(كتبت إيميلي برونتي هذه المقالة وأُخرَ غيرها في بروكسل عام 1842 حين ذهبت مع أختها شارلوت للدراسة في مدرسة البنات الداخلية Pensionnat. كُتبتْ هذه المقالات في الأصل بالفرنسية في فصل الأدب الذي كان يُديره المسيو قسطنطين هيغر. أُعجب هيغر بإيميلي وعقليتها رغم الخلاف بينهما وقال عنها “كان يجب أن تكون رجلًا. تملك عقلا منطقيًا ومقدرة على الجدال، من غير المعتاد أن تجدهما في رجل، ومن النادر حقًا أن تملكهما امرأة”. تَرجمتْ هذه المقالة عن الفرنسية الكاتبةُ ستيفي دافيس في كتابها Emily Bronte: Heretic)
*
أقول بكل صدقٍ إني أحبُّ القطط، بل وسأمنحُ أسبابًا وجيهةً تكشف أنَّ من يكرهونها على خطأ. القطة حيوان يملك من المشاعر الإنسانية ما تفوق به أي كائن آخر تقريبًا. لا يمكننا على سبيل المثال أن نعقد مقارنةً ما بينها والكلب، الذي يمتاز بصفاتٍ حميدةٍ لا حصر لها، لكن للقطة، المختلفة في سمات جسديّة محددة، عريكةٌ1 تشبهُ الإنسان بها. قد يقول بعض الناس حقًا بأن هذا التشابه يُمكن أن يُعقد مع أسوأ البشر، الذين ولدوا بفائض من النفاق والقسوة ونُكران الجميل، رذائل بغيضة في جنسنا وهي أيضًا كريهة في القطط. من دون نقاش الحدود التي وضعها هؤلاء الأفراد بين تماثلنا، أردُّ قائلةً إذا كان النفاق والقسوة ونكران الجميل سماتُ شِرار الخَلْق حصرًا فإن هذا التصنيف يشمل الجميع؛ يطوِّر تعليمُنا واحدةً من هذه الصفات بمثاليّة كبيرة، وتزدهر الأخريتان دون أن تُعززا قصدًا في منأى عن الإدانة، ونعتبرُ بهذه الصفات الثلاث برضًا لا نظير له عن النفس. تُخفي القطة أحيانا، من أجل منافعها الذاتية، لا إنسانيتها بغطاء ذي حلاوة جذَّابة جدًا، فعوضًا عن تمزيق ما تريده من يد سيدها؛ تأتي إليه بهالةٍ من الوداعة وتحكُّ رأسها الصغير الجميل به، وتمدُّ طرفها ملتمسةً لطفه، وما أن تنال مرادها حتى تسترد خاصيّة النمس في داخلها. لكن حين نُسمي هذه السلوك الحاذقة نفاقًا، فإننا نمنحها اسمًا آخر، إذا ما فعلناه فيما بيننا، وهو التأدُّب. وسيُنفى أيٌّ منا من مجتمعه إذا لم يعتدْ على إخفاء مشاعره الحقيقية. ’لكن‘ تعترض سيدة محترمة، قتلتْ نصفَ دزينة من الكلاب المنزليّة المدلَّلة بدافعٍ من تِحنانٍ محضٍ، ’القطة حيوانٌ مؤذٍ؛ لا ترضى بقتل فريستها فهي تعذبها قبل موتها، ولا يمكنكِ بحال من الأحوال أن توجهي مثل هذا الاتهام إلينا‘. ليس على مبعدةٍ منك، سيدتي، السيدُ زوجك، على سبيل المثال، يحب الطَّرْد ويصيد الثعالبُ مع أنها أصبحت نادرةً في منطقته، ولن يتمكن من مزاولة مُتَعِه بين الفينة والأخرى إذا لم يُحافظ على رأسماله. لذا ترينه يُلاحق حيوانًا حتى تنقطع أنفاسه؛ ينتزعُ الحيوانَ من فكوكِ كلابه ويُبقي عليه معانيًا الانقضاضَ ذاته مرتين وثلاثة حتى تُزهقَ رُوحُه في الختام. وأنتِ تحفظين نفسك من هكذا مشهدٍ دمويّ لأنه يجرح مشاعركِ الرقيقة، لكنني رأيتُكِ تُعانقين ابنك بنشوة حين جاء ليُريك كيف سحقَ فراشة جميلة بأصابعه القاسية؛ وددتُ في هذه اللحظة امتلاك قطة، يتدلى من فمها نصف جُرَذِ مُبتلع، لأعرضَ لك صورةً طبقَ الأصل عن ملاكِكِ؛ من لن ترفضي تقبيله، وإذا ما خدشَ كلينا انتقامًا، أو بدافعٍ أفضل من هذا بكثير، فالأطفال الصغار عُرضة دائمًا لفعل هذا حين يميزون مداعبات ذويهم لهم، وسيكون هذا التشابه أكثر تطابقًا من سابقه. أما نكران الجميل في القطط فله اسم آخر وهو الفِطنة. تعلم القطط كيف تُقدِّر معروفنا بثمنه المناسب تمامًا لأنها تتكهن بالدوافع الذي حثَّنا على تقديمه لها، وإذا ما أحسَّت بأن هذه الدوافع أحيانًا ذات نيّة طيبة فستتذكرها بلا شكٍ دائمًا. لقد سلَّفتْ القطط كلَّ شقاوتها وخصائصها السيئة الجنسَ البشري، وبالتأكيد لم تكن القطة أثيمة في الفرودس.
1 الطبيعة والنَّفْس.