الحاج مراد – تولستوي
تدور أحداث هذه الرواية التي كتبها تولستوي ما بين سني (١٨٩٦-١٩٠٤) ونُشرت بعد وفاته سنة ١٩١٢م، في القوقاز وداغستان، حيث كانت الحرب ما بين القوقازين بقيادة الإمام شامل، والاحتلال الروسي الذي يحاول بسط نفوذه وسيطرته على هذه المنطقة منذ القرن الثامن عشر. تتمحور الرواية حول شخصية الحاج مراد، وكان لديه صراعات مع الإمام الثاني للقوقاز، حمزة بيك، وقد اغتاله الحاج مراد أثناء صلاة الجمعة مع أخيه ومريديه بسبب اتهامه لحمزة بيك بقتل أبناء أخيه الست وزوجة أخيه، ولا توجد مصادر مؤكدة تُثبت هذه التهمة، وقد اعتمد تولستوي في مصادره على مدونة أحد رجالات الدولة المهمين ووزير للحربية فيما بعد، الروسي ياور فورنتسوف، في ذكر أسباب الصراع بين حمزة بيك والحاج مراد. وبكل الأحوال لا يمكن الاعتماد على تقارير عسكرية للمحتل الروسي تشوبها الأكاذيب كما تهكم عليها تولستوي في إحدى فصول الرواية. أما صراعه مع الإمام الثالث للقوقاز “شامل” -المعروف بشجاعته وإقدامه ويعدُّ أحد أهم إن لم يكن أهم القادة الذين تصدوا للاحتلال الروسي لمناطق القوقاز وداغستان والمعروف بصقر الجبال وأسد القفقاس- لأنه اختطف عائلة الحاج مراد، وهذه المعلومة كذلك لا يوجد دليل عليها عدا المصدر الروسي، ولا يمكن الأخذ به وحده، نظرًا لسيرة الإمام شامل المعروف عبر القوقاس، الذي استمر أكثر من عقدين في مقاومة الاحتلال الروسي حتى وقوعه في الأسر. وكما نوّه تولستوي في بداية الرواية على قلة مصادره ولجوئه للخيال حتى يُكمل بعض فصول وأحداث الرواية، فإن الرواية بطابعها التاريخي والوقائع الفعلية التي ذكرت فيها والأسماء الحقيقية للشخصيات الروسية العسكرية أو القوقازية، لا يمكن أن نعدها رواية متخيلة فقط، بل هي رواية تاريخية تنقل وقائع محددة تخص شخصية معروفة ألا وهي الإمام شامل، والحاج مراد، في حين تشير بعض المصادر إلى أن الحاج مراد كان صاحب عصبة وشارك باغتيال الإمام حمزة بيك وركونه إلى جانب المحتل الروسي، فهو يظهر من وجهة نظر القوقازيين- خائن، ويصوّره تولستوي بطلا وأن عائلته التي اختطفها شامل هي السبب في ركونه إلى الجانب الروسي، رغم أنه في آخر المطاف لم يحصل منهم على أي ضمان بإمكانه أن يعتمد عليه في تحرير أسرته المخطوفة كما تنقل الرواية. كثير من جوانب الرواية تلفها الغموض خاصة في آخر المطاف وهروب الحاج مراد من المعسكر الروسي، فكما يبدو فإن عدم حصوله على ضمانات الروس في مساعدته وتقاعسهم وعدم الاطمئنان له والوثوق بجانبه كلها أدّت إلى هروب الحاج مراد ومرافقيه، ولا يُفصح تولستوي عن هذه الأسباب التي دفعت الحاج مراد إلى الهرب، على الرغم من أن تولستوي كان قد سعى بجهد أن يجمع أكثر المعلومات الموثوقة حول حياة ونهاية الحاج مراد كما يذكر المحرر الروسي للرواية. فلا أرى أن مثل هذا التغاضي عن التوغل ونقل كل ما يخص الحاج مراد وذكر تفاصيل قصته ولو الإشارة على نحو يسير تُعطي للقارئ الثقة بهذا العمل من منظوره التاريخي. إضافة إلى ذلك هناك تشويه لصورة الإمام شامل الداغستاني، الطيب الذكر إلى اليوم في داغستان والذي وقع أسيرا كما ذكرت آنفا في آواخر سنة ١٨٥٩ وبقي أسيرا في الإمبراطورية الروسية يُقيم فيها بعد أن قابل القيصر ألكسندر الثاني، وبعدها نُفي إلى كالوغا، ثم إلى مدينة صغيرة في موسكو، وفي عام ١٨٦٩، سُمح له بالحج إلى مكة وبعدها انتقل إلى المدينة المنورة ليعيش فيها عامين وتُوفي في سنة ١٨٧١، بعمر يناهز الثالثة والسبعين. تُلقي الرواية في المجمل الضوء على الحرب التي دارت بين أهل القوقاز وداغستان ضد الروس، والسياسة الروسية في الحرب وتدمير وحرق القرى، في حين تبقى صورة الحاج مراد في الرواية ضبابية، لم نتعرف عليها بصورة واضحة وجلية، فكان يبدو في كثير من الأحيان يتصرف بغير سجيته، مع الروس، وأنه يحاول أن يتقرب منهم ليثقوا به، فيأخذ مراده ثم يُنهي اتصاله بهم، لذلك كان هناك شخصية حقيقية للحاج مراد وهي التي لم نعرفها حق المعرفة، وشخصية تمثيلية روائية هي التي رأيناها، وعشنا معها في فصول هذا الكتاب، مع نهاية درامية للحاج مراد لا أرى أنها تتناسب مع سيرة حياة عرّفها الكاتب لنا بالبطولية والإقدام وشهد لها العسكريون الروس.