التراث الآيسلنديالتراث الأدبي

كتاب إيدَا النثري The prose Edda

سنوري ستورلوسن 

إنَّ كتاب سنوري ستورلوسن أول وأهم مصدر عن الأساطير الإسكندنافية/ النورديّة، ألَّفه سنوري نحو عام 1220. كُتبت أقدم مخطوطاته الباقية في عام 1300، ويوجد اليوم سبع مخطوطات تقريبا من كتاب سنوري الذي كتبه باللغة الآيسلندية، واحدة من اللغات الأوروبية القروسطية القلائل التي كُتب الشعر بها بالعامية، وكذا الحال مع كتابة الأطروحات بالعامية عن الشعر كما يشير أنتوني فاولكيسيعود أول ظهور لهذا الكتاب في عام 1665 في كوبنهاجن عندما نُشرت طبعة كتاب إيدا بترجمتين دنماركية ولاتينية، استمرَّت بعدها ترجمات هذا الكتاب إلى اللغات الإسكندنافية والفرنسية والألمانية والإنجليزية. ومن أوائل الترجمات إلى الإنجليزية في القرن العشرين كانت في عام 1916 على يد آرثر جيلكريست برودور واقتصرت على مقدمة الكتاب والقسم الأول والثاني فيما كان القسم الثالث ونظرًا لصعوبة إيجاد الكلمات المقابلة فعجز المترجم عن نقله إلى الإنجليزية، ولكن نُقل الكتاب لاحقا في ترجمات كاملة مثل ترجمة أنتوني فاولكيس، أستاذ الآيسلندية القديمة في جامعة برمنغهام، في عام 1998. 

نُقلَ الكتاب إلى العربية بعنوان سنورا إدَّا من المترجم د. موسى الحالول في عام 2013، لكن ترجمة اقتصرت على المقدمة والقسمين الأول والثاني، والثاني ليس كله بل حتى فقرة المعركة الأبدية، أو ما تسمى بالعاصفة Storm أو عاصفة ثلج هيادنينغز SnowShower of Hiadnings، وهي المعركة التي دارت بين الملكين هوغني وهيدن بعد أن خطف الثاني ابنة الأول، هيلدر، وبعد رفضه التسوية مع الملك هيدن تقاتلا من الصباح حتى المساء، وفي المساء تذهب هيلدر إلى أرض المعركة وتُحيي الموتى بالسحر الأسود، وهكذا تستمر المعركة حتى معركة نهاية العالم راغناروك أو قَدَر الآلهة The Weird of Gods، وهي المعركة التي يموت فيها عدد آلهة الإسكندنافيين من ضمنهم أودين وثور ولوكي، ثم يعود بعض الآلهة إلى الحياة، ويُخلق بشريان منهما تُعمَّر الآرض مجددًا. لكن القسم الثاني لا ينتهي بمعركة نهاية العالم والمرقَّمة بالفقرة 49، إذ تأتي بعدها أسئلة أخرى عن كنايات الشعر وألفاظه ولغته وتورياته حتى الفقرة 74 الأخيرة، إضافة إلى أن القسم الثاني يحوي قصائد سواءً عن بعض القصص الواردة أو عن لغة الشعر وهي ليست مترجمة بالكامل إلى العربية. وأحسب هذه النسخة العربية التي قرأت منها عن ترجمة آرثر جيلكريست ويشوب الاختصار بعض فقراتها عندما قابلتها مع ترجمة آرثر.

سنوري ستورلوسن 

ولد سنوري في عام 1179 في آيسلندا، لعائلة أرستقراطية خُلع اسمها Sturlung على حقبة من الاضطراب والعنف في أوائل القرن الثالث عشر، التي تأتّى عنها خسارة آيسلندا لاستقلالها وخضوعها لحكم ملك النرويج. لفَّ حياة سنوري، كما يشير آرثر جيلكريست، الكثير من الغموض والحيرة، لكنه كان كاتبًا وشاعرًا ورجل قانون في البرلمان الآيسلندي، وزار النرويج مرتين، ولا يعرف إلا القليل عن حياته ما بين سني 1199، وهو تاريخ زواجه، و1241، وهو تاريخ اغتياله على يد ابن زوجته، غيزور ثورفالدسون. يصفه أنتوني فاولكيس بأنه لم يكن بالرجل الجذَّاب لكن اعتُرفَ به واحدًا من أعظم الكتَّاب الآيسلنديين، وظهر في كتبه شخصًا متحضرًا وذكيًا وحسَّاسًا. عاش سنوري في حقبة شهدت ازدهارا سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا وأدبيًا في آيسلندا وشهدت أيضًا سلطة الكنسية التي أصبحت أقوى من ذي قبل وشنَّت هجماتها على المكانة التقليدية للزعماء العلمانيين

برز حينها أيضًا أدب الملاحم والشعر ذو المواضيع المحليّة لكنها لم تكن المواضيع الوحيدة كما يذكر أنتوني في مقدمته للكتاب. راود سنوري طموح سياسي وضحَّى بكل شيء من أجل تحقيق ما أراده لكي يصبح أقوى رجل في آيسلندا وزار ملك النرويج، هاكون، من أجل طموحاته السياسية. ويشير آرثر بأنه من أجل مسعاه فقد تعهَّد بقَصْدٍ على خيانة بلاده لصالح ملك النرويج، هاكون، الذي رغب في ضم آيسلندا إلى سلطانه، ولم يكن ينقص سنوري إلا الشجاعة لتحقيق حرية بلاده، وبعد خمس عشرة سنة دون تحقيق أي شيء لصالح للبلاط الملكي النرويجي أثيرت الشكوك حوله، وحلَّ السخط عليه بعد مغاردته البلاط الملكي دون إذن هاكون الذي أمر بقتله على يد غيزور في عام 1241. استطاع هذا الملك فرض سلطته في آيسلندا في سني 1240 – 1260 بعد توحيدها وتمكَّن من إخضاعها في عام 1262 لسلطانه، ودان له زعماء آيسلندا بتوقيع اتفاقية العَهْد العريق“. اعتنق سنوري الديانة المسيحية لكنه لم يجعلها تؤثر في محتوى كتابه الذي تعامل مع العقائد الوثنية لشعوب المنطقة القديمة، بل وبدا حريصًا على ذكر أخبار الآلهة وقصصهم ومعتنيًا بالأشعار ومقدِّمًا مادة مفصَّلة عن تلك الحقب الخالية دون أن يبرز معتقده المسيحي في طيات كتابه.   

لسنوري مؤلفات أخرى مثل Heimskringla وهو أجود كتاب عن تاريخ ملوك النرويج، وقد يكون كذلك صاحب أجود الملاحم الآيسلندية Egils Saga، ويشكك آرثر جيلكريست في نسبة كتاب Heimskringla قائلًا إنَّ نسبة هذا الكتاب إلى سنوري غير محسومة مع أن هذا الكتاب مع كتاب إيدا النثري متشابهين في الهيكلة والبيان.  

محتوى الكتاب

يتوزع الكتاب على أربعة أقسام هي المقدمة، التي تقدِّم قصة الخلق وفقًا لنصوص الديانات الإبراهيمية، وشرح عن حال العالم والطوفان، وتقول بأن قوم أودين، الذي انحدر من صلب ثور وكان هذا من نسل بريام ملك طروادة، سكنوا في آسيا، خير بقاع الأرض مناخًا وثراءً ونماءً، وبالتحديد في أرض الترك، في طروادة. ثم هاجروا إلى شمال أوروبا إذ تنبأ أودين بالفلاح له ولقومه هناك. أسس أودين ممالك في بلاد إسكندنافيا شبيهة لممالك طروادة الاثنتي عشرة، ونصّب أبناءه ملوكا لها، فكانت بداية نشأة السويد والنرويج وزيلاند والدنمرك. عُرف هذا الشعب باسم شعب آيسر Aesir-people، وAesir تعني آلهة Gods ومشتقة من آسيا، أي شعب الآلهة. يشير آرثر جيلكريست بأن هذه المقدمة في رأي الكثير من دارسي الكتاب مزيَّفة. يبدأ القسم الأول من الكتاب ويُعرف بـ خداع غلفي Gylfaginning، ببحث ملك السويد غلفي عن أسرار شعب آيسر الذي رأى فيهم مَكَرة يستأثرون بالخيرات لأنفسهم ويجذبونها إليهم. لينطلق بعدها في رحلة إلى أسغارد، مدينة الآلهة، متنكرًا ومستعيرًا اسم غانغليري، ويلتقي ثلاثة رجال على ثلاثة عروش هم تواليا هار وجانهار وثريدي (العلي، المساوي للعلي، الثالث). يبدأ بعدها غانغليري بطرح أسئلة عن الآلهة والخلق والزمان وبدايات العالم وكل ما طرأ على ذهنه، يتناوب هؤلاء الثلاثة على الإجابة عن هذه الأسئلة بقصص يُستشُهد على بعضها وأحداثها بالأشعار من كتاب إيدا الشعري. ضمت هذه الحوارات العديد من القصص عن الآلهة وأسمائهم وأحوالهم ومغامراتهم وصفاتهم، وذكرت قصة قَدَر الآلهة أو راغناروك التي تنتهي بدمار العالم وموت بعض الآلهة ثم تعود الحياة رويدًا بعدها

أما القسم الثاني فهو لغة الشعر أو ما يعرف بِـ Skaldskaparmal، وهو محاورة أيضًا ما بين الإله براغي ورجل يُدعى آيغر Aegir أو Hler هلير وهو رجل يعيش في جزيرة تعرف بجزيرة هيلر ويقال إنه إله البحريأتي إلى أسغارد ويخبره براغي بقصص وأخبار وقعت بين الآلهة وجرت عليهم. تردف أغلب الأحداث والقصص بقصائد نُظمت فيها أو عنها، والمحاورات الأخيرة بين الاثنين كانت عن كنايات الشعر وتورياته، وهي أشبه ما تكون بإرشاد وتعليم لفنون الشعر الآيسلندي ولغته

أما القسم الأخير من الكتاب، ويعرف بHattatal فيضم ثلاث أغانٍ منفصلة من مئة واثنين مقطعٍ شعري نظمها سنوري في مدح ملك النرويج هاكون، وحموه الإيرل سكولي  باردسون. يتخلل هذه المقاطع الشعرية تعليقات سنوري عن الشعر وأوزانه وكناياته وقوافيه ولغته وأساليبه. 

معنى الاسم إيدا Edda

لا يوجد اتفاق على أصل هذا الاسم ومعناه وتنوعت الآراء، من بينها أن سنوري قد قضى شطرا من حياته ما بين سنة الثالثة والتاسعة عشر في منقطة أودي Oddi حيث تعلَّم على يد حفيد سايموندر العالِم Saemunder the learned، والذي أسس مدرسة في أودي، وألَّف سنوري كتابًا عنونه إيدا على اسم المكان كما يذهب المترجم آرثر جليكريست إلى هذا الرأي. ويقول رأي آخر بأن سنوري، الذي ضمَّ كتابه بعض القصائد من كتاب إيلدر The Elder أو إيدا الشعري Poetic Edda، قد يكون جعل اسم كتابه على اسم الأصل الذي تعلَّم منه وقرأه وأخذ منه. والرأي الثالث الذي تقبله القواعد اللسانية هو اعتقاد سنوري بأن الكتاب الأصل اسمه كتاب الأودي أو الكتاب في أودي، ويُمكن أن يعبَّر عنه بالآيسلندية بـ أودابوك Oddabok أو إيدا Edda. ويذكر المترجم أنتوني أن الاسم قد يكون مشتقا من الكلمة Edo  اللاتينية التي لا بد أن لسنوري حظًّا منهاوواحدة من معاني هذه الكلمة أنا أولِّف“. وأطلق اسم Edda لاحقا، ابتداءً من القرن السابع عشر على مجموعة القصائد التراثية المكتشفة والمجهولة الشاعر، والتي عرفت باسم كتاب إيلدر أو إيدا الشعري، لذا فلا بد من التفريق ما بين Poetic Edda إيدا الشعري وProse Edda إيدا النثري. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى