مختصر قصة سيغفريد في نشيد النبيلونغ
تتكون ملحمة أرض الضباب من قسمين رئيسين موزعين في تسعة وثلاثين فصلا، يبدأ القسم الأول من الفصل الأول وينتهي بالفصل التاسع عشر، والقسم الثاني من الفصل العشرين وحتى الفصل الأخير، التاسع والثلاثون.
يتناول النصف الأول من الملحمة قصة سيغفريد وحبه لكريمهيلد وحياته مع البورغانديين في مملكة فورمز. كان سيغفريد فارسًا شجاعا وبطلا باسلًا، فقد ذهب إلى أرض الأقزام، نيبلونغلاند، وقتل هناك التنين الحامي لكنزهم واستحمَّ بدمائه التي منحت جسده الصلابة فلا يخترقه أيُّ سلاح عدا موضعٍ في عظم الكتف إذ سقطت على ظهره ورقة شجرة أثناء استحمامه ومنعته من تحصين جسده بالكامل، وحاز بعدها على العباءة السحرية من القزم ألبيرخ، واستطاع الاستحواذ على كنز الأقزام العظيم، لينال بذلك قوًى خارقة زادت من شجاعته وعلو كعبه على خصومه فأصبحَ بطلا لا يُهزم في قتال ولا يُشقُّ له في ميدانٍ غُبار، إضافة إلى ما تمتَّع به من جمال وعظمة ونسب رفيع إذ كان أميرًا ابن الملك سيغموند وعلى وشكِ أن يتوَّج ملكًا على مملكة النيدرلاند خلفًا لأبيه لكنه يسمع عن كريمهيلد ويقع حبه في قلبها فيرحل مع فرسانه إلى مملكة فورمز ويكوِّن صداقة مع ملكها غونتر، أخ كريمهيلد، الصداقة التي أثمرت الكثير من المغامرات والتحالفات والفضائل التي قدَّمها سيغفريد لهم. كان أول ما قدَّمه سيغفريد لغونتر مساندته الأخير في قتال السكسون الذين غزوا مملكة فورمز فانتصر البورغانديون على أعدائهم بفضل شجاعة سيغفريد الذي جلب ملكيْ السكسون، ليودغير وليودغاست، أسرى إلى فورمز، النصر الذي أكَّد مُلْكَ غونتر على أراضِ كثيرة وأوقف أطماع السكسون بمملكته بل واضطرَّهم على الدفع له واتقاء أذاه. لم يستطع سيغفريد طوال سنة من عيشه في مملكة فورمز من رؤية كريمهيلد لما تقتضيه أعراف الفرسان والملوك حتى تمكن رؤيتها في آخر المطاف أثناء حفل أقامه أخوها الملك، غونتر، لكن هذا لم يكن كافيًا لسيغفريد الذي رغب بزواجها، الرغبة التي شاركته إياها كريمهيلد، ولم يتسنَّ له ذلك حتى أراد غونتر زواج ملكة آيسلندا، برونهيلد، حين سمع بجمالها وصيتها وقوتها. استغل سيغفريد الفرصة لمعرفته السابقة ببرونهيلد ومملكتها واشترط على غونتر أن يساعده على زواج برونهيلد شرط أن يزوَّجه أخته كريمهيلد. وهكذا سافر سيغفريد رفقة غونتر وهاجِن ودانكراوت إلى آيسلندا وملكتها الحرون التي تمتَّعت بقوة خارقة تفوقت بها على أقوى الرجال، واشترطت على من يتزوجها أن يهزمها في مسابقة رمي جلمود وقذف الرمح، وبعد أن بدأت المسابقة تمكَّن سيغفريد من الانسلال والذهاب إلى سفينتهم واستخراج عبائته التي لبسها واختفى عن الأنظار وساعد بعد العودة إلى ميدان المسابقة غونتر في رمي الجلمود وقذف الرمح وهزيمة برونهيلد التي ثارت في نفسها الوساوس والشكوك من هذه الهزيمة لكنها خضعت في الأخير وتزوجت غونتر وعادت معه إلى مملكته.
تمكَّن سيغفريد بعدها من الاقتران بكريمهيلد وتزوَّجا في اليوم نفسه الذي تزوَّج فيه غونتر وبرونهيلد، لكن زواج الأخيرين الفعليّ لم يكن ليتم لولا تدخل سيغفريد مرة أخرى، التدخل الذي سيدفع حياته ثمنًا له بعد سنوات. بقي الشك يعتلج في صدر برونهيلد من هزيمتها أمام غونتر وكذلك عن مقام سيغفريد الحقيقي فهو لا يبدو تابعًا لغونتر كما أن زواجه كريمهيلد في يوم زواجها لا يشي بأنه أدنى مقاما من غونتر، لم تسمح برونهيلد في ليلة زواجها الأولى لغونتر الاقتراب منها بل وربطته وعلَّقته في الحائط حتى مطلع الفجر ولم يستطع غونتر فعل شيء بسبب قوتها البدنية الغالبة، وحذَّرته من أن يقترب منها وما كان له إلا الطاعة والتسليم لهذا. اشتكى في اليوم التالي لسيغفريد وقصَّ له ما جرى فاقترح على غونتر مساعدته ففي انصياعه وخضوعه وهزيمته أمام برونهيلد المرأة عارٌ على كل الرجال، لذا كان لا بد عليه أن ينصر الذكورة على الأنوثة في هذا الموضع، وافق غونتر على هذه المساعدة المُخجلة لكنه اشترط على سيغفريد فعل كل شيء حتى قتلها إلا تلك الفعلة، وافق سيغفريد ولجأ إلى عباءته المخفية مرة أخرى وبعد أن أُطفِئَتْ شموع مهجع برونهيلد تسلل سيغفريد إلى المهجع واستلقى قربها دون أن ينطق بحرفٍ حتى لا تُكشف هُويته، ثم بدأ بملامستها وتصارعا في الظلام فغلبها سيغفريد وخرج من المهجع لكنه سلب منها أثناء الصراع مِعضد ذراعها وطوق خصرها دون أن تشعر بذلك (لا يوجد تفسير مباشر في الملحمة لهذه الفعلة لكني أؤوِّل فعلته بدافع الفحولة والرجولة وإثبات بأنه من روَّض برونهيلد مرتين في القتال والفراش، في حين سبب الفعلة وفقًا للشاعر أنها نوع من الحبكة التي ستنقلبُ وبالًا عليه لاحقًا) ليدخل غونتر دون أن تنتبه برونهيلد بسبب الظلام وكان للأخير ما يكون لكل رجل من امرأته.
عاد سيغفريد بعدها مع زوجته إلى مملكته في نيدرلاند وتوِّج ملكًا. مرت السنوات وبقي الشكُ يتآكل قلبَ برونهيلد من طبيعة العلاقة بين غونتر وسيغفريد لذا فطلبت من غونتر أن يدعو سيغفريد وكريمهيلد ليزوروهم في مملكة فورمز، حضر سيغفريد مع زوجته ووالده سيغموند وفرسانه وحاشيته إلى مملكة الراين مجددًا لكنه حضور لن يكتب له بعده الخروج منه إلا ميْتًا.
سعتْ برونهيلد أن تكتشف مقام سيغفريد الحقيقي وهل هو تابع حقًا لغونتر، وحاولت أن تُذَّل كريمهيلد وتُعلو عليها في القَدْر والمكانة لكن الأخيرة (أخبرها سيغفريد منذ زمن طويل بسر مساعدته أخيها على برونهيلد) اشتاطت غضبًا وعيَّرتها بماضيها ووصفتها بأنه “عشيقة التابع” وطعنت في شرفها وكيف لمن مثلها أن تتزوج ملكًا؟ وأخرجت لها المِعضد مؤكدةً كلامها. أثارت هذه الإهانةُ برونهيلد فبكت وغضبت وطلبت توضيحًا لهذه التهمة من زوجها غونتر، تلافوا هذه المشكلة التي وقعت بين المرأتين ظاهريًا لكن سرعان ما تآمر غونتر وأخوته وهاجن على التخلُّص من سيغفريد لأن بقاءه على قيد الحياة سيشكِّل خطرًا عليهم كما قال هاجِن التابع الأمين لغونتر، فأشاعوا خبرًا بأن السكسون سيهجمون عليهم ليأخذوا سيغفريد معهم في قتال السكسون ويتآمروا على قتله. وقبل الانطلاق إلى القتال ذهب هاجِن للقاء كريمهيلد وتحدَّث معها محاولًا استدراجها لمعرفة كيفية القضاء على زوجها، لكنها، وبدافعٍ حبِّها لسيغفريد وثقتها بهاجن كونه تابعَ أخيها، كشفت له نقطة ضعف زوجها وكيف يمكن للحراب أن تخترق ضلع كتفه الأيسر (أخبرها سيغفريد عن هذا السر أيضًا)، وكان كشفها هذا السر بنيّة أن يحميه هاجن من القتل إذا اشتدَّ وطيس المعركة، وطلب هاجن منها أن تُعلِّم ثيابه بعلامة صغيرة حول ذلك الموضع ليحميه. ثم صدف وأن خرج سيغفريد وغونتر وهاجن وآخرون إلى الصيد وبعد جولة طويلة من الركض وملاحقة حيوانات البرية، ذهب سيغفريد مع الآخرين لشرب الماء من نبعٍ في الغابة وعندما انحنى ليشرب استغل هاجن الفرصة وقذفه بالرمح وتسبب بموته.
يُخاطب سيغفريد قتلته قبل موته:
يا ثلة الجبناء السفلة
لأيّ من مآثري تقتلونني اليوم؟
دائما ما كنتُ مخلصًا لكم، وبهذا تجازونني!
وأسفاه! أخطأتم بحقِ نسيبكم
ليشعرنَّ كلُّ سليلٍ يخرج من أصلابكم
في يومٍ بعارِ جريرتكم.
أطفأتم نار غضبكم مني بما جازَ الطوقَ.
سيكلِّلكمُ العارُ ما حييتم والشنارُ
ولن تجدوا بين خيار المحاربين موطئ قدم.
…
لتتهللوا جذلا
لكنني لو علمتُ انحناءة الموت
لسُهلَ عليَّ حماية حياتي منكم.
ما آسفُ على شيء كأسفي على زوجي
كريمهيلد السيّدة.
ليرحمني الربُّ على إنجابيَ ولدا
سيعاني قادم الأيام من عار أخواله القتلة
لو أنَّ لي قوة لملكتُ أسباب الشكاية.
أيها الملكُ النبيل
لو دعتك نفسُك في يوم فعلَ مكرمةٍ
فأوصيكَ رحمةً بحبيبة قلبي
لتتشرفْ بخيرِ أنها أختُك.
أسألك بحق كل الأمراء
ومن وقفوا جنبها بولاء
فما من سيدة قطُ نالها ما نالت من صديقة عزيزة
وأسألك أبي وأتباعه،
فسيطول بهم أمدُ انتظاري!
يُعيد غونتر وأتابعه سيغفريد محمولًا على درع واتفقوا على أن يقولوا إنَّ من قتله لصوص كانوا في الغابة، وبعد أن وضعوه على عتبة جناح كريمهيلد التي سمعت أجراس القلعة ترنُّ معلنةً عودة زوجها والآخرين لتُصعق عند خروجها برؤية جثمان سيغفريد. وتتأكد من هوية قاتله، هاجِن، إذ هي من أرشدته إلى ذلك جهلًا منها بنيّته، فسعت منذ حينها إلى أن تثأر من قتلة زوجها، هاجِن وغونتر والبقية بمن فيهم أخواها الآخران غيرنوت وغيزلهير ودانكراوت أخو هاجِن. ترفض كريمهيلد العودة مع حميها، سيغموند، الذي أخذ جثمان ابنه معه إلى مملكتهم، النيدرلاند، ومدينتهم زانتون. تبني كريمهيلد قصرًا لها قريبا من مملكة أخيها، وتجلب بمساعدة النيبلونغيين، الأقزام، كنزهم الذي استولى عليه زوجها بعد أن هزمهم، وكان لها ما أرادت لكن هاجِن المتآمر يتدخل مرة أخرى ويحرِّض غونتر عليها بأن يسلبَ منها كنز النيبلونغ فلو بقيت مالكة كل هذه الثروة ستسخدمه في هلاكهم وما دامت كريمهيلد حيَّة تُرزق فلن تطيب لها الحياة إلا بموتهم ولن تطيبَ حياتهم إلا بموتها، يستجيب غونتر لمشورة هاجِن التآمرية مجددًا ويأمره بأن يُلقي كنز كريمهيلد في نهر الراين. يجتمع إثر هذا عند كريمهيلد كلُّ أسباب الثأر لزوجها ونفسها وثروتها من أخيها وأتباعه، فتكنُّ لهم الضغينة وتضطرم في صدرها نار الثأر التي ما خمدت حتى تحقق ما سعت إليه على مدى سنوات.