سيرة هرولف الجوّال Saga of Hrolf the Ganger
سيرة هرولف واحدة من أكثر السير الآيسلنديّة ملحميّة، ذاع صيتها فوجدت في تسع وستين مخطوطة يرجع تاريخها إلى أواخر القرن الرابع عشر حتى التاسع عشر. امتدّت حكاية هرولف الجوّال ابن الملك ستورلوغ المثابر فتعددت أحداثها وتنوّعت لتضمّ طيفا واسعا من الشخصيات والموضوعات من خروج البطل من مدينته إلى العالم الخارجي، وصراع الملوك، ومسعى الزواج، وإنقاذ البطل للأميرة وزواجها، إلى استعادة المُلك وهزيمة الأعداء. يُقدّم للسيرة باستهلال على غير العادة في السير الآيسلنديّة، ويبيّن المؤلف الغاية من إبداع السير قائلا إنّ تأليف الحكايات من أجل المتعة والإبهاج بالاعتماد على الأناشيد القديمة أو معرفة الحكماء أو من الكتب القديمة التي ترويها باختصار وتتنامى بعدها لأن وقائع الحكايات تكون أسرع عند روايتها. وينصح بالقول إنَّ أفضل ما يفعله المرء وأكثره حكمة أن يستمع للحكاية حين تروى، ويبتهج خير له من الاغتمام لأن الناس دائما لا يكترثون بالآخر أو بالآثام حين يستمتعون بالمباهج. ويقول في خاتمتها إنّ الأناشيد القديمة والحكايات إنما أبدعت للمتعة اللحظية لا لتدوم طويلا. ويشكر من سمع واستمتع، والحزن رفيق كل من تضايق من الحكاية ولن يسعه الاستمتاع بشيء. ولا يغيب صوته في أثناء السرد إذ يعلّق على بعض أحداثها مستحيلة الوقوع بأنّه من الممكن وقوعها لا سيما أنّ مصدرها رجال ثقاة ويستدلّ على أحداث في كتب أخرى من خارج آيسلندا مثل هومير، وليس غرضه إقناع السامع بأن ما يسمعه حقيقي أكثر منه الاستمتاع به وألا يُمنطق كلّ حدث غريب إنما يترك القصة تجري كما بلغت الراوي.
تبدأ السيرة بقصة الملك هريغفد في روسيا وحربه ملك السويد إريك، تنتهي المعركة بمقتل هريغفد وسيطرة إريك على بلاده. يخطب إريك إنغيغرد ابنة غريمه المقتول لكنها تطلب أن يمهلها ثلاث سنوات حتى تجد رجلا يبارز محاربه سوركفر في مطاعنة بالرماح. تنتقل القصة بعدها إلى هرولف الذي أنكر عليه أبوه ستورلوغ، وكان ملكا في النرويج، كسله وخموله وانعدام مآثره وبطولته، فآثر هرولف أن يهجر مملكة أبيه ويخرج إلى العالم. جرت عليه بعدئذ وقائع انتهت به إلى بلاط اليارل ثورغنر حيث أثبت بأسه وشجاعته، ومن هناك سعى إلى الأميرة إنغيغرد ليكون الفارس الذي يقاتل من أجلها المحارب سوركفر. في طريقه إلى روسيا يلتقي هرولف فيلهيالم، واحدة من الشخصية المائزة في السير الآيسلنديّة لما لها من صفات على سوئها وخبثها فقد أظهرت إنسانيّتها وأنها نتاج العالم الواقعي لا الأسطوريّ المتخيّل. أراد فيلهيالم أن يستغلَ هرولف لما له من شجاعة وبأس في تحقيق مآربه، والزواج بغيدا، أخت الملك هرولف، وما وقع في مأزق إلا خرج منه بفضل ذكائه وحسن تدبيره. وهو مثال لمن يقع على قدميه حين يُرمى على رأسه. في الجهة المقابلة كان هرولف شخصية على ما امتازت به من صفات الرجولة والقوة، التي بذّت سائر المحاربين، فإنها خاضعة لقدرها ومطيعة للآخر منذ خروجه من مملكة أبيه، ثم ذهابه نيابة عن اليارل ثورغنر، والتزامه بعهد العبودية لفيالهيالم إلى أجلٍ، حتى قتاله إريك وجيشه والانتصار عليهم. يبرز التباين جليا بين فيالهيالم وهرولف فالأول استطاع بمكره أن يبلغ مراده وإنْ أودى بحياته في آخر المطاف لسوء عمله وسريرته، والآخر كان يبدو راضيًا بما يقع عليه أو يطلب منه بصبرٍ غير نافدٍ وطاعة لم تبد عليها الحكمة أكثر من التسليم حتى انتظار الفرج الذي يخرجه من حالٍ إلى حالٍ، وكثيرا ما كان بحاجة إلى عون الآخر سواء بطلبٍ منه أو من لدن الآخر.
اجتمعت في سيرة هرولف العناصر التقليديّة في الحكايات الخرافيّة، والتقت وسير أخرى مثل حبكة التل-القبر وامتلاك الميت سلاحا يعطيه لسائلٍ بعينه وهو ما كان في سيرة الملك هيدرك. دفن مع الملك هريغفد درعه وسيفه وحوّط قبره بالسحر، لكن أخذهما لاحقا هرولف وكان السبب في انتصاره على المحارب سوركفر. تكرر ظهور الموتى للأحياء أو حتى عودتهم إلى الحياة بصورة المحارب-الميت في أكثر من سيرة، لكن ما يلتفت في ذلك، كما ظهر جليا لدى الملك هريغفد، هو علم الأموات الغيبيّ ومعرفتهم أمورا يجهلها الأحياء سواء في الماضي والحاضر أو المستقبل، ويجعلهم موتهم يدركون ما لا يدركه الأحياء. ولعلّ شخصية العرّافة فولفا التي تستعين بها حتى الآلهة لمعرفة المستقبل أبرز شخصية في الفكر الإسكندنافي عن مقدرة الأموات معرفة ما يجهله الأحياء، المقدرة التي آمن الإسكندنافيون أنها عند بعض الأحياء مثل العرّافات، فرجع إليهنّ الناس للسؤال عن مستقبلهم وقابل أمورهم ومصيرهم كما في سيرة أود ذي السهم الذي تنبأت له العرّافة بحياته ومصيره فكانا كما قالت.