصغرهم والعزيز على قلب أمه، فتآمرا على قتله فقتلاه قبل الوصول إلى حضرة الملك يورمونريك. وحينما كانا يحثَّان الخطى إلى وجهتهما انزلقت قدم سورلي وسقطَ لكنه استند إلى يده، فقال “الآن حصحص الجوابُ ونالت القدمُ مساعدة اليدِ، إنه لمن الخير لنا لو كان يرب حيًّا‘. وجد الأخوان الملك نائمًا بعد أن وصلا إليه، وهمَّا بقتله كما أوصتهما أمهما فقطعا يديه ورجليه لكنَّ يرب لم يكن معهما ليضرب عنقه فنادى الملك الجريح أتباعَه فطوَّقوا الأخوين وقتلوهما، وبمقتلهما انقطعت سلالة الملك غيوكي، جدهما من أمهما.
تعليق واحد